الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مخيم بردرش: ذاكرة سورية وصورة لكرة النزوح المتدحرجة

مخيم بردرش: ذاكرة سورية وصورة لكرة النزوح المتدحرجة

09.12.2019
براء صبري


القدس العربي
الاحد 8/12/2019
قبل سنوات الصراع ظلت وجهة الحراك السكاني والشبابي من شمال سوريا نحو حلب ودمشق تتزايد مع السياسات الاقتصادية التي اعتمدتها الحكومات التي جاءت تحت ظلال حزب البعث المُسيطر على مفاصل الدولة. لم يكن الحديث عن انفتاح الاقتصاد في داخله عن نمو متزامن لجماعات بشرية بقدر ما كان تآكلا للطبقة المتوسطة، وظهور وجوه فاحشة الثراء على حساب خط واسع من الجماعات شبه المعدومة في أطراف المدن الرئيسية. عفرين التي كانت تقاوم قليلاً بفضل دورة الاقتصاد الزراعي المحلي كل هذه الموجات لم تحم كل أبنائها من تركها. كان التجريف الاجتماعي في أبهى حالاته مع السياسات الاقتصادية الصادمة، ومع موجات الجفاف التي ضربت مناطق الجزيرة السورية وعين العرب “كوباني”. لم تكن عملية التحول من اقتصاد موجه ومركزي إلى اقتصاد السوق الحر تسير ضمن برنامج منظم بقدر أنه كان يعرض عضلات الفشل للنمطين الاقتصاديين ليس إلا. عمليات التنقل الداخلي كانت واضحة المعالم في منتصف العقد الماضي، واستمر الحال على هذا المنوال حتى بدأت موجة التظاهرات في العالم العربي. كرة النزوح والتحرك الاجتماعي تعاظمت مع السنوات الساخنة التسع الماضية. هذه الكرة المتضخمة تحتوي في عمقها المخيف ذكريات محزنة، وفوضوية، وصورة للأمكنة التي لم يعد منها شيء. ذواكر وليس ذاكرة هي التسمية الصحيحة للأسر العابرة للمدن والمحافظات خلال السنوات العشر الماضية. هذه التحركات لم تترك للأطفال الذين ولدوا في ظروف وأمكنة مختلفة انتماء واضحا لجهة ومكان ما. لا روابط مع المكان للأطفال، وشتات أسري بالنسبة للكبار. كل هذا الحراك الداخلي في سوريا، وكل هذه المعارك التي لا تنتهي أوصلت الكثير من العوائل إلى إقليم كردستان العراق الذي يتمتع بهدوء واضح ضمن المنطقة الشرق الأوسطية القلقة. رغم أن الإقليم نفسه كان حتى قبل عامين يصارع ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، ويقاوم محاولات بعض الجهات السياسية والعسكرية في بغداد وبدفع من دول الجوار إضعافه. وصل إلى الإقليم حوالي ربع مليون سوري خلال السنوات الثماني الماضية، وتطبعت أوضاعهم خلال الفترة الفائتة حتى بدأت موجة جديدة من اللاجئين تجتاز الحدود بعد الغزو التركي لمنطقتي تل أبيض ورأس العين “سرى كانيه” لتستقر في مخيم بردرش في محافظة دهوك، ومنها إلى داخل مدن وقرى الإقليم. المراكب البشرية الجديدة إلى المرفأ الحالي عنوان جديد لما يشهده سكان المناطق الشمالية في سوريا من ويلات لا تنتهي. بالمختصر كل عبور بشري سوري للخارج يقابله صدام مسلح جديد في الداخل.
التسرب خارج الحدود
يقع مخيم بردرش على بعد 70 كيلومترا شمال محافظة دهوك و32 كيلومترا شمال شرق مدينة الموصل العراقية. المخيم الذي افتتح بتاريخ 26 تشرين الأول/أكتوبر الماضي لم يكن جديداً. مرت ذاكرة المخيم بجماعة بشرية أخرى قبل استقباله اللاجئين السوريين هذه الأيام. ظهر هذا المخيم في عام 2014 بعد سيطرة “داعش” على معظم محافظة نينوى المجاورة. كان المخيم عبارة عن مأوى للنازحين العراقيين من تلك المحافظة “حيث بعد تحرير الموصل من داعش عاد جميع النازحين إلى قراهم وبلداتهم، واغلق المخيم في عام 2017” حسب ما صرح لنا أحمد عبدو مسؤول التنسيق وإدارة المخيمات لدى مؤسسة بارزاني الخيرية التي تدير المخيم حالياً.
مع الضوء الأخضر الأمريكي لتركيا بدخول الخط الممتد من سرى كانيه إلى تل أبيض نزح ما يقارب الربع مليون داخل سوريا باتجاه الخط الوسطي والشرقي الجنوبي من منطقة شرق الفرات. بوجود هذا الكم الهائل من النازحين داخلياً اختار البعض التسرب خارج الحدود. هؤلاء الذين وصل بهم الخوف واليأس إلى اتخاذ قرار الخروج من المنطقة، وخاصةً إن أهالي رأس العين وتل أبيض يدركون ما الذي حل بالمناطق التي دخلتها تركيا مع الميليشيات السورية المعارضة من ويلات، وتغيير ديموغرافي للسكان. كل ما سبق كان هو “السبب الرئيسي للهروب بأطفالنا” حسب ما قالته اللاجئة “ر.ع” من رأس العين التي تركت المنطقة ووصلت إلى المخيم بعد أن دفعت ما يقارب المئتي دولار عن كل فرد من أفراد عائلتها للمهربين لعبور الحدود. أم شيرو (44 عاما) أكدت “أن المسلحين القادمين مع تركيا سرقوا بيوتنا واستولوا عليها، وعلى آلياتنا الزراعية، وزوجي رفض القدوم معي، ولكنني أشعر بالراحة بوصولي مع أولادي ووالدتي إلى هنا مع اقتراب الموت منا هناك في رأس العين حيث ذاكرتنا” وجعلتني ألقي نظرة على قصيدة كانت قد كتبتها طفلتها ذات التسع سنين عن حبها لبلدها، وصعوبة الحياة في المخيم، وباللغة الكردية التي تعلمتها الطفلة الشقراء الباسمة مع تحول المدارس في شمال شرقي سوريا إلى اللغة الكردية بقرار من الإدارة الذاتية في حزيران/يونيو 2015. وحسب المصادر الإعلامية فقد تجاوز المخيم قدرته الاستيعابية مع وصول أعداد اللاجئين الكلي إلى 17100.
هذا العدد لم يتواجد في المخيم وحده حيث وحسب أحمد “يحتوي المخيم على 11000 لاجئ، وتم نقل حوالي 3500 آخرين إلى مخيم كويلان، وعاد حوالي 2477 إلى سوريا من جديد”.
عبدو الكردي السوري أكد أن هناك عددا لا بأس به من المنظمات المحلية والدولية العاملة في المخيم. وتحدث لنا عن الخدمات المتوفرة في المخيم، ولكنه قال بنظرة عميقة للوقائع بعد إدراكه فيما يبدو أن مسيرة الحرب السورية الطويلة ستطيل أمد بقاء هؤلاء في المخيم مع استقرار الآلاف من الكرد السوريين في مخيمات منتشرة في محافظات الإقليم في السنوات الماضية “إن أهم التحديات هي افتتاح المدارس وتعيين الكادر الإداري والتدريسي” وأكد “ان التحدي الأهم والأصعب هو في قطاع التربية والتعليم” في تصور واضح يظهر لنا من خلاله مدى احتمال بقاء المخيم حيا لفترة أكثر من المتوقع.
عند التحرك ضمن المجموعات البشرية اللاجئة الجديدة كان وجود أهالي عفرين بينهم مدعاة للصدمة. هؤلاء بجغرافيتهم البعيدة كانوا في خضم موجات التغيير الدموية الكثيرة في الخط الشمالي لسوريا. في الأطراف الشمالية لمدينة أربيل عاصمة الإقليم استقرت عائلة شكري أبو أحمد (36 عاماً) بصفة ضيف لدى شقيقة زوجته المتواجدة في الإقليم منذ حوالي خمس سنوات. هذه العائلة التي تمثل مسيرة العديد من المدنيين السوريين مليئة بعدم الاستقرار، والمخاطرة، والهروب من الماضي.
النزوح الأول التقليدي وبناء الأسرة
في عام 2008 انتقلت الفتاة (ه.ع) من قريتها الواقعة في منطقة معبطلي في قلب عفرين إلى بيت زوجها (ش.ج) في حي الشيخ مقصود بحلب، ولها طفلان. هناك أجبرت الظروف الاقتصادية زوجها الطالب والعامل في أحد المعامل القريبة من منطقة “السفيرة” وأبن ضيعتها على الاستقرار في حلب. “لم يكن هناك أي شخص يريد ترك عفرين للعيش في حلب إلا من كان يبحث عن عمل والعمل لدينا كان محدودا” تقول أم أحمد. هذه العائلة التي كانت تقوم بزيارة متكررة لقريتهم الأصل تتكلم اللهجة الحلبية بصورة متقنة. كانت ملامح الاندماج مع طبيعة المدينة نسبياً مع انطواء الجماعات البشرية هناك على نفسها. فحي الشيخ مقصود هو ذو أكثرية كردية، وهو من المناطق التي يجد فيها الأكراد هويتهم أكثر من باقي مناطق مدينة حلب بالطبع. ومع أن الوضع كان ميسور الحال، واستطاعوا أن يؤمنوا بيتا لهم، وكان العمل متوفرا لزوجها “لم نكن نتوقع أن تحل علينا حرب وكوارث من هذا الشكل” تضيف أم أحمد، الثلاثينية والتي طلبت عدم ذكر أسمها الحقيقي.
النزوح الثاني والهروب من حلب
في رمضان 2012 قررت الأسرة الصغيرة ترك حلب، والعودة إلى القرية مع توسع التظاهرات ضد نظام البعث في دمشق، ومع ظهور الصدام العسكري في شكل يدعو للشك. في هذه الظروف يختار الناس العودة إلى مناطقهم الأصلية، وخاصةً للقرى لأنهم يجدونها أكثر حماية لهم. المجتمع المحلي لتلك الجماعات يبعث الشعور بالأمان للناس، شبكات سكانية تساعد على تشكيل جدار من الراحة النفسية في وجه المخاوف. وهذا ما دفع عائلة أبو شيرو للعودة إلى قريتهم “ياقوت” في معبطلي. وفي هذا الصدد سردت زوجته “بدأت القذائف تسقط على الشيخ مقصود، وتوقف عمل زوجي لأن معمل الألوالح البلاستيكية الذي كان يعمل فيه تعرض للسرقة فلم يكن هناك من خيار لدينا سوى النزوح لعفرين!” و “تركنا حينها كل أغراضنا وأحلامنا هناك، ولم نعد لها أبداً منذ ذلك الوقت”.
تشتت الأسرة واللجوء الأول
عفرين حلابة زيت الزيتون الفاخر تقع على بعد مسافة غير بعيدة عن تركيا التي كات تحاول السيطرة على ملف المعارضة السورية بالكامل. في تلك الأثناء وخاصة في نهاية 2012 إلى نهاية 2013 كان الآلاف من الناس في شمال شرق سوريا يعبرون الحدود إلى إقليم كردستان الغني حينها. كان سكان منطقة عفرين الأقل نسبياً بينهم لكونهم كما كل مناطق شمال غرب سوريا اختاروا التوجه لتركيا الأقرب لهم. وهذا ما صادف مسيرة عائلة شكري أيضاً. “ذهب زوجي لتركيا لوحده، وبقي سنة هناك، ولكنه لم يستطع الاستمرار لصعوبة الوضع هناك” قالت أم أحمد. في تلك الفترة كانت المنطقة في عفرين تسيطر عليها وحدات حماية الشعب، وكان النظام السوري يهادنها، وظلت أم أحمد في القرية على أمل الخروج أو توقف الحرب “عاد زوجي بعد سنة لأنه لم تكن هناك فرصة عمل مناسبة تكفيه وتكفينا، ولم يستطع أخذنا”. وسردت بروح متفائلة “أقله عاد لنا”. كانت الخدمات وصعوبات التنقل واضحة نتيجة انتشار الجماعات المسلحة المختلفة المذاهب. كما كانت كثرة النازحين الداخليين تزيد من صعوبة العيش والصمود في عفرين.
النزوح الثالث الجزئي
عندما بدأت المعارك بين وحدات حماية الشعب والجماعات المعارضة المدعومة من تركيا في مناطق شهباء صمدت عائلة أبو شيرو ولم تنزح خارج المنطقة كما حدث مع عوائل كثيرة هناك “كنا نستقبل عشرين شخصا لدينا” تقول أم شيرو التي فسرت صمودهم ونزوحهم الجزئي بشكل عقلاني “كنا بعيدين عن خط القتال لأن قريتنا بعيدة، ولكننا نزحنا ثلاثة أيام لمدينة عفرين تحسباً للمخاطر”. لم تكن تدرك فيما يبدو أن مستقبلهم أصبح على المحك مع الحصار الاقتصادي الذي فرضه النظام عليهم من خلال قطع الطريق مع بلدتي نبل والزهراء ومنهما إلى حلب. ومنذ ذلك الوقت نُشط خط لتهريب البشر من عفرين وعبر حلب إلى شرق الفرات ومنها إلى إقليم كردستان، وهي الطريق نفسه الذي سلكته شقيقة أم شيرو ذات يوم. لم تكن سيطرة الوحدات على بلدة تل رفعت في 15 شباط/فبراير 2016 وطرد الجماعات المتشددة منها بداية خير لهم فيما بعد.
 النزوح الرابع ومعارك عفرين
مع بدء عام 2018 أعلنت تركيا الهجوم على عفرين بعد حصولها على المنطقة بصفقة مريبة مع روسيا. الهجوم التركي المرفق بجماعات مسلحة متطرفة دفعت السكان للتفكير بمستقبلهم. قرر البعض التحرك مع بدء المعارك، واختار آخرون البقاء حتى النهاية في حين قرر البعض ترك المنطقة مع تأكدهم من سقوطها ومع وصول طلائع الجيش التركي إلى مشارف مدينة عفرين البعيدة عن الحدود، اختارت عائلة أم شيرو ان تكون ضمن الفئة الثالثة أي “تركنا المدينة بعد أن فتح الطريق إلى منطقة شهباء ووصلنا إلى هناك بصعوبة ” تقول أم شيرو. وركزت على أن الوضع الصعب هناك دفعنا للتفكير في البدائل “بقينا حوالي الثلاثة أشهر في منطقة الشهباء ولكنها أيام طويلة بالنسبة لنا” في ما بعد حاولت بعض الأسر نتيجة خوفها من البقاء في منطقة الشهباء المحاصرة من كل الجهات مع قطع تركيا الطريق على قسد لربط منبج بالباب، ومع وقوف النظام في المنطقة الفاصلة بين حلب والشهباء الخروح نحو الشرق الذي كان الأخبار تتحدث عن بدء نشوء هياكل إدارية فيه بدعم من التحالف الدولي ضد “داعش”.
 من ثم “وصلنا مع قافلة إلى قرية تل نصري” الواقعة على الخابور على بعد بضعة كيلومترات من بلدة تل تمر ذات التواجد المسيحي. ويعود استقرار العائلة الاضطراري هناك جاء على حساب محنة أخرى واجهت سكانها الأصليين. هاجمت “داعش” في شباط/فبراير 2015 القرى المسيحية في المنطقة، وخطفت عددا من سكانها ما دفع الأهالي للنزوح وترك المنطقة. تلك البيوت الفارغة تحولت إلى ملاجئ لنازحين من مناطق أخرى سورية. “استطعنا الصمود سنة ونصف هنا لأن زوجي كان يعمل ولم يكن هناك إيجارا ندفعه” تقول أم أحمد. عندما تحدثنا عن موقف المسيحيين منهم قالت “المسيحيون المظلومون نزحوا إلى القامشلي والحسكة، ولم يبق في القرية حسب معرفتي سوى شخصين أو ثلاثة منهم، ولم التق بهم أبداً”.
مأساة رأس العين والنزوح الخامس
لم تصمد عائلة أبو أحمد في عالمها الجديد كما الكثير من عوائل الخط الممتد من رأس العين إلى تل أبيض نتيجة الهجوم التركي المرفق بميليشيات سورية معارضة تكره المنطقة ككل. العائلة التي اعتقدت مع تنامي قوة قسد، وهزيمة “داعش” وتشكل هياكل إدارية تعمل على تسخير وجودها من خلال مرافقها الإدارية أنها وصلت إلى بر الأمان داخل بلدهم سوريا، شعرت بمدى الخطر المحدق بهم. تجربتهم في ترك المكان شجعتهم على التفكير بالذهاب إلى مكان جديد “في حلب كان صوت القذائف يرهبنا وفي تل تمر كان صوت الطائرات العسكرية ونشرات لأخبار يفزعنا!” قالت أم أحمد. في هذه المرة، ومع تهديدات تركيا العدوانية، ومع تخلي ترامب المهين عن المنطقة لصالح النفط الانتخابات، ومع علمهم بمستوى تلك الميليشيات المتطرفة بعد أن احترفوا إهانة الناس في مناطق سيطرتهم “قررنا الخروج ونزحنا إلى مدينة ديرك لمدة يوم ومن ثم قررنا الخروج الأخير من سوريا” قالت بشيء من الأسى أم أحمد.
اللجوء الثاني ومرحلة المخيم
بعد دفع المبلغ المطلوب عبرت عائلة (ش.ج) أو أبو أحمد وبكثير من الغصة إلى خارج سوريا ووصلت إلى مخيم بردرش الذي قدم لهم الاحتياجات الأساسية ووفر لهم مأوى يتناسب مع حجم العائلة التي لم يعقها القانون الذي يشترط وجود قرابة من الفئتين الأولى والثانية حتى تجد فرصة لدخول مدن الإقليم المكتظ أصلاً باللاجئين السوريين والنازحين العراقيين. “جاءت اختي وزوجها وساعدونا على الخروج، ونحن الآن نبحث عن بيت مع بدء زوجي العمل” تقول أم أحمد بتفاؤل. العائلة التي استقرت في أربيل تراقب من بعيد كيف أن تركيا عززت سيطرتها على المناطق التي احتلتها، وكيف أن فرص عودتهم إلى عفرين حيث موطن الآباء يخبو مع التغيير الديموغرافي ضد السكان الأصليين “أنا متعودة على ترك كل شيء خلفي وإن لا أنظر إلى الخلف بحزن” قالت وهي تضحك! هذا الشعور الذي تصفه بثقة جاء من دون أن تعلم، من فشلهم في الاستقرار لظروف خارجة عن إرادتهم.
هذا النزوح لجماعة بشرية أخرى هو خلاصة الحلم السوري بالتغيير. التغيير الذي انقلب مع دخول الجماعات الإرهابية، وتدخل دول الجوار والعالم في حرب لم يعد للسوريين فيها أي قرار ذاتي. يحاول الكثير من من في المخيمات وفي بلدان النزوح البحث عن أمل للعودة. ولكنهم، في الوقت ذاته بدأوا يتأكدون أن العودة تحتاج إلى وقت لذا فالبحث عن تأسيس الحيز المكاني والاجتماعي الحاضن هو الهدف الأول لهم. نجح الكثيرون في إيجاد بصمتهم في دول اللجوء، وحاولوا تنويع المحيط بمذاقهم السوري في العادات والطباع والنشاط. وهي محاولات ما زالت في أوجها مع استمرار الحرب السورية في ابتلاع جغرافيتها.