الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مباحثات روسية – تركية في موسكو لضبط الخلاف وسط تصعيد الطرفين ميدانياً شمال سوريا وشرقها 

مباحثات روسية – تركية في موسكو لضبط الخلاف وسط تصعيد الطرفين ميدانياً شمال سوريا وشرقها 

25.10.2020
هبة محمد


القدس العربي 
السبت 24/10/2020 
دمشق – "القدس العربي" : تتجه الأنظار إلى العاصمة الروسية موسكو، التي احتضنت مفاوضات تركية – روسية، حول سوريا، ينوي من خلالها اللاعبان الأساسيان في سوريا ضبط خلافاتهما أو حلها مرحلياً، وإحداث خرق يتوافق مع رؤية الطرفين للمنطقة، لاسيما بعد تصعيد لافت في عموم الشمال السوري حيث القصف الروسي غرباً، وما قابله من عمليات عسكرية وأمنية تركية شرقاً، ما دعا مراقبين وخبراء لترجمة هذا التصعيد على أنه لجوء روسي لاستخدام ملف غرب الفرات للضغط على تركيا وضبط اندفاعها في شرق النهر، بهدف الوصول إلى صيغة معينة للتهدئة. 
 
هل تستعد أنقرة لسيناريو التصعيد في مختلف الجبهات؟ 
وما أثار اهتمام المراقبين إزاء اللقاء التركي – الروسي، هو ما سبقه من تصعيد في إدلب شمال غربي سوريا، وذلك عقب سحب الجيش التركي أكبر محطة مراقبة عسكرية له من المنطقة، كانت محاصرة في مدينة مورك في ريف حماة، من قبل قوات النظام السوري، وسط تخوف من عمليات عسكرية للأخير المدعوم روسياً. 
كما تزامن ذلك، مع عملية أمنية، نفذها الجيش الوطني المدعوم من أنقرة، الخميس، في منطقة عين عيسى جنوبي تل أبيض في محافظة الرقة شرقاً، سبقها قصف عسكري تركي، استهدفت منطقتي "الصيدا وعين عيسى". 
 
لقاء روسي – تركي 
المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، التقى مع نظيره التركي سيدات أونال، الخميس، لتسوية الأزمة العالقة بين الطرفين، حيث أصدرت الخارجية الروسية، بياناً رسميا نقلته وكالة "تاس" الروسية، في أعقاب اللقاء الذي جرى في موسكو، وأوضحت أن الطرفين أكدا "على أهمية مواصلة بذل الجهود المنسقة بين روسيا وتركيا، بما في ذلك في إطار عملية أستانة، من أجل المساهمة في تحقيق حل شامل على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 والتمسك بمبدأ احترام وحدة سوريا وسلامة أراضيها وسيادتها". 
وحول التطورات الأخيرة، وما يمكن أن تعود به المباحثات في موسكو من نتائج، تحدث الخبير السياسي أيمن الدسوقي عن أهمية استمرار قنوات التواصل بين الطرفين، اللذين يدركان تماماً أهمية مناقشة القضايا الخلافية، حيث سبق لهما أن اختبرا تسويات أو تفاهمات مؤقتة. ونوه إلى وجود جهد أمريكي واضح في ملفي الحوار الكردي – الكردي وكذلك الوساطة بين تركيا والإدارة الذاتية، وقال للـ "القدس العربي" أن نجاحه أو فشله، سيكون لهما تداعيات على ملف شرق الفرات، ولن تكون مناطق المعارضة في غرب الفرات بمنأى عن هذه التطورات إيجاباً أو سلباً. 
وفي هذا الإطار، يقول الخبير السياسي "يصب التصعيد الميداني التركي المضبوط في شرق الفرات للضغط على الإدارة الذاتية، لضبط سقف مطالبها وتوقعاتها في المفاوضات القائمة، ودفعها إلى تقديم تنازلات تراها أنقرة ضرورية لضمان أمن حدودها ومصالحها في سوريا". 
 
ملفات حساسة 
في المقابل تشعر روسيا بالقلق تجاه دور أمريكا شرق الفرات ومحاولاتها إعادة ضبط الملف الكردي الداخلي وعلاقته مع تركيا، وهو ما من شأنه أن يضعف آمال موسكو في تحقيق اختراق في ملف شرق الفرات، ومساعيها إلى امتلاك الورقة الكردية، إلى جانب زيادة مساحة الخلافات بينها وبين تركيا في سوريا، وتعطيل قدرتها على إطلاق أو إدارة أي مسار سياسي داعم لرؤيتها بين الأكراد والنظام. 
لذلك يرى الدسوقي أن "موسكو تلجأ إلى استخدام ملف غرب الفرات للضغط على تركيا لضبط اندفاعها في شرق الفرات وأعتقد أن الطرفين الروسي والتركي يدركان جيداً أهمية استمرار قنوات التواصل لمناقشة القضايا الخلافية، وسبق لهما أن اختبرا تسويات أو تفاهمات مؤقتة لضبط خلافاتهما، وريثما يتبين الوافد الجديد للبيت الأبيض، وفي ظل عدم تحقيق اختراق نوعي في ملف الحوار الكردي – الكردي وعلاقة الإدارة الذاتية مع تركيا، فإن المرجح هو صيغة لتهدئة مفتوحة على احتمال التصعيد المضبوط. 
وكانت آخر جولة من المباحثات بين الروس والأتراك، منتصف الشهر الفائت، حيث طلبت موسكو من أنقرة سحب نقاطها العسكرية من جنوب طريق حلب – اللاذقية الدولي "إم 4" الأمر الذي رفضته تركيا، وفق جملة من التسريبات. 
وفي هذا الإطار لم يتوقع الباحث السياسي بدر ملا رشيد أن تنتج المباحثات الروسية – التركية، عن متغيرات مصيرية خلال فترة قصيرة تعقب الزيارة، "فالملفات الحساسة يتم تجهيزها من قبل وفود وزارات الخارجية والأجهزة الأمنية مثل الوفد الحالي، ويتم لاحقاً ترقيته لمستوى وزراء الخارجية ثم الرؤساء". وأضاف، "في حال حدوث تغيرات بناءة على هذه الزيارة فستكون مؤشراً إما لتحسن نوعي في علاقة الطرفين التركي والروسي، وهو أمرٌ لا يبدو في متناول اليد نتيجة تضارب مصالحهم في ملفاتٍ متعددة، ونتيجة لغموض مصير العلاقة التركية – الأوروبية فيما يخص اللاجئين والبحث عن الغاز شرق البحر المتوسط، أو سيكون مؤشراً لقيام أحد الطرفين بتنفيذ ما توجب عليه بناءً على الاتفاقيات السابقة، لذا ستكون هناك ضرورة للانتقال إلى مرحلة أخرى تستوجب التنسيق لإتمامها". 
 
أجندات 
وقال المتحدث لـ "القدس العربي" إن التصعيد الروسي الأخير في إدلب، يأتي في ظل متغيرات إقليمية جديدة، وهي استراتيجية روسية تم ويتم استخدامها عُقب كل تغيير يحصل في أي ملفٍ إقليمي، ويتكرر الآن استخدام موسكو لهذه الاستراتيجية، مع حدوث إيقافٍ في المعارك الحاصلة في ليبيا، وزيادة التوتر على الجبهة الأذرية – الأرمنية، ويحدث هذا رغم محاولة الطرفين فصل الملفات وهذا ما تم بشكلٍ جزئي حتى المرحلة التي أعقبت تدخلهما في الساحة الليبية. 
إلا أن سير وتطور الأحداث أدى إلى حدوث ترابطٍ كبير في الملفات الهامة للجانبين. كما تترافق متغيرات أخرى إلى جانب ما حدث في ليبيا وأرمينيا، وهو زيادة التوتر بين تركيا والاتحاد الأوربي في ملف البحث عن الغاز شرق المتوسط، بالإضافة للخطوات اليونانية في تشديد الرقابة على حدودها الدولية مع تركيا. 
ورجح بدر ملا رشيد أن تكون أجندة نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال لموسكو، وهو مكلفٌ إدارة الشأن السوري بشكلٍ رئيسي وبرز اسمه خلال عملية التفاوض مع روسيا بشأن مصير محافظة إدلب، قد ركزت على ملف الحوارات الكُردية، خصوصاً أن موسكو شهدت اتفاقاً بين "مسد" (الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية) وحزب الإرادة الشعبية، وفي ضوء انسحاب تركيا من بعض نقاط مراقبتها في إدلب. 
وكانت العملية العسكرية التركية قد انطلقت بعد منتصف الليلة الماضية، واستهدفت منطقتي "الصيدا – عين عيسى". وقال مدير المكتب الأمني في الجيش الوطني، سمير الرحمو، خلال تصريحات صحافية إن العملية ضربت مستودعات الذخيرة، حيث اقتحمت القوات العسكرية قرية العزيزية، كما تحدثت وكالة "هاور" التي تشرف عليها قوات سوريا الديمقراطية، عن تصدي الأخيرة لهجوم على ناحية عين عيسى. 
الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي اعتبر أن القصف التركي مؤشر لاحتمال التصعيد بما في ذلك استئناف عملية نبع السلام بصرف النظر إن كان ذلك بشكل محدود أو واسع النطاق، واعتبر أن تركيا تعمل على سياسة حصر الأضرار والاستعداد للتصعيد على مختلف الجبهات سواء في إدلب أو الرقة. 
وقال: "الاقتحام الذي نفّذه الجيش الوطني في محيط عين عيسى شمال الرقّة يندرج في إطار عمليات الاستطلاع بالقوة النارية، والتي سبقها استهداف كثيف على مدار 24 ساعة بالمدفعية على المحور نفسه. وعادةً ما يتم اللجوء لعمليات الاستطلاع من أجل تعزيز موقف القوات البرية على خطوط التماس بعد تزويدها بالمعلومات حول تجهيزات واستعدادات الطرف الآخر". 
وأضاف عاصي لـ "القدس العربي" أن التصعيد شرق الفرات ليس بالضرورة أن يكون نتيجة تفاهم بين روسيا وتركيا، إلّا في حال كان انسحاب النقاط العسكرية من مناطق سيطرة النظام في منطقة خفض التصعيد غرب الفرات قائماً على جدول زمني ورؤية مشتركة لمصير كامل النقاط. لكن في حال كانت إعادة الانتشار العسكري تقتصر على النقاط المنتشرة في ريف حماة ودون وجود مؤشرات لاتفاق أو تفاهم سياسي عدا التقني فهذا يعني أن تركيا تعمل على سياسة حصر الأضرار والاستعداد لسيناريو التصعيد مع روسيا في مختلف الجبهات سواءً جنوب إدلب أو شمال الرقة.