الرئيسة \  واحة اللقاء  \  محور الكبتاجون الأكثر مصداقية وانسجاماً

محور الكبتاجون الأكثر مصداقية وانسجاماً

02.05.2021
غازي دحمان



عربي 21 
السبت 1/5/2021 
بالنظر للوقائع التي يشهدها الإقليم، والناتجة أساساً عن سياسات معلومة ومعلن عنها مسبقاً، يمكن القول إن جماعة ما يسمى "محور المقاومة" وتحديداً، مثلث إيران ونظام الأسد و"حزب الله" اللبناني"، هم الأكثر وضوحاً في سلوكهم وانسجاماً مع هوياتهم السياسية المعلنة بدون مواربة أو لف ودوران. 
لا عصابة الأسد ولا "حزب الله" وإيران يهتمان كثيراً لأحوال الناس المتضررين من قرار السعودية، وأي دولة أخرى، بوقف مستورداتها من الفواكه والخضروات اللبنانية. فمن قتل وشرد الملايين من السوريين والعراقيين واللبنانيين والفلسطينيين، لن يتأثر وجدانه بمثل هذه السفاسف. ثم إن الأهداف الكبرى المراد تحقيقها، والمتمثلة بإخضاع المنطقة لفكر سياسي معين ولحكم فئات محددّة، لا تنسجم مع التفكير بالعاطفة وبأحوال الناس وظروفهم، فهذه الأهداف حتى تتحقّق تستلزم استمرار صيرورة تصاعدية لا تعرف التراجع، تحت أي ظرف. 
إذا لماذا صنع هذا المحور كل هذا الواقع الفوضوي على مساحة واسعة من هذا الإقليم المنكوب؟ أليس من أجل تلك الأهداف الكبرى؟ ثم كيف لا يستثمر هذا المحور هذا الواقع عبر البناء على ما تحقّق من إفناء وإضعاف لهياكل مجتمعاته في سبيل مواصلة السير إلى الأهداف الكبرى؟ ألا تستلزم عملية صناعة توازنات جديدة في المنطقة تدوم لمئات السنين القادمة، بما تنطوي عليه من تغيير وجه المنطقة، فعل أي شيء وكل شيء؟ ألم يكن إدخال روسيا للمساعدة في تحطيم الآخر المعادي جزءاً من سياق تحقيق الهدف الأكبر، وهو السيطرة على المنطقة وتغيير توازناتها؟ 
ما سبق ليس سردية مظلومية يحكى أن بلوكات اجتماعية في المنطقة صارت تتلطى خلفها لتبرر هزيمتها أو عدم قدرتها على الحفاظ على التوازنات القائمة منذ تشكيل الدولة الوطنية في المنطقة، بل هو صيرورة عاشت تلك المجاميع في ظلها، اندفنت خلالها حيوات مئات الآلاف وضاعت أعمار ملايين البشر في مسارات البحث عن مواطن آمنة، هرباً من موت قادم على يد أصحاب الأهداف الكبرى، المتلطين بشعارات المقاومة والتحرير وصيانة كرامة الأمة، لكن أي أمة؟ 
ما يحصل ليس نتيجة متغيرات مفاجئة أملت على هذا المحور التحوّل إلى الخطة "ب" لمواجهة الوقائع والمتغيرات، بل هي في صلب منطقه وأساسه التكويني، المعلن بوضوح وشفافية حتى دون الحاجة لتقية أيديولوجية 
المقصود بمقولة مصداقية هذا المحور وانسجامه مع نفسه في كل ما يصنعه؛ حقيقة أن تصميم ميكانيزمات منظومات السياسة والأمن، وحتى الثقافة، قائم على أساس إنتاج تلك الأفعال والسلوكيات. وما يحصل ليس نتيجة متغيرات مفاجئة أملت على هذا المحور التحوّل إلى الخطة "ب" لمواجهة الوقائع والمتغيرات، بل هي في صلب منطقه وأساسه التكويني، المعلن بوضوح وشفافية حتى دون الحاجة لتقية أيديولوجية، إن جاز التعبير. 
المشكلة إذاً في الطرف الآخر، الذي يصر على الاستمرار في لعبة مكشوفة ومفضوحة. فمنذ أكثر من ثلاثة عقود، مثلاً، تصر أطراف عربية على تمتين علاقاتها بنظام الأسد، بذريعة استقطابه وإبعاده عن الفلك الإيراني، ورغم أن هذه اللعبة السمجة كلفت الأطراف العربية مليارات الدولارات وألحقت بهم قلة الاحترام والواجب، لدرجة أن بشار الأسد استسهل وصف العرب بـ"أنصاف الرجال"، إلا أن هذه اللعبة ما تزال مستمرة بدأب وجهد لا ينقطع. 
عدم الانسجام والمصداقية واضحان لدى هذا الفريق حتى درجة السطوع، إذ كيف يمكن الادعاء بمواجهة النفوذ الإيراني في سوريا والإبقاء على بشار الأسد في السلطة؟ إذ من الاستحالة أن تحقّق هذه المعادلة أي نتائج ذات قيمة، بل هي وصفة لاستمرار المخاطر الأمنية والهوياتية على مكونات واسعة من العراق وسوريا ولبنان، وصولاً إلى خلخلة التوازنات ولي عنق الحقائق السياسية والاجتماعية في المنطقة من أجل تحقيق الأهداف الكبرى لهذا المحور. 
ما صنعه نظام الأسد وحسن نصر الله في سوريا ولبنان كان كافياً ليتعظ الآخرون ويضعون ألف خط أحمر تحت مقاربات التقارب معهم، ليس في سبيل الانتصار لهؤلاء، بل للحفاظ على أمن مجتمعاتهم، فلماذا يقدمون لهم أطواق النجاة هكذا مجانا؟ ألا ترفع عصابة الأسد عقيرتها صباح مساء بالقول إن على الجامعة العربية أن تعود لسوريا وليس العكس؟ هم يقولون بوضوح وشفافية: هكذا نحن ولن نتغير وعليكم أن تقبلوا بنا بعجرنا وبجرنا، سنبقى نتهمكم بالتآمر والخيانة ونبقى نحن رموز المقاومة والتحرير. 
للمصادفة، إن صحفياً إسرائيلياً وصف نظام الأسد، وضمناً من خلفه إيران وحزب الله، بأنه عدو لكنه لا يشكل أدنى خطر استراتيجي.. بمعنى أن المقاومة ليست سوى عنوان فارغ له أهداف غير مقاومة إسرائيل.