الرئيسة \  تقارير  \  مترجم: لعبة استعراض القوة.. هل تشهد إيران وأذربيجان حربًا باردة؟

مترجم: لعبة استعراض القوة.. هل تشهد إيران وأذربيجان حربًا باردة؟

30.11.2021
عبدالرحمن النجار


ساسة بوست
الاثنين 29/11/2021
أعد إلدار ماميدوف، دبلوماسي مسؤول عن وفود البرلمان الأوروبي للعلاقات البرلمانية مع إيران والعراق وشبه الجزيرة العربية والمشرق منذ عام 2007، مقالًا نشره موقع “ريسبونسيبل ستيت كرافت”، ذكر فيه أنه مع انحسار التوترات بعد أسابيع من المناوشات والخطاب العدائي، أجرى وزيرا خارجية إيران وأذربيجان مكالمة هاتفية في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري ألقيا فيها باللوم على “أطراف سيئة” تحاول استغلال “سوء التفاهم الأخير بين الجارتين”.
لكن التقارب قصير المدى لا يؤدي إلا إلى حجب التحولات الأكبر في العلاقة: في حين خفت حدة المناورات الحربية، تستمر الخيارات الجيوسياسية المتباينة في جذب باكو وطهران في اتجاهين متعاكسين، مما يزيد من مخاطر اشتعال مواجهة في المستقبل.
أضاف ماميدوف أن انتصار أذربيجان في حرب عام 2020 ضد أرمينيا، الذي تحقق بدعم تركي وإسرائيلي ورضوخ روسي، أقنع باكو بأن إستراتيجيتها الدبلوماسية العسكرية أثبتت صحتها وأنه لا يوجد سبب وجيه لتغييرها. على النقيض من ذلك، تم تهميش إيران بسبب الحرب، فقد أثارت خطط السلام المقترحة أثناء القتال القليل من الاهتمام في باكو، وكانت طهران غير راضية عن التطورات التي حدثت بعد الحرب، لا سيما بسبب توسع عدوها اللدود إسرائيل على الحدود الشمالية لإيران.
علاقة متعددة الأوجه: إيران وتركيا وأذربيجان
شعرت باكو، في ظل تحالفاتها وثقتها العسكرية الجديدة، أنها يمكن أن تتجاهل إلى حد كبير مخاوف جارتها الجنوبية، وهذا ما يفسر اعتقال سائقي شاحنتين إيرانيين وهما يعبران الأراضي التي تسيطر عليها أذربيجان في طريقهما إلى الأجزاء التي يسيطر عليها الأرمن في كاراباخ. وذكر ماميدوف أنه في حين كان من الممكن حل الحادث من خلال الدبلوماسية الهادئة بين العاصمتين، اختارت باكو إرسال رسالة عامة إلى طهران مفادها أنها لن تتسامح مع ما تعده تعديًا على سيادتها، وأدى ذلك إلى مناورات عسكرية إيرانية غير مسبوقة بالقرب من الحدود الأذرية.
حاول الرئيس الأذري إلهام علييف أن يظهر شجاعًا لكنه لم يستطع إخفاء دهشته وانزعاجه من تصعيد طهران، بحسب الكاتب. بينما استجابت المواقع الموالية للحكومة للأزمة من خلال تمجيد القوات المسلحة الأذرية، فمن الواضح أن المواجهة العسكرية مع إيران – البلد الذي يبلغ تعداد سكانه ثمانية أضعاف أذربيجان – ليس في مصلحة باكو. وما يزيد من ذلك أن حتى حليف باكو الرئيسي، تركيا، من غير المرجح أن يخوض حربًا مع إيران نيابة عن أذربيجان، بحسب ما يرى الكاتب.
يستطرد ماميدوف أنه في السنوات الأخيرة تدهورت العلاقات بين تركيا وإيران في عدة مجالات، جنوب القوقاز هو أحدها، حيث تستاء طهران من توسع أنقرة هناك، والأهم من ذلك كله نفوذها المتزايد في باكو. ومع ذلك، فقد حرص كلا الجانبين على عدم ترك الأمور تتدهور بشدة واتخذتا خطوات للتهدئة. وفي 15 نوفمبر، أعرب وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، عن سعادته باستضافة “شقيقه” ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو في طهران. وبحسب ما ورد فإن تلك الزيارة مقدمة لزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى طهران، والتي من المتوقع خلالها مناقشة وضع خارطة طريق للعلاقات المستقبلية.
وحتى لو تم التوقيع على مثل هذه الوثيقة، يرى الكاتب أنه من المحتمل ألا تغير بشكل جذري المسار الحالي للعلاقات التركية الإيرانية. ومع انحسار الإسلام السياسي في تركيا، وعودة ظهور القومية المحافظة، ستستمر أنقرة في تعزيز تحالفها مع باكو بينما تحاول توسيع نفوذها شرقًا في الجمهوريات الناطقة بالتركية في آسيا الوسطى.
وهذا يفسر دعم تركيا لطريق نقل يربطها بأذربيجان (ما تسميه باكو ممر زانجيزور) عبر أرمينيا، متجاهلة إيران. لكن الحفاظ على قنوات الحوار يمكن أن يجعل الخلافات بين أنقرة وطهران أكثر قابلية للإدارة. تدرك تركيا أيضًا أنه في حالة تدهور العلاقات بشكل أكبر، يمكن لإيران الاستفادة من علاقاتها مع حزب العمال الكردستاني ضد أنقرة. سيكون من الحكمة أن يدرك صانعو السياسة في باكو حدود الدعم التركي في أي مواجهة مستقبلية محتملة مع طهران، بحسب الكاتب.
دخول إسرائيل إلى المعادلة
تمثل العلاقات الوثيقة بين أذربيجان وإسرائيل مجموعة مختلفة من المتغيرات، فقد استفادت باكو بقوة من التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية، وخاصة الطائرات بدون طيار، خلال الحرب مع أرمينيا. وتعد المنظمات الموالية لإسرائيل هي أيضًا الدعامة الأساسية لجهود باكو للضغط في واشنطن التي وجهت، بدرجة كبيرة، إلى تحييد اللوبي الأرمني المنافس وتقليل الانتقادات لحقوق الإنسان. في المقابل، من المتوقع أن تواصل أذربيجان توفير منصة للأنشطة الاستخباراتية الإسرائيلية التي تستهدف إيران.
ويشير ماميدوف إلى أنه في هذه الأثناء تستضيف الأكاديمية الدبلوماسية الأذرية التي تديرها الدولة عضوًا ضمن مجموعة من النقاد في واشنطن الذين يدافعون علنًا عن تفكيك إيران على أسس عرقية لأن ذلك، في نظرهم، سيفيد إسرائيل. في هذا السياق، وبالنظر إلى التصريحات العدائية للمسؤولين الإسرائيليين بشأن البرنامج النووي الإيراني وعدم اليقين الذي يحيط بإحياء الاتفاقية التي فرضت قيودًا عليها، لا تزال طهران تنظر إلى أذربيجان على أنها نقطة انطلاق محتملة لهجوم عسكري إسرائيلي.
يقود هذا التصور إيران إلى تعزيز ردعها ضد باكو. في الآونة الأخيرة، نشر موقع الإلكتروني نافذ في الدبلوماسية الإيرانية، مرتبط بالدبلوماسي السابق الرفيع المستوى صادق خرازي، مقالًا ينتقد “سياسة الاسترضاء للحكومة تجاه أنقرة وباكو” ويدعو إلى دفاع أكثر قوة عن “مصالح إيران الوطنية في الشمال”.
من الناحية العملية، تتمثل إحدى الطرق الفورية للقيام بذلك في أن تتعاون إيران مع أرمينيا، بحسب الكاتب. رأى الكثيرون في باكو أن الخلاف الأخير في النقل بالشاحنات انتهى لصالح أذربيجان، حيث التزمت إيران بمنع شاحناتها من السفر إلى كاراباخ. ومع ذلك، فإن الواقع أعقد: فبينما اعترفت طهران بالفعل بهذه القضية، إلا أنها أوضحت أيضًا أنها ستفضل من الآن فصاعدًا أرمينيا، بدلاً من أذربيجان، لتكون قناة للتجارة بين الشمال والجنوب، وبالتالي تحرم أذربيجان من بعض الفرص التجارية المربحة المحتملة.
عودة النزعة الوحدوية
يرجح الكاتب أن تكون التحركات الإيرانية الأخرى أصعب بالنسبة لأذربيجان. فلم تؤت جهود إيران لكسب المؤيدين، من خلال المنظمات الدينية الشيعية بشكل أساسي، ثمارها بعد، ويدلل الكاتب على ذلك بأن من ينجذبون إلى نظام الحكم الإيراني في أذربيجان هم قلة، وليس كل الشيعة المتدينين هناك موالين لإيران.
لكن على مدى عقود من النبذ الدولي، طورت إيران مهارات بارعة للغاية في الحرب غير المتكافئة، فحقيقة أن طهران اليوم تفتقر إلى أي وكلاء أو حلفاء موثوق بهم في أذربيجان لا يعني أنها لن تستمر في المحاولة. ويرجح ماميدوف أن تتكيف إيران ببساطة مع مشهد إستراتيجي مختلف عن لبنان أو العراق، حيث أثبتت إستراتيجية الوكيل نجاحها حتى الآن.
في غضون ذلك، تساهم التطورات الداخلية في أذربيجان وإيران في تعميق الانقسام بين البلدين، وتستخدم السلطات في باكو الأزمة مع طهران لشن حملة قمع ضد المتعاطفين مع إيران المزعومين في البلاد، من خلال إغلاق عدد من المواقع الدينية الشيعية واعتقال بعض رجال الدين الشيعة البارزين، على الرغم من عدم وجود أدلة قوية على نشاطهم المؤيد لإيران. في غضون ذلك، تواصل وسائل الإعلام التابعة للدولة اتهام إيران بالتدخل في الشؤون الأذرية.
بينما كان هناك عودة للوحدوية في أذربيجان مستوحاة من فكرة إعادة توحيد أراضي جمهورية أذربيجان مع المقاطعات الإيرانية الشمالية، التي يسكنها إلى حد كبير العرق الأذري، والمعروفة لدى القوميين باسم “أذربيجان الجنوبية”، وفيها حركة موالية لأذربيجان في إيران اكتسبت زخمًا كبيرًا.
ويرى الكاتب أنه انطلاقًا من هذه الزاوية، يجب إعادة توحيد أذربيجان مع “الوطن الإيراني الأم” بعد أن دُمجت بالقوة في الإمبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر. ويشير ماميدوف إلى أن هذه الآراء اكتسبت أهمية جديدة في إيران، لا سيما على مستوى الخطاب العام. لكن مثل هذه الآراء لا تقتصر على الدوائر الإصلاحية فقط، حيث تعمل القومية الإيرانية بشكل متزايد كحلقة يمكن أن تلتف حولها شرائح مختلفة من السكان.
يختتم ماميدوف مقاله بالإشارة إلى أنه مع تعمق كل من باكو وطهران في مسارات سياستهما الخارجية الحالية، وسيادة المواقف العدائية بين البلدين، يبدو أن كلتا الجارتين متجهتان للاستمرار في مسار التصادم هذا في المستقبل المنظور.