الرئيسة \  تقارير  \  مترجم: كيف تبدو القدرات العسكرية الروسية مقارنة بقدرات الناتو؟

مترجم: كيف تبدو القدرات العسكرية الروسية مقارنة بقدرات الناتو؟

23.07.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الخميس 21/7/2022
وصف حلف شمال الأطلسي (الناتو) موسكو بأنها “التهديد الأبرز والمباشر لأمن المنطقة واستقرارها”، لكن كيف يُمكن مقارنة القدرات العسكرية التي لدى كلا الجانبين فعليًّا؟ وحول هذه المسألة، نشرت مجلة “ريسبونسبل ستيت كرافت” التابعة لمعهد كوينسي لفن الحكم الرشيد مقالًا لـ أناتول ليفين، الباحث البارز في شؤون أوروبا وروسيا في معهد كوينسي، حاول من خلاله عقد مقارنة بين القدرات العسكرية لكلٍ من حلف الناتو وروسيا، ومن ثم التوصُّل إلى حجم التهديد الذي تمثله روسيا للحلف حاليًا.
وفي مستهل مقاله، يُشير الكاتب إلى أن غزو روسيا لأوكرانيا، أثار بطبيعة الحال قلقًا عميقًا في جميع أنحاء أوروبا. والمفهوم الإستراتيجي الجديد لحلف الناتو، خلال العقد القادم، يصف روسيا بأنها “التهديد الأبرز والمباشر لأمن حلفاء الناتو والسلام والاستقرار في المنطقة الأوروبية الأطلسية”.
ولكن قبل تخصيص موارد إضافية هائلة لمواجهة روسيا، سيكون من الجيد إلقاء نظرة موضوعية على موارد روسيا العسكرية وطبيعة التهديد العسكري الروسي لحلف الناتو ومداه. ويجب علينا ألا ننسى كيف خلُصت وكالات الاستخبارات الغربية، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، إلى أن تقديراتها للحرب الباردة بشأن القدرات العسكرية السوفيتية كانت مُبالَغًا فيها إلى حد كبير (وهذا ما تكرر بالضبط بشأن التوقعات الغربية بتحقيق روسيا نصرًا سهلًا على أوكرانيا هذا العام). ومع ذلك، فإن الموارد الأمريكية والغربية ليست بلا حدود، وقد يعني تكريسها للدفاع ضد روسيا نقصَها في مناطق أخرى.
الأساطيل البحرية.. من يتفوق؟
يُوضِّح الكاتب أنه فيما يتعلق بالإنفاق العسكري، تتفوق الولايات المتحدة وحلف الناتو بصورة كبيرة على روسيا. وفي عام 2021، أنفقت روسيا حوالي 66 مليار دولار على جيشها. وأنفق أعضاء الناتو الأوروبيون وحدهم أكثر من أربعة أضعاف ذلك المبلغ. وأنفقت الولايات المتحدة أكثر من 11 ضعف هذا المبلغ (801 مليار دولار)، على الرغم من أنها بالطبع لديها التزامات عسكرية ضخمة خارج أوروبا. وعلاوةً على ذلك، تعهدت الحكومات الأوروبية، بما فيها ألمانيا، بزيادات هائلة في الإنفاق العسكري، على الرغم من أن التفاصيل لا تزال غير واضحة تمامًا.
وتمتلك أساطيل دول أوروبا الأعضاء في الناتو وحدها أربعة أضعاف عدد السفن الحربية لروسيا، بالإضافة إلى القوات الضخمة التي نشرتها الولايات المتحدة مع الأسطول السادس في البحر الأبيض المتوسط ​​والأسطول الثاني في المحيط الأطلسي. وبذلك، يبدو تأكيد المفهوم الإستراتيجي لحلف الناتو على أن روسيا يُمكن أن تُشكِّل تهديدًا حاسمًا لحلف الناتو في البحر الأبيض المتوسط غير مُقنِع بالمرة.
ويتكون أسطول روسيا في البحر الأبيض المتوسط في أغلب الأحيان من ثلاث فرقاطات وست غواصات تقليدية من طراز “فارشافيانكا”. ويتكون الأسطول السادس للولايات المتحدة وحده في الغالب من حوالي 40 سفينة حربية، بما فيها حاملة طائرات وطرَّادات، مدعومة ليس من جانب القوات البحرية التابعة لحلف الناتو فحسب، ولكن من جانب القوات الجوية الأمريكية.
إن أسطول روسيا الهائل من الغواصات مسألة مختلفة. وهذا ما يُعرِّض الناتو للتهديدين نفسهما كما كانت الغواصات السوفيتية في السابق. أولًا: يوجد تهديد نووي من 12 غواصة صواريخ باليستية روسية و10 غواصات صواريخ كروز. ثانيًا: هناك 15 غواصة مقاتلة نووية روسية (نُشِرت خمس منها، حتى هذا العام على الأقل، في المحيط الهادئ) وهناك 20 غواصة هجومية تقليدية (سِتٌ منها في المحيط الهادئ). وكانت أهدافها الرئيسة هي الإسهام في حماية نشر غواصات الصواريخ الباليستية ومهاجمة سفن الناتو عبر المحيط الأطلسي من أجل إعاقة وصول التعزيزات الأمريكية إلى أوروبا في حالة نشوب حرب.
بيد أن مدى فعاليتها غير واضح فعليًّا، إذ تمتلك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا معًا ما لا يقل عن 35 غواصة مقاتلة نووية يمكن نشرها في المحيط الأطلسي لحماية الأساطيل، ولكن لا بد من افتراض أنها قد تُسبب أضرارًا بالغة.
التفوق الروسي في أوكرانيا يتبدد مع مرور الوقت
ويطرح الكاتب تساؤلًا مفاده: هل ستكون التعزيزات الأمريكية إلى أوروبا ضرورية للتصدي لروسيا إذا أقدمت على غزو حلف الناتو؟
ويجيب قائلًا: بالكاد يبدو أن الجيش الروسي، الذي اضطُّر للقتال لأشهر للاستيلاء على مدن صغيرة نسبيًّا في إقليم دونباس، قادر على الاستيلاء على وارسو، ناهيك عن برلين. ولن تتمكن روسيا كذلك من منع القوات الجوية الأمريكية من عبور المحيط الأطلسي للمساعدة في صد الغزو.
ويشير الكاتب إلى أن أعضاء حلف الناتو الأوروبيين، بالإضافة إلى القوات الأمريكية المتمركزة حاليًا في أوروبا، لديها ميزة كبيرة من حيث الأعداد الهائلة للقوات والأسلحة. وفي عام 2021، بلغ عدد القوات البرية الموجودة في الخدمة (دون احتساب الاحتياطي) لأعضاء الناتو الخمسة الرئيسين أكثر من 500 ألف جندي، مقارنة بـ 280 ألف جندي لروسيا، ومعظمهم محاصر حاليًا في أوكرانيا (أو يوجد بينهم عشرات الآلاف من القتلى والجرحى). كما أن الولايات المتحدة لديها ستة ألوية مقاتلة متمركزة في أوروبا، والتي تُعد أصغر بكثير من إجمالي القوات الروسية، لكنها كافية لتدعيم صفوف المقاومة الأوروبية بصورة حاسمة.
ونظريًّا، تمتلك روسيا 22 ألف عربة مدرعة مقارنة بـ 16 ألفًا لدى حلف الناتو. ومع ذلك، تشير شواهد حرب أوكرانيا إلى أن عددًا كبيرًا من هذه المدرعات الروسية الموجودة في المخازن قد ساءت حالتها فعليًّا لدرجة أنه يتعذر نشرها بصورة فعَّالة، وتلاشى تفوق روسيا على أوكرانيا في الأسلحة والمدرعات إلى حد كبير بفضل مزيج من البسالة الأوكرانية وأسلحة الناتو المضادة للدبابات. والأمر ذاته ينطبق على تفوق روسيا الساحق في سلاح الجو عندما تواجه صواريخ أمريكية مضادة للطائرات.
قيادة أوروبية متداخلة ومتعارضة في التنسيق
يلفت الكاتب إلى أنه في المستقبل المنظور، سيُكبَّل جزء كبير جدًّا من الجيش الروسي ويُقيَّد إما للقتال في أوكرانيا وإما للحماية من الهجمات المضادة الأوكرانية. وتشير تقديرات الاستخبارات الأمريكية والبريطانية إلى أن روسيا فقدت بالفعل حوالي ربع قدراتها القتالية المؤثرة في أوكرانيا. ومن ثمَّ، ليس هناك ثمة مقارنة بين التهديد، الذي تشكله القوات البرية الروسية على الناتو حاليًا، وبين الأيام الخوالي التي كانت فيها جيوش الدبابات السوفيتية الضخمة تقف على نهري إلبه والدانوب.
أما فيما يخص قوات حلف الناتو الأوروبية، فإن التساؤلات المثارة بشأنها تتعلق بالتنسيق والإرادة. وأدَّى حرص الدول الأوروبية على الحفاظ على صناعاتها العسكرية إلى إنتاج هائل لأنظمة أسلحة غير ملائمة أحيانًا، وأصبحت للقوات العسكرية الخارجية المنفصلة هياكل قيادة متداخلة ومتعارضة. ويُفترض أن تُسهم خطة حلف الناتو لزيادة قوات التدخل السريع المشتركة إلى 300 ألف فرد، إذا تحقق ذلك بالفعل، في الحد من مشكلات التنسيق، وبالتأكيد ستكون كافية للتصدي لأي عدوان روسي على الناتو ودحره.
وفيما يتعلق برغبة أعضاء الناتو الأوروبيين في القتال، نجد أنه من الصعب جدًّا التنبؤ بهذا بصورة مسبقة، لأنه يتأثر بعديد من العوامل المختلفة. ويعتقد كثيرٌ من المراقبين أن الجيشين البريطاني والفرنسي فحسب هما على استعداد للمشاركة في القتال بالفعل، ولا بد من الإشارة إلى أن الأداء المتواضع الغامض لمعظم جيوش حلف الناتو في أفغانستان ومنطقة البلقان كان له فضل كبير في إثبات هذه القناعة. ومع ذلك، أثَّرت الصور التي انتشرت لغزو روسيا لأوكرانيا تأثيرًا محفزًا على الرأي العام الأوروبي، والذي من المفترض أن يتكرر بدرجة أكبر إذا هاجمت روسيا أحد أعضاء الناتو بالفعل.
كيف أصبحت أوكرانيا نموذج مقاومة لجيرانها؟
يقول الكاتب: في المقام الأول، وفي ظل أي سيناريو يمكن تصوره تقريبًا لاندلاع حرب برية مع روسيا، ستكون بولندا على خط المواجهة، وليس هناك أدنى شك بشأن استعداد البولنديين للقتال ضد روسيا. وتمتلك بولندا 111 ألف جندي في الخدمة، و32 ألف جندي احتياطي يمكن تعبئتهم فورًا.
وقبل ستة أشهر، كانت هذه الأعداد ستبدو ضئيلة مقارنةً بقوات روسيا، إلا أن الأوكرانيين أظهروا كيف يُمكن لأعداد أصغر من الجنود المدربين تدريبًا جيدًا والمجهزين تجهيزًا جيدًا ولديهم دوافع قوية أن يتصدوا لجيوش تفوقهم عددًا بدرجة كبيرة وتُفضي بهم إلى طريق مسدود. وإذا أقدمت روسيا على غزو بولندا، فلا يُمكن تصور أن يتباطأ باقي أعضاء الناتو عن المشاركة والدفاع عن بولندا.
ويؤكد الكاتب أن بولندا ستنهض بالتأكيد لمساعدة دول البلطيق إذا تعرَّضت لهجوم روسي. وتُعد دول البلطيق، حتى بعد انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو، أكثر نقاط الحلف ضعفًا. وحتى في ضوء التزامات موسكو في أوكرانيا، يمكن لروسيا حشد قوات متفوقة جدًّا ضد البلطيقيين، في حين أنه نتيجةً لأسباب جغرافية، ستكون تعزيزات حلف الناتو أمرًا صعبًا.
وسيتعرض البلطيقيون للهزيمة في أي معركة تجري على حدود البلاد. ولكن بعد ذلك، لن يُقاتل البلطيقيون على الحدود، إذ سيتراجعون بالتأكيد إلى داخل المدن، مثل تالين وريجا وفيلنيوس وكاوناس ويحاربون الروس من شارع إلى شارع كما فعل الأوكرانيون، ومن ثمَّ، يحرمون روسيا من تحقيق نصر سريع قبل أن تتدخل قوات الناتو الأكبر.
وعلى أي حال، سيكون الغزو الروسي لدول البلطيق تصرفًا غير رشيد بالمرة من الناحية العسكرية البحتة، وعلى الرغم من أن غزو بوتين لأوكرانيا كان جريمة مطلقة، فإنه لا يُعد جنونًا، لا سيما أن الاستخبارات الغربية اتفقت مع موسكو بشأن التوقعات بتحقيقها نصرًا سهلًا على المدى القصير. والحالة الوحيدة التي قد تشعر فيها روسيا بأنها مضطرة لغزو ليتوانيا ستتحقق إذا حظرت ليتوانيا إمكانية الوصول إلى الأراضي الروسية المعزولة في كالينينجراد، ولهذا السبب، سيكون من الحكمة أن يحذو الاتحاد الأوروبي حذو ألمانيا في إعفاء كالينينجراد من عقوبات الاتحاد الأوروبي.
التهديد الحقيقي المنطقي
يُنوِّه الكاتب إلى أنه لا يزال هناك ما يبدو أنه تهديد منطقي بالفعل بشأن شن هجوم روسي على الناتو. وفي مواجهة احتمال حدوث هزيمة عسكرية حقيقية في أوكرانيا، قد تطلق موسكو صواريخ تقليدية (لا يزال لديها ترسانة كبيرة منها، على الرغم من استنزاف كثير منها في حرب أوكرانيا) على قنوات الاتصال في بولندا، التي تُستخدَم لتزويد أوكرانيا بالأسلحة الغربية.
وقد لا يكون الهدف هو تعطيل وصول هذه الإمدادات بصورة خطيرة، لكنه، بدلًا من ذلك، يرمي إلى إرهاب الأوروبيين لدعم تسوية سلام في أوكرانيا بشروط مقبولة لروسيا. ولن يتولد الخوف من الهجمات في حد ذاتها، ولكن من الاعتقاد بأنها ستؤدي إلى دوامة من التصعيد المتبادل من شأنها أن تزيد من خطر نشوب حرب نووية عرضية بصورة كبيرة، وتظل روسيا قوة عظمى مكافئة للولايات المتحدة في مجال الأسلحة النووية.
ومن وجهة نظر روسيا، ستكون هذه خطوة محفوفة بالمخاطر، لأنها ستمثل فرصة كبيرة، بغض النظر عن إرهاب الناتو، من شأنها أن تسفر فعليًّا عن مشاركة القوات الجوية الأمريكية مع الجانب الأوكراني، مما يؤدي بدوره إلى هزيمة موسكو أو تصعيد حقيقي نحو نهاية العالم النووية التي ستُدمَّر فيها روسيا كذلك. ومع ذلك، يبدو أن هذا الأمر، وليس شنَّ روسيا هجومًا على حلف الناتو أو حصاره بحريًّا، هو الخطر الحقيقي لإمكانية اندلاع حرب مباشرة بين روسيا وحلف الناتو الذي سيواجهه العالم في الأشهر أو السنوات المقبلة، وفق ما يختم به الكاتب مقاله.