الرئيسة \  تقارير  \  مترجم: بمشاركة الصين كوسيط.. كيف يبدو مستقبل التقارب السعودي الإيراني؟

مترجم: بمشاركة الصين كوسيط.. كيف يبدو مستقبل التقارب السعودي الإيراني؟

22.01.2022
عبدالرحمن النجار


عبدالرحمن النجار
ساسة بوست
الخميس 20/1/2022
يبدو أن القادة في الرياض وطهران بدأوا في إدراك أن علاقتهم العدائية لم تعد تخدم مصالح بلديهم – هذا ما خلصت إليه أبيجيل باجيني، طالبة في برنامج العلاقات الدولية بجامعة بنسلفانيا، وفرح جان، محاضرة في العلاقات الدولية بجامعة بنسلفانيا، في تحليل نشره موقع “ريسبونسيبل ستيت كرافت”.
وأوضحت الكاتبتان أن جهود السعودية لتقليل اعتمادها على صادرات النفط وتنويع اقتصادها تخلق أنماطًا جديدة من الشراكات والمنافسات الإقليمية. لقد دفعت طموحات المملكة في أن تكون مركزًا ماليًا إقليميًا للأعمال والسياحة العالمية – المرتبطة بالهدف الأساسي لبقاء آل سعود – إلى إعادة النظر في علاقتها المشحونة منذ زمن بعيد مع إيران.
اجتماعات التقارب                             
في الأسابيع الأخيرة من عام 2021، اجتمعت منظمة التعاون الإسلامي في إسلام أباد لمعالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة في أفغانستان، وبينما ناقش وزراء الخارجية التزام المنظمة تجاه الشعب الأفغاني، ظهر تطور رئيسي في السياسة الإقليمية على هامش القمة؛ إذ التقى وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود. وهو الاجتماع الخامس في سلسلة محادثات مباشرة بين كبار المسؤولين السعوديين والإيرانيين.
أعرب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن أمله في أن تؤدي المحادثات مع إيران إلى نتائج ملموسة لبناء الثقة وإحياء العلاقات الثنائية. من جانبه، قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إنه لا توجد عقبات أمام استئناف العلاقات الدبلوماسية مع المملكة. وتمثل المحادثات السعودية الإيرانية تطورًا مهمًّا للخصمين الإقليميين اللذين يخوضان حروبًا بالوكالة في جميع أنحاء المنطقة منذ أكثر من عقد. يوضح هذا التحول في السياسة الخارجية السعودية مخاوف المملكة السياسية والاقتصادية الإقليمية وإعادة تقويم العلاقات مع العالم الإسلامي، كما يشير إلى الدور الرئيس الذي تلعبه قوتان وسيطتان: باكستان والصين.
ما أسباب هذا التحول إذًا؟
تكشف الكاتبتان أنه على مدى السنوات العديدة الماضية، شعرت الرياض بالاختناق الاقتصادي والسياسي من قبل نظرائها الإقليميين الطموحين، لا سيما الإمارات العربية المتحدة. بالنسبة لآل سعود، فإن هذه المخاوف تبدو وجودية، حيث يعتمد بقاء النظام الملكي على قدرته على تأمين الاستقرار الاقتصادي والسياسي للأمة. وبالنسبة لولي العهد، فإن الحرب بالوكالة مع إيران في اليمن تقف عقبة كبيرة أمام أن تصبح بلاده مركزًا ماليًّا إقليميًّا.
وبهدف تنويع اقتصاد السعودي، أعلن محمد بن سلمان عن مشروعه “رؤية 2030” في عام 2016 – وهي خطة طموحة بمليارات الدولارات تهدف إلى تحفيز الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي في جميع أنحاء البلاد. يتمثل أحد مفاتيح المشروع في تطوير صناعة السياحة السعودية، التي سحقها فيروس كورونا وخسفتها دبي لفترة طويلة. أدى الوباء إلى انخفاض بنسبة 45% في قطاع السياحة الدينية، وانخفاض الإيرادات بمقدار 28 مليار دولار في عام 2020.
في الآونة الأخيرة، شعرت السعودية بأن جيرانها يفوقونها سياسيًّا ودبلوماسيًّا، بحسب التحليل. إذ تلعب الإمارات، على وجه الخصوص، دورًا بارزًا بشكل متزايد في الدبلوماسية الإقليمية، حيث قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وتواصل تنمية قوتها الناعمة بعيدة المدى مع تركيا وتعيد تشكيل الجغرافيا السياسية للقرن الأفريقي. وفي الوقت نفسه، كانت السعودية منشغلة بحربها باهظة الثمن في اليمن، حيث كلفت الحملة العسكرية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران حوالي 265 مليار دولار.
ويشير التحليل إلى أنه لطالما كانت المملكة تتطلع نحو الولايات المتحدة والغرب للحصول على الدعم. ومع ذلك، فإن اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في 2018 خلق مشكلة كبيرة في صورة السعودية وأعاق قدرة محمد بن سلمان على تعزيز العلاقات مع كل من إدارتي ترامب وبايدن. ومع ابتعاد واشنطن عن الشرق الأوسط، أصبح من الواضح للرياض أن الولايات المتحدة لن تقدم الدعم غير المشروط نفسه الذي قدمته للمملكة يومًا.
وبينما يمكن للسعودية، نظريًّا، تطوير علاقتها مع إسرائيل، يبدو هذا الاقتراح غير مرجح في ضوء المطالب السعودية القائمة منذ زمن طويل بإنهاء احتلال جميع الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل في عام 1967. ناهيك عن أن الجمهور السعودي نفسه لن يقبل أبدًا بالتقارب الكامل مع تل أبيب، بحسب التحليل، فهم ينظرون إلى إسرائيل على أنها أكبر تهديد للأمن الإقليمي. لذلك، أدركت الرياض أنها يجب أن تجذب بشكل متزايد العالم الإسلامي الأوسع. ولكن لا يمكنها أن تفعل ذلك إذا ظلت معادية لإيران كما كانت في الماضي القريب.
مغازلة الخصم
يشير التحليل إلى أنه قبل عامين فقط، منعت السعودية، التي هيمنت لفترة طويلة على منظمة التعاون الإسلامي، إيران من حضور اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي في جدة برفضها إصدار تأشيرات لوفدها. وعندما قطعت المملكة العلاقات الدبلوماسية مع إيران في عام 2016، أصدرت منظمة التعاون الإسلامي قرارًا شديد اللهجة لدعم الرياض، ويدين طهران لتدخلها في الشؤون الإقليمية ودعم الإرهاب.
لطالما كان هذا العداء سمة مميزة للعلاقات بين المملكة وإيران، اللتين أدى تنافسهما تاريخيًّا إلى تقسيم الشرق الأوسط إلى فصيلين متنافسين مختلفين. ومع ذلك، فإن الاجتماع الأخير في إسلام أباد يمثل الدفء المحتمل للعلاقات بما يتماشى مع الأهداف الإستراتيجية السعودية الأوسع. وبينما كان السعوديون يتراجعون ذات مرة عن فكرة التعاون مع إيران، فقد يستنتجون ببطء أن التقارب مع طهران يصب في مصلحة المملكة في اكتساب شهرة إقليمية.
والأهم من ذلك – تضيف الكاتبتان – أن التعاون بين الرياض وطهران سيمنحهما سيطرة أكبر على أسعار النفط حيث يمثلان 35.5% من احتياطيات أوبك النفطية. ويعد استقرار أسعار النفط أمرًا بالغ الأهمية للاستقرار الاقتصادي لهذين البلدين، فكلتا القوتان، اللتان تعتمد أنظمتهما على الاستقرار الاقتصادي للبقاء على قيد الحياة، لديهما ما تكسبانه من الوفاق المؤقت حتى عام 2022.
الصين تلعب دور الوسيط
من شأن التقارب بين الرياض وطهران أن يغير إلى حد كبير ملامح النظام السياسي القائم في المنطقة، ويخلق مجموعة من الفائزين والخاسرين. سيكون لدى الولايات المتحدة الكثير لتخسره، بينما سيكون لدى الصين الكثير لتكسبه.
في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة تنفيذ إستراتيجيتها المتمثلة في “التحول نحو آسيا” وابتعادها عن الشرق الأوسط، انتهزت الصين هذه اللحظة فرصة لبناء نفوذها في المنطقة. وفعلت ذلك من خلال مختلف الوسائل الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية، بما في ذلك إبرام صفقات صواريخ باليستية مع السعودية وتوقيع اتفاقية تعاون مدته 25 عامًا مع إيران. ويرى التحليل أنه بكل المقاييس، يتشابه الخصمان أكثر في التقارب المتبادل مع بكين.
وترى الكاتبتان أنه بالنظر إلى أن السعودية وإيران هما الشريكان التجاريان الرئيسيان للصين في الشرق الأوسط، فإن الاستقرار بين الخصمين سيكون مفيدًا لتعاملات بكين في المنطقة. لهذا السبب، تلعب الصين، إلى جانب باكستان، دورًا حيويًا في تسهيل انفراج العلاقات بين السعودية وإيران. في نهاية المطاف، تتوافق المحادثات المستمرة بين إيران والمملكة مع خطة بكين الأوسع ذات النقاط الخمس للشرق الأوسط، التي تشجع فيها الحل السياسي للقضايا الساخنة، وتعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
والجدير بالذكر أن الصين، التي حضرت أحدث قمة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، عينت ممثلها الأول في لجنة الممثلين الدائمين بالمنظمة في يونيو الماضي. وكانت الصين قد أبدت في الماضي اهتمامًا بالحصول على صفة مراقب في منظمة التعاون الإسلامي، وبعد أشهر من تعيين السفير تشين وي تشينج، تحدث وزير الخارجية الإيراني عبر الهاتف مع الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي يوسف العثيمين لأول مرة منذ أربع سنوات.
تتزامن هذه الخطوات الصغيرة والمهمة بشأن التقارب السعودي الإيراني مع جهود بكين لتجاوز الخصومات التقليدية وتحدي الهيمنة الأمريكية في المنطقة. ويشير التحليل إلى أنه إذا كانت إدارة بايدن تريد الحفاظ على مستوى من النفوذ في المنطقة، فقد أصبح من الواضح أنها لا تستطيع السماح بأن تصبح المنطقة مسرحًا لمنافسة شرسة بين القوى العظمى بحيث تضطر دول الشرق الأوسط للاختيار بينها وبين بكين.
طريق المستقبل
تعتقد الكاتبتان أنه من المرجح أن تستمر الدولتان في تحسين العلاقات في العام الجديد، لأن ذلك في مصلحة كل منهما. وبالنسبة إلى النظام الإيراني، الذي يعاني من عجز شهري قدره مليار دولار في الميزانية، قد يؤدي تدهور اقتصاده إلى مزيد من الحوافز للتقارب مع المملكة. علاوة على ذلك، بالنسبة للسعودية، فإن البدائل محدودة لتحقيق أهدافها الاقتصادية، إذ تشعر الرياض بالفعل بأزمة انخفاض عائدات النفط حيث أدى الوباء إلى تفاقم تراجع عصر النفط العربي.
وفقًا لشركة “كابيتال إيكونوميكس”، كانت المملكة في يوم من الأيام تستحوذ على ما يقرب من 30% من صادرات النفط العالمية. اليوم انخفض هذا الرقم إلى حوالي 12% فقط، وستغطي احتياطيات السعودية البالغة 444 مليار دولار عامين فقط من الإنفاق بالمعدل الحالي.
يختتم التحليل بالإشارة إلى أنه إذا فشلت أهداف رؤية المملكة 2030، فسيكون ذلك كارثيًا على ولي العهد والاقتصاد السعودي، وإذا كان عام 2021 مؤشرًا، فإن الانفراج في العلاقات السعودية الإيرانية ليس وشيكًا فحسب، بل إنه جوهري لكلا الخصمين.