الرئيسة \  تقارير  \  مترجم: بعد تقارب الإمارات وتركيا .. هل تتعاون دول الشرق الأوسط برغم الخلافات؟

مترجم: بعد تقارب الإمارات وتركيا .. هل تتعاون دول الشرق الأوسط برغم الخلافات؟

04.12.2021
ساسة بوست


فريق العمل
ساسة بوست
الخميس 2/12/2021
تشير دلائل مثيرة للاهتمام إلى أن قوى منطقة الشرق الأوسط أصبحت لا تهتم كثيرًا في الوقت الراهن بالصراعات المسلَّحة أكثر من اهتمامها باكتساب النفوذ بأشكاله المختلفة.
أعدَّ المراسل المخضرم جيمس إم دورسي، الذي يغطي التغييرات السياسية والاجتماعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تقريرًا نشره موقع مجلة “ريسبونسبل ستيتكرافت” التابعة لمعهد كوينسي الأمريكي لفن الإدارة الرشيدة يبرز فيه كيف غيَّرت عديد من القوى المتناحرة في منطقة الشرق الأوسط من سياساتها للتعاون من أجل كسب مزيد من النفوذ والتأثير في المنطقة، مؤكدًا أن ذلك لا يعني انتهاء الخصومة تمامًا أو دفن الخلافات.
الخلافات لم تختفِ         
في مستهل تقريره، يستشهد المراسل بتصريح أدلى به وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن تحسُّن العلاقات بين دول المنطقة، تحسُّبًا لوجود أية شكوك تتعلق بهذا الأمر، موضحًا خلال زيارته للبنان هذا الأسبوع أن تحسُّن العلاقات بين القوى المتناحرة في الشرق الأوسط لا يدفن الأحقاد ولا يعني التصالح فيما بينها وعلى العكس من ذلك، سيؤدي تحسُّن العلاقات إلى انتقال ساحة المعركة بعيدًا عن الصراع المسلَّح المحتمل، مما يتيح للخصوم التنافس فيما بينهم، بينما يَجْنون في الوقت نفسه ثمار التعاون التجاري والاقتصادي، فضلًا عن فتح قنوات الاتصال التي تساعد على تجنب خروج المنازعات والصراعات عن نطاق السيطرة.
ويوضح التقرير أن زيارة جاويش أوغلو تعني أن تركيا تحملت الجزء الأعظم من العمل الشاق؛ إذ سعى جاويش أوغلو لملء هذا الفراغ الحاصل بعد فرض خصوم ومنافسي تركيا على الصعيد الجيوسياسي والديني، وهما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بالتعاون مع البحرين والكويت، مقاطعة اقتصادية على لبنان وسحَبوا سفراءَهم من العاصمة بيروت.
وتتأرجح لبنان، الدولة التي كانت في السابق ذات دخل متوسط، على حافة الانهيار بسبب الفساد المتجذِّر والنخبة الحاكمة التي لديها استعداد لحماية مصالحها الضيقة المكتسبة مهما كلفها الأمر ونتيجةً لذلك، تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ثلاثة أرباع الشعب اللبناني قد وقعوا في براثن الفقر، ومما أدَّى إلى تفاقم محنة لبنان، أن تلك المقاطعة تستهدف التخفيف من سيطرة حزب الله – الميليشيا والحزب السياسي المدعوم من إيران والذي أصبح جزءًا من النخبة – على البلاد.
أصل الخلاف بين تركيا والإمارات
يلفت التقرير إلى أن خروج احتجاجات أنصار حزب الله إلى شوارع لبنان في أكتوبر (تشرين الأول) للمطالبة بتنحية القاضي طارق بيطار، المكلف بالتحقيق في الانفجار المدمر الذي هزَّ مرفأ بيروت في العام الماضي وأسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص، أدخل البلاد في أعمال عنف طائفية استدعت إلى الأذهان حرب لبنان الأهلية التي دامت 15 عامًا في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
ويشير التقرير إلى أن جاويش أوغلو سافر إلى بيروت قبل انطلاق منتدى الأعمال الإماراتي التركي الذي استمر ليومٍ واحدٍ في إسطنبول وقبل زيارة ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد الأولى منذ 12 عامًا إلى تركيا، وقد التقى وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في روما بنظيره الإماراتي سيف بن زايد آل نهيان على هامش الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط بعد أيام من زيارة جاويش أوغلو لبيروت.
وكانت تركيا والإمارات على خلاف بسبب ما قالته تركيا بأن الإمارات موَّلت محاولة انقلاب عسكري فاشلة عام 2016 للإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبسبب تحفظات الإمارات على ما تقدمه تركيا من دعمٍ لحركات الإسلام السياسي، لا سيما جماعة الإخوان المسلمين، وقد خاضت تركيا والإمارات معارك عسكرية و/أو سياسية بالوكالة في ليبيا وسوريا ومنطقة شرق البحر المتوسط ​​وفرنسا، حيث كانا على طرفي نقيض في المواقف، وعلاوةً على ذلك، دعمت تركيا قطر ووسَّعت من وجودها العسكري في قطر خلال فترة المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية التي فرضتها الإمارات والسعودية على قطر طيلة ثلاث سنوات ونصف؛ والتي انتهت في يناير (كانون الثاني) الماضي.
التغير المناخي وجائحة كُوفيد-19
يُضيف التقرير موضحًا أنه على نحوٍ مماثلٍ، تسعى مصر والسعودية إلى تخفيف حدة خلافاتهما مع تركيا في وقتٍ تسود فيه حالة عدم اليقين بشأن الالتزامات الأمنية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وحاجة جميع دول الشرق الأوسط إلى التركيز على مزيجٍ من الإصلاح الاقتصادي وتنويِعه وتوسِيعه نتيجةً لتفشي جائحة كُوفيد-19 ومقتضيات تغير المناخ.
وإزاء تلك الخلفية، سافر جاويش أوغلو إلى العاصمة الإيرانية طهران قبل يوم من وصوله إلى بيروت وسعى أوغلو في طهران لتعزيز موقفه بصفته وسيطًا محتملًا في لبنان، ولمعالجة التوترات التركية الإيرانية في منطقة القوقاز على طول الحدود الأذربيجانية الإيرانية، بالإضافة إلى إيجاد أرضية مشتركة في سوريا حيث يوجد خلاف بين البلدين هناك، وأعلن جاويش أوغلو أنه: “إذا كان هناك أي شيء يمكن القيام به لحل الأزمة في لبنان في أسرع وقت ممكن، فإننا على استعداد للاضطلاع به”.
ويُنوِّه التقرير إلى أنه على الرغم من تحسُّن العلاقات بين تركيا والإمارات والسعودية، فمن غير المرجح أن تخفف دول الخليج قبضتها على لبنان أو أن تثق في تركيا لتكون وسيطًا مقبولًا وغير متحيز، وفي الوقت نفسه، بدَت تركيا وكأنها تحدد مسارات معارك المنطقة ليس فقط مع السعودية والإمارات ولكن أيضًا مع دول جنوب شرق أوروبا، ومع روسيا وإيران أيضًا، اللتين تتنافسان مع تركيا وتتعاونان معها في آنٍ واحدٍ.
وهذا ما تجلَّى في اجتماعٍ عُقِد في إسطنبول الأسبوع الماضي لمجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية، ويضم المجلس أذربيجان وأوزبكستان وقيرغيزستان وكازاخستان والدول الناطقة بالتركية في وسط آسيا والقوقاز، وشاركت تركمانستان، الدولة الوحيدة الأخرى الناطقة باللغة التركية، والمجر بصفة مراقبٍ في المجلس، واشترط هذا الاجتماع الذي عُقِد في إسطنبول أن تكون العضوية وصفة المراقب للبلدان الناطقة باللغة التركية فحسب.
وألمح التقرير إلى أن هذا يعني أن القرار لا يمنع دول جنوب شرق أوروبا المتبقية من الانضمام إلى المجلس فحسب، بل يمنع أيضًا إيران، التي يُمثل الأذربيجانيون، أكبر أقلية عِرقية في البلاد، 15% من المقيمين في إيران، كما يمنع روسيا أيضًا على الرغم من الأقليات التركية التي تعيش فيها.
هل تتحسَّن العلاقات التركية الإسرائيلية؟
يُتابع التقرير أنه بالإضافة إلى كل هذا التأثير الدبلوماسي لتركيا في المنطقة، توجد حادثة مميزة حدثت في الأسبوع الماضي عندما احتجزت السلطات التركية زوجين سائحين إسرائيليين وأطلقت سراحهما بعد ذلك بعد اتهامها بالتجسس بسبب تصويرهما قصر “طولمة باغجة”، أحد المعالم السياحية الرئيسة في إسطنبول، وكان القصر الواقع على ضفاف البوسفور مقرًّا إداريًّا للسلاطين العثمانيين في القرن التاسع عشر ومحلًّا لوفاة مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك في عام 1938 (فارق أتاتورك الحياة في الحجرة رقم 71 داخل القصر).
وأدَّى إطلاق سراح الزوجين الإسرائيليين إلى إجراء أول مكالمة هاتفية بين أردوغان وكبار قادة إسرائيل منذ تسع سنوات؛ إذ اتصل الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ ورئيس الوزراء نفتالي بينيت بالرئيس التركي، كل شخصٍ منهما على حِدة، لتقديم الشكر له، وتبذل إسرائيل حتى الآن جهودًا مضنية لتحسين العلاقات المتوترة بين البلدين.
وبغض النظر عن كون أردوغان لا يريد أن يتسبب الحادث في إخافة السائحين في وقت تحتاج إليهم تركيا بشدةٍ في ظل أزمةٍ اقتصاديةٍ حادةٍ، فقد أتاح هذا الأمر أيضًا فرصةً لكسر الحاجز والتواصل مع إسرائيل وبذلك، تُقلل من الميزة التي تتميز بها الإمارات من الناحية الجيوسياسية في الحفاظ على علاقات وثيقة مع الدولة اليهودية، ويترقب أردوغان أن يُرَد بالمثل على الخطوة التركية، وهذا هو تحديدًا ما يخشاه الإسرائيليون ذوو التوجه المحافظ.