الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مخيم اليرموك من الثورة إلى الحصار إلى التدمير

مخيم اليرموك من الثورة إلى الحصار إلى التدمير

03.06.2018
سلام السعدي


العرب اللندنية
السبت 2/6/2018
دمار متعمد
كان مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين آخر الأحياء المحيطة بالعاصمة دمشق التي خرجت عن سيطرة النظام السوري وانضمت للثورة السورية في نهاية العام 2012، وها هو اليوم يصبح آخر الأحياء التي يستعيدها النظام السوري في محيط العاصمة. لم تتوقف أخبار الدمار الهائل الذي لحق بمخيم اليرموك طيلة أسابيع من حملة عسكرية شرسة هدفت لتأمين مدينة دمشق بصورة كاملة. ومع السيطرة على المخيم، ظهرت للعلن مشاهد الدمار الكبير التي تؤكد ما كان يتناقله الناشطون عن تعمد النظام السوري إزالة مخيم اليرموك من خارطة العاصمة دمشق، عبر تدميره قبل السيطرة عليه.
ليست هذه معاملة خاصة بالفلسطينيين، بل شملت أحياء سورية عديدة عمل النظام على تدميرها بصورة كاملة لكي يدخلها في مخططات ما يسمه بـ“التنظيم العمراني” التي تستهدف إعادة تشكيل المناطق التي شاركت بالثورة، ليس فقط على صعيد البنية التحتية وإنما الديموغرافية أيضا. بمعنى آخر، تخفي عمليات التدمير الواسع والمتعمد وما يتصل بها من مخططات للتنظيم العمراني سياسة فعالة للتغيير الديموغرافي.
كان من العسير جدا، إبقاء مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين خارج دائرة الثورة السورية، فعلى الرغم من أن عددا ليس بقليل من سكان المخيم تخوفوا دوما من فكرة المشاركة بالثورة، وما قد تحمله من آثار على حقوقهم وأوضاعهم، كان هنالك دوما عدد كبير جداً من الشباب الفلسطيني الذي لم يكن لينتظر أي “ضمانة” من ثورة شعبية عفوية لكي ينحاز إليها، وخصوصا أنه فُطر على العداء للنظم العربية، وحمّلها دوما جزءا من مأساته التاريخية.
ما ألهبَ ذلك العداء هو المقت الشديد للتنظيمات الفلسطينية البيروقراطية التي تكلست وفقدت أي دور وطني وأصبحت مجرد أدوات تستخدمها الأنظمة الداعمة. وفضلا عن ذلك كان مخيم اليرموك محاطا بمناطق اشتعلت فيها الثورة الشعبية وخرجت عن سيطرة النظام السوري، وتحديدا أحياء القدم والحجر ويلدا والتضامن، حيث يقصفها النظام السوري بكل أنواع الأسلحة بصورة يومية ما كان يدفع سكانها للنزوح نحو مخيم اليرموك. كل ذلك دفع بإحدى أهم وأكبر بوابات جنوب دمشق للتحول من الرقعة الوادعة والحاضنة للنازحين، إلى إحدى أكثر الجبهات سخونة.
كان بالإمكان استعادة مخيم اليرموك دون خوض المعركة الأخيرة التي تسببت بالقسم الأكبر من الدمار. لكن النظام السوري أراد استخدام داعش للمرة الأخيرة من أجل تدمير المخيم ومنع عودة سكانه
تلا ذلك انتقام النظام السوري ليس من السكان المتمردين فقط بل من المنطقة ككل، كما فعل مع كل المناطق التي تحدت طغيانه، ففرض حصارا طويلا يمنع بموجبه خروج ودخول السكان فضلا عن منع الغذاء والدواء. وترافق ذلك مع القصف اليومي لما تبقى من السكان في مخيم اليرموك. هكذا أحكم الحصار قبضته على المخيم وعلى أهله الذين قدرت أعدادهم في بداية الحصار بنحو 100 ألف، من أصل أكثر من نصف مليون فلسطيني وسوري سكنوا مخيم اليرموك قبل بداية الأحداث. كان عشرات آلالاف من المدنيين في المخيم المحاصر، إما من العائلات المعدمة التي عجزت عن إيجاد ملاذ آمن، أو من الأشخاص الذين تمتعوا بقوة استثنائية للبقاء في مخيمهم المحاصر.
وكحال كل المناطق التي عانت من الحصار الطويل والتدمير اليومي الممنهج، سيطرت التنظيمات الإسلامية المتطرفة، الأكثر تنظيما وتمويلا وخبرة، على مخيم اليرموك في العام 2015. وبقيت منذ ذلك الوقت في حالة هدنة غير معلنة مع النظام السوري. ولكن السنوات الثلاث الماضية شهدت تحولات كبيرة لصالح النظام السوري بعد دخول روسيا الحرب بصورة مباشرة، وهو ما ساعد النظام على استعادة كل المناطق الخارجة عن سيطرته في محيط العاصمة دمشق حتى جاء الدور على مخيم اليرموك.
كان بالإمكان استعادة مخيم اليرموك دون خوض المعركة الأخيرة التي تسببت بالقسم الأكبر من الدمار. إذ طالما كانت بقايا تنظيم داعش التي تسيطر على مخيم اليرموك والحجر الأسود منفتحة على فكرة مغادرة جنوب دمشق نحو الشمال السوري كما حصل في العديد من المناطق. ولكن النظام السوري أراد استخدام داعش للمرة الأخيرة من أجل تدمير المخيم ومنع عودة سكانه. وبعد أن حقق المهمة، نقل ما تبقى من عناصر داعش بالباصات إلى شمال شرق سوريا، حيث يوجد جيب صغير متبقي للتنظيم المتطرف، وأعلن “تحرير” مخيم اليرموك.
وعدت التنظيمات الفلسطينية التابعة للنظام السوري أن عمليات إزالة الأنقاض ستبدأ قريبا وهو ما سيسمح للسكان بالعودة إلى منازلهم. ولكن تجارب تدمير المخيمات الفلسطينية لا تنذر بخير. فبعد أكثر من عشر سنوات من تدمير مخيم نهر البارد في لبنان، وهو صغير جدا مقارنة باليرموك، لم يجر إعمار أكثر من نصفه ولم يعد معظم سكانه إليه.
الدمار الذي لحق باليرموك أشد هولا من ذلك الذي لحق بمخيم نهر البارد، والأهم أنه كان دمارا متعمدا يهدف إلى تكريس نكبة الفلسطينيين الثانية: نكبة أولى صنعتها الدولة الصهيونية، ونكبة ثانية صنعتها الدولة الأسدية.