الرئيسة \  تقارير  \  مترجم: دبلوماسية المسيَّرات.. هل تجعل “بيرقدار” تركيا لاعبًا أساسيًّا في أفريقيا؟

مترجم: دبلوماسية المسيَّرات.. هل تجعل “بيرقدار” تركيا لاعبًا أساسيًّا في أفريقيا؟

25.10.2021
عبدالرحمن النجار


عبدالرحمن النجار
ساسة بوست
الاحد 24/10/2021
قال الصحافي يوسف سلمان في تقرير على موقع “ميدل إيست آي” إن رحلة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي استمرت أربعة أيام إلى أفريقيا هذا الأسبوع، مع التوقف في محطات لزيارات في كل من نيجيريا وأنجولا وتوجو، بالكاد جرى ذكرها في الأخبار التركية.
وبحسب الكاتب فقد اتخذت وسائل الإعلام التركية التي تديرها الدولة نبرة العلاقات العامة، مؤكدة على الجهود الإنسانية للبلاد ونهجها “غير الاستعماري” في القارة، وترددت تعليقات أردوغان في العاصمة الأنجولية لواندا يوم الاثنين. قال أردوغان لنظيره الأنجولي جواو لورنكو: “إننا في تركيا نرفض التوجهات الاستشراقية المتمحورة حول الغرب تجاه القارة الأفريقية. نحن نحتضن شعوب القارة الأفريقية دون تمييز”.
إن مغازلة تركيا لأفريقيا ليست جديدة – يشير سلمان. نظرًا لقربها الجغرافي وقاعدة المستهلكين الكبيرة والموارد الطبيعية، فقد أتاحت أفريقيا لتركيا فرصة تحقيق أهدافها المحلية والإقليمية. فعلى مدى العقدين الماضيين، وسعت تركيا بشكل مطرد بعثاتها الدبلوماسية، وعززت حجم التجارة وزادت الجهود الإنسانية في البلدان الأفريقية.
الآن مع سلسلة من مبيعات الطائرات المسيرة التركية في جميع أنحاء أفريقيا والتدخلات الأخيرة في بلدين أفريقيين، يقول بعض المحللين إن تركيا ربما تتجاوز نهج القوة الناعمة لتصبح لاعبًا يغير قواعد اللعبة في السياسة الأفريقية. هكذا قال إبراهيم بشير عبد الله، الباحث في العلاقات التركية الأفريقية بجامعة بايرويت في ألمانيا لموقع ميدل إيست آي: “يُظهر دور تركيا في الصومال وغرب أفريقيا ومؤخرًا مشاركتها العسكرية في ليبيا بوضوح أن أنقرة تريد توسيع نفوذها عبر القارة”.
انتشار المسيَّرات التركية
اكتسبت المسيَّرات التركية شعبية في السوق الدولية في السنوات الأخيرة – يؤكد سلمان – وجذبت حتى الدول الغربية مثل أوكرانيا وبولندا والمملكة المتحدة.
وقد انتشرت أيضًا إلى الدول الأفريقية. ففي أواخر سبتمبر، وصلت الدفعة الأولى من المسيَّرات المسلحة التركية إلى تونس على الرغم من التوترات في العلاقات الثنائية بعد إحكام الرئيس التونسي قيس سعيد قبضته على البلاد في يوليو (تموز). وكان المغرب هو التالي، حيث وسع مخزونه العسكري بمسيَّرات تركية. جاءت هذه الصفقة مع اندلاع التوترات بين الجزائر والمغرب، على الرغم من العلاقات التي تبدو جيدة بين تركيا والجزائر.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أفادت تقارير استخبارية أفريقية أن الجيش الرواندي مهتم بالمسيَّرات التركية لعملياته العسكرية في موزمبيق. وعلى الرغم من عدم وجود تعليق رسمي من أي من الجانبين حول مبيعاتها، فقد طورت تركيا بالفعل علاقات مع الدولة، حيث شيدت أكبر ملعب داخلي في رواندا في العاصمة كيجالي.
كما أبدت إثيوبيا اهتماما بالمسيَّرات التركية – يضيف سلمان. وبينما تظل التفاصيل طي الكتمان نتيجة الخلاف بين أديس أبابا والقاهرة بشأن مشروع سد النهضة الإثيوبي، أفادت رويترز الأسبوع الماضي أن إثيوبيا وتركيا توصلتا إلى صفقة، ستضيف تركيا من خلالها استثمارًا آخر إلى محفظتها في إثيوبيا، التي تضم بالفعل مصانع نسيج وخط سكة حديد والعديد من شركات البنية التحتية، وتجعل تركيا ثاني أكبر مستثمر أجنبي في البلاد بعد الصين.
أخيرًا، أعربت نيجيريا عن اهتمامها بالمسيَّرات التركية، حيث قال بيلو محمد ماتوالي، حاكم ولاية زامفارا، إنها ستساعد الجيش النيجيري في مكافحة الجريمة المنظمة.
المصالح التركية في القارة السمراء
تعود جهود تركيا لتوسيع انتشارها في أفريقيا إلى عام 2005 – يشير الكاتب – الذي أعلنته الحكومة التركية “عام أفريقيا”. ترافق هذا مع إطلاق بعثات دبلوماسية وصفقات تجارية ورحلات جوية.
على مدى السنوات الـتسعة عشر الماضية، سافر أردوغان إلى ما يقرب من 30 دولة أفريقية، وهي زيارات أكثر من أي زعيم غير أفريقي آخر. كما زادت تركيا من بعثاتها الدبلوماسية في القارة من 12 بعثة في عام 2002 إلى 43 في عام 2021، في حين تسير الخطوط الجوية التركية رحلات إلى 60 وجهة في 39 دولة أفريقية مختلفة، مما يجعل إسطنبول مركزًا للعبور بين أفريقيا والعالم.
علاوة على ذلك، ارتفعت قيمة التجارة بين الجانبين إلى 25 مليار دولار العام الماضي، وهو رقم بلغ حوالي 4.3 مليار دولار عندما وصل أردوغان إلى السلطة في عام 2003.
تستخدم تركيا أيضًا بعض المؤسسات التي تديرها الدولة لتقديم المساعدات الإنسانية والتعليمية. على سبيل المثال – يكشف سلمان – منحت الوكالة الحكومية التركية المسؤولة عن مساعدة الأتراك الذين يعيشون في الخارج ما يقرب من 6 آلاف طالب أفريقي منحًا دراسية كاملة في الجامعات التركية على مدار العقد الماضي.
وينقل التقرير رؤية الخبراء بأن تركيز تركيا على أفريقيا ينصب على تحقيق النجاح الاقتصادي. فقد قال الباحث إبراهيم بشير عبد الله: “تنجذب تركيا نحو الثروة الهائلة المخفية في باطن الأرض وإمكانات أفريقيا الاقتصادية وسوق يزيد عن مليار شخص”، مضيفًا أن هناك فرصًا كبيرة للشركات التركية المتوسطة والكبيرة.
بيد أن إمري كاليسكان، الزميل في مركز السياسة الخارجية في أنقرة، أكد أن تركيا استثمرت في الغالب في الشركات المتوسطة الحجم، بدلًا من الشركات الكبيرة ذات أحجام التجارة العالية، مضيفًا: “ازدهار حجم التجارة التركية الأفريقية مجرد وهم”. لكنه عاد وأشار إلى أن مبيعات الصناعات الدفاعية ستكون طفرة حقيقية لاستثمارات تركيا في أفريقيا؛ لأن هذا النوع من التجارة يتطلب “مشاركة المعرفة ونقل التكنولوجيا وتعاون أعمق”.
إستراتيجية جديدة في أفريقيا؟
مع استثماراتها المستمرة في أفريقيا، وخاصة مع مبيعات المسيَّرات، التي غيرت ميزان القوى لصالح المشترين، يتساءل المراقبون عما إذا كانت تركيا تتنافس الآن مع قوى دولية مثل فرنسا والولايات المتحدة وروسيا والصين على النفوذ.
وقد برز هذا السؤال إلى الواجهة، بحسب رؤية الكاتب، منذ أن مكنت المسيَّرات التركية الحكومة الليبية المعترف بها دوليًّا من وقف تقدم خليفة حفتر نحو العاصمة طرابلس العام الماضي. وبالمثل – يقول سلمان – تمكن الجيش الأذربيجاني المدعوم بالمسيرة التركية من استرداد أراضيه “المحتلة” من أرمينيا العام الماضي، في حرب ناجورنو كاراباخ. فمثلما أشار العديد من المحللين، ساعدت المسيَّرات التركية في تغيير دفة الحرب.
قال عبد الله إن نجاح تركيا في ليبيا كشف قدرة البلاد على “مواجهة خصومها وإقامة نفوذ اقتصادي وسياسي على دول أفريقية معينة”.
وهذا ما أكده أيضًا كاليسكان، واصفًا ليبيا بأنها نقطة تحول بدأت بعدها تركيا تصبح قوة عسكرية بدلًا من مجرد مورد مساعدات إنسانية لأفريقيا. ويرى الكاتب أن تركيا لديها رؤية الآن؛ إذ تريد أنقرة تطوير علاقاتها مع الدول المجاورة لليبيا وإقامة قواعد عسكرية لتصبح قوة عسكرية في شمال القارة.
بيد أن عبد الله يعتقد أن تركيا غير مهتمة بالاحتفاظ بقوة عسكرية خارج النطاق الليبي بسبب التكاليف المالية التي قد تتكبدها. “على سبيل المثال، تبيع الصين أسلحة إلى دول أفريقية ولكنها تقدم قروضًا أيضًا”، مشيرًا إلى أن تركيا غير قادرة على القيام بذلك بسبب تدهور اقتصادها.
قال فولكان إيبيك، الأستاذ المساعد في جامعة يدي تبه في إسطنبول، إنه يعتقد أن أفريقيا هي “ساحة لإعادة تأهيل” السياسة الخارجية التركية، التي تعطلت بسبب التطورات في البلدان المجاورة لها، ولا سيما في سوريا. وقال إيبيك إن تركيا لها اليد العليا في مواجهة القوى الأوروبية في القارة لأنها لا تملك إرثًا استعماريًّا. وقال: “لم يكن لدى تركيا مطلقًا سياسة (افعل ما أريد) أو (افعل كما أقول) مع أفريقيا”.
لكن على الرغم من هذه الميزة، قال إنه لا يعتقد أن تركيا لديها إستراتيجية أكبر في أفريقيا تتجاوز اتفاقيات التجارة الثنائية. وعلى أية حال – يختتم سلمان بالقول – فإن أردوغان حريص على تعميق علاقة تركيا بالدول الأفريقية. وكانت محطته الأخيرة يوم الأربعاء الماضي هي نيجيريا الغنية بالنفط، حيث وقع سبع اتفاقيات مع نظيره محمد بخاري لتعزيز التجارة الثنائية والاستثمار بقيمة تزيد عن ملياري دولار.