الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مجزرة السويداء وتاريخ قريب

مجزرة السويداء وتاريخ قريب

29.07.2018
محمد أبو الغيط


العربي الجديد
السبت 28/7/2018
لمن فاته أن يتابع تفاصيل دخول الثورة السورية إلى مأساتها المظلمة، أمامه اليوم فرصة لمتابعة محاولة استنتساخ التاريخ القريب في السويداء، المحافظة السورية ذات الأغلبية الدرزية.
لطالما كانت السويداء محط أنظار المناطق المجاورة، لأنها ظلت سبع سنوات الأكثر أمناً، والأكثر ابتعاداً عن مجريات الحرب، فقد اكتفى أهلها في مجملهم بحمل السلاح للدفاع عن منازلهم وقراهم فقط، وتمرّدوا على الخدمة الإلزامية في جيش النظام، حتى بلغ عدد المتخلفين نحو 50 ألف شاب. وفي المقابل، حتى التيار الثوري بقيادة "مشايخ الكرامة" لم ينتج عنه موجة انضمام للقتال مع فصائل المعارضة خارج السويداء.
تغيرت هذه الصورة الوردية يوم الأربعاء الماضي، حين انهال الموت من كل مكان. فجأة شنت مجموعات من تنظيم داعش الإرهابي هجماتٍ متزامنةً على المدينة وثمان من قراها، شملت أربعة انتحاريين فجروا أنفسهم، و"انغماسيين" قتلوا المدنيين عشوائياً، حتى أن بعضهم قتل ذبحاً بالسكاكين، وبعضهم قتل داخل منزله، ووصل عدد الضحايا إلى 250، بالإضافة إلى روايات عن عشر حالات اغتصاب.
من أين أتى هؤلاء فجأة؟ الإجابة الفورية أنهم جاءوا في حافلات النظام. في مايو/ أيار الماضي، توصلت قوات بشار إلى تسويةٍ مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في منطقة الحجر جنوب دمشق، تقضي بنقلهم إلى ريف السويداء، وهناك انضموا إلى عدد محدود من موالي التنظيم في البادية، لتشهد المنطقة هذه الانتعاشة المفاجأة.
يُحيل هذا مباشرة إلى ما حدث في بداية الثورة السورية، حين أصدر بشار في 31 مايو/ أيار 2011، أي بعد بدء الثورة بنحو شهرين، مرسوم عفو رئاسي، شمل مئات المعتقلين الإسلاميين المتطرّفين في سجن صيدنايا، ومنهم خرج كل قادة الفصائل الإسلامية الرئيسية تقريبا، بما يشمل أحرار الشام وجيش الإسلام وصقور الإسلام، وبالطبع أبو محمد الجولاني شخصياً الذي خرج ليؤسس جبهة النصرة، ومنها لاحقاً ظهر "داعش" نفسه. .. وهكذا إذا استعصى المكان على نفوذ الأسد، فليكرّر الحيلة القديمة نفسها.
وفي المقابل، لا يعني هذا أنها مجرد تمثيلية ومؤامرة، أو أن يتحمل ناقل النار وحده الوزر من دون النار نفسها كما يفعل بعضهم، فلا أحد على ظهر الأرض سيفجر نفسه فقط ليتقن التمثيل!
لقد قام تنظيم الدولة الإسلامية بما يقوم به تاريخياً، كما شهدنا في مذابح سنجار وسبي الأيزيديات وقتلهن. وسابقاً في 2007 على يد أبو مصعب الزرقاوي، شهدت ناحية القحطانية في سنجار أبشع هجوم من نوعه، بعد دخول شاحنات مناطق أسواق مدنية وتفجيرها بالكامل ليُقتل نحو ثمانمائة مدني.
ولهذه الأفعال الوحشية جانبان، أولهما عقدي نصوصي بحت، لا يستند لأي تفسير عقلي أو سياسي، هؤلاء يُقتلون لأنهم بأحكام الكافر الأصلي مستباح الدم والمال، وهذه فريضة شرعية أمر بها الله. لم يكن هناك أي سبب عسكري أو سياسي لاستجلاب غضب العالم، وفتح جبهة جديدة في سنجار بعد سقوط الموصل، خصوصا أن القوات الكردية لم تعبأ بحمايتها، لكن هذه الروح العدمية التامة مكوّن أصيلٌ في هذه الجماعات المدمرة لذاتها مع غيرها، وهو ما أنتج مشاهد لا تُصدّق في هزليتها، كالفصائل التي تقاتلت ضد بعضها، بينما هي محاصرة في آخر أحياء حلب، أو كفرض الشريعة بالجلد والرجم في أصغر قرية يسيطر عليها أًصغر فصيل. الجانب الثاني هدف سياسي عمدي، فقد كان الزرقاوي الذي يعد بمثابة الأب الروحي قد وضع خطة لتفجير الأوضاع بين السنة والشيعة، بارتكاب مذابح طائفية ضدهم، وهو الأسلوب نفسه الذي يدعمه مؤلف "إدارة التوحش" أحد مراجع "داعش" بشأن كيفية دفع المجتمع والدولة إلى التفسخ التام ليظهر الفراغ الذي سيملأونه بسوادهم.
وبين أقدام جنود السواد من الطرفين، ضاعت الثورة السورية وأحلام شعبها، واليوم تتم محاولةٌ لإضاعة ما بقى من كرامة السويداء.