الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما وراء المرسوم الروسي الأخير للتوسع في سوريا

ما وراء المرسوم الروسي الأخير للتوسع في سوريا

03.06.2020
نداء سوريا


نداء سوريا
الثلاثاء 2/6/2020
تسرع روسيا من خطواتها المتتالية بغية إحكام سيطرتها على سوريا وترسيخ وجودها الذي ترغب باستمراره لسنوات طويلة، ضمن سلسلة إجراءات تتزامن مع قرب دخول قانون "قيصر" حيز التنفيذ في حزيران.
أيام قليلة فصلت بين قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتعيين مبعوث خاص به في سوريا، والمرسوم الرئاسي الروسي القاضي بالحصول على منشآت ومواقع برية ومائية إضافية في سوريا، في خطوة ربما هدفها فرض المزيد من الهيمنة، وحماية مصالحها.
المرسوم الروسي الأخير يعتبر بروتوكولاً إضافياً على الاتفاق المُوَقَّع عام 2015، مع نظام الأسد، الذي منح موسكو الحق بنشر قواتها البرية والبحرية وإنشاء منشآت وقواعد عسكرية على الأرض السورية.
ووفقاً للبروتوكول ستعمل وزارتا الدفاع والخارجية الروسيتان على إقراره من جانب النظام السوري وتسلّم مناطق بحرية وبرية إضافية.
وعلى خلاف ما أعلن عنه بوتين قبل عامين في حميميم عن تقليص عدد قواته في سوريا وبَدْء سحبها، يبدو أن الموقف الروسي لم يتغير، بل نراها متجهة نحو زيادة النفوذ وتوسيع الوجود الثابت والدائم المحمي باتفاقيات جرت مع "الحكومة الشرعية" في دمشق كما تسميها موسكو.
"المرسوم يفسح المجال لزيادة النفوذ الروسي في سوريا كما أنه لا يتعلق بقاعدتي حميميم وطرطوس فقط، بل يشمل مواقع أخرى مثل قاعدة القامشلي <<المحلل العسكري الروسي أندريه فرولوف>>"
يناقش التقرير التالي: الأهداف الروسية من الإجراءات الأخيرة في سوريا، ومستقبل هذه القواعد حال سقوط النظام، ومدى تحقق الحلم الروسي بالوصول إلى مياه المتوسط، كما سيتم تسليط الضوء على مخاوف موسكو الأمنية.
هدفان وراء الغاية الروسية من التوسع في سوريا
لخص الباحث والمتخصص في الشأن الروسي "سامر إلياس" الموجود في موسكو خلال حديثه مع "نداء سوريا"، المساعي الروسية من بروتوكول الاستحواذ على مواقع برية ومائية إضافية في سوريا بهدفين:
الأول: يتحدث عن رغبة موسكو في زيادة هيمنتها على الملف السوري، والحديث هنا ليس المقصود به الاستيلاء على مناطق جديدة في سوريا خارجة عن سيطرة النظام، كون أن ما تبقى من مناطق تخضع لترتيبات معينة مع تركيا والولايات المتحدة، إنما حول بناء وجود عسكري روسي بحري دائم في المياه الدافئة، وهذا هو حلم موسكو منذ القدم يمكنها من خلاله فرض رؤيتها مستقبلاً.. وتأخذ دور المعطل لأي مشاريع تخص الطاقة وخاصة في ضوء الحديث عن اكتشافات كبيرة للنفط والغاز في مياه سوريا بالبحر المتوسط، واحتمالية استثماره وعرضه في السوق الأوروبية مستقبلاً؛ ما سيؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد الروسي الذي يزود معظم أوروبا بالغاز.
ويضيف إلياس: في حال لم تستطع روسيا تعطيل تلك المشاريع قد تكون قوة مؤثرة في سياسات تصدير هذه الثروات والدول التي ستتجه إليها في أوروبا؛ لذلك نرى الآن روسيا مقبلة بشكل واضح نحو قطاع الطاقة عبر توقيع اتفاقيات مع النظام السوري للتنقيب عن النفط والغاز في البر والبحر السوريين، ورغم أن البر لا يوجد فيه كم مُغْرٍ من النفط والغاز لكن البحر يمكن أن يكون فيه احتياطات واعدة.
أما الهدف الثاني فيرى "إلياس" أن روسيا تريد زيادة نفوذها ووجودها في الشرق الأوسط لتجعل من نفسها لاعباً أساسياً ومهماً في ملفات المنطقة وربما أبرزها "الصراع العربي الإسرائيلي والإيراني الإسرائيلي - الأمريكي".
وعن مستقبل القواعد الروسية في سوريا حال سقوط النظام السوري اعتبر "إلياس" أنه سيكون من الصعب على الحكومات السورية المستقبلية إخراج الروس من هذه القواعد والتفاوض معهم في هذا الموضوع، وخاصةً أن الأمر يحمل بعداً قانونياً بتوقيع رئيس النظام بشار الأسد ويمكن أن يخلق مشاكل للحكومات المقبلة خاصة إن كانت تميل باتجاه المعسكر الغربي.
مخاوف أمنية
لا يمكن تجاهل أن ما يواجهه نظام الأسد من تحديات كبيرة سيؤثر على مصيره وقدرته على تعزيز قبضته على السلطة، وربما أبرزها الانتقادات الروسية غير الرسمية وحالة الامتعاض داخل الكرملين إزاء تصرفاته، والخلافات الأخيرة بين بشار الأسد وزوجته من جهة وإمبراطور المال السوري ابن خاله "رامي مخلوف" من جهة أخرى، والتي تسببت بانهيار جديد للاقتصاد وتراجع المستوى المعيشي بشكل حاد، وظهور حالة من الغضب بين مواليه لما آلت إليه الأمور وعجز حكومته عن تعويضهم أو إعادة الاقتصاد لما كان عليه قبل مشكلة "الأسد ومخلوف".
يقول المتخصص بالشأن الروسي "سامر إلياس": إنه عندما يتحدث الروس أن رغبتهم في التوسع بسوريا تعود لضرورات أمنية لا يمكن تفسيره سوى أن موسكو تخشى في فترة معينة من نشوب صراع داخلي بين الأسرة الحاكمة (عائلة الأسد ومن يساندها) ومن دعمتهم وساهمت في ظهورهم خلال الحرب السورية كرجال الأعمال الذي استطاعوا جمع أموال ضخمة وتوظيفها وتشكيل مجموعات مسلحة منتشرة في مناطق الساحل بشكل خاص وسوريا بشكل عام.
ويضيف "إلياس": أن المعركة الأخيرة بين حكومة النظام ورامي مخلوف ربما لم تنته وستستمر لتطال رؤوساً أخرى استخدمها النظام خلال الفترة الماضية، وهنا نستذكر المدعو أيمن جابر أحد مؤسسي "صقور الصحراء"، وصهر رئيس غرفة تجارة وصناعة اللاذقية كمال الأسد والذي كان يتفرد بملف النفط، وصدر قبل أشهر قرار بالحجز على أمواله ووجهت له عدة تهم كتهريب النفط.. النظام الآن بدأ برفع الحماية عن رجال الأعمال الذين ساعدهم على الظهور، ويحاول أخذ أموالهم لدعم الاقتصاد المتهالك في مسعى لإبعاد أي سيناريوهات مفاجئة كحراك شعبي في مناطقه يشابه "ثورات الجياع"، وبالتالي حدوث حالة عدم استقرار في مناطقه وهذا يعرض القواعد الروسية بشكل مباشر للخطر.
الأمر الثاني بحسب "إلياس" خشية الروس من أي صراعات عسكرية داخلية بين الأجنحة المختلفة للنظام والذي قد يفشل في ضبطها خلال فترة السلم؛ فانتشار السلاح العشوائي في مناطقه وخاصة في الساحل وتراجع موارد ميليشياته قد يدفعها للبحث عن موارد أخرى ومنها الاستيلاء على أسلحة وأموال بعضها بقوة السلاح.
استعداد روسي لسيناريوهات مختلفة
لا تزال الخطوة التي اتخذها بوتين، بتعيين ألكسندر يفيموف "ممثلاً خاصاً له" في سوريا تستحوذ على مساحة واسعة من النقاش في سوريا، على الرغم من مضي نحو 5 أيام عليها، فالبعض رأى أن اقتراب سوريا من مرحلة الانتقال السياسي ونشوب خلافات داخل أعلى هرم السلطة في سوريا يتطلب تركيزاً أكثر من الروس في الملف السوري، وكون أن الممثل الروسي ستكون له صلاحيات واسعة ومتحدثاً باسم "بوتين" بشكل مباشر؛ وبالتالي فهو قادر على اتخاذ قرارات فورية على الأرض والتحرك بديناميكية دبلوماسية عالية جداً لا تتوفر عادة للسفير.
الباحث السياسي "محمد سالم" رأى في قرار بوتين رغبة روسية بالإشراف على الاقتصاد السوري وتداعيات العقوبات عليه، ويضيف في حديث لـ"نداء سوريا": أن الممثل الروسي هو خبير اقتصادي وله إسهامات سابقة، وقرار "بوتين" يعكس وجود توجه لدى "الكرملين" للإشراف بشكل مباشر على اقتصاد النظام والتداعيات المحتملة للعقوبات التي ستزداد بعد تطبيق "قيصر"، وسط الخلخلة الكبيرة الناتجة عن الخلافات الأخيرة داخل النواة الصلبة للنظام بعد ظهور الخلاف مع "مخلوف" للعلن؛ لذلك ترى موسكو في ذلك فرصة لزيادة نفوذها وقدرتها على التحكم بالنظام السوري من الباب الاقتصادي بعد تغلغلها داخل المؤسسة العسكرية؛ الأمر الذي يقوي أوراقها المستقبلية على مائدة الحل النهائي السوري أمام مختلف الفاعلين الآخرين".
موقع "المونيتور" رأى أن تعيين "بوتين" ممثلاً عنه في سوريا يمكن رؤيته من منظورين اثنين الأول: أن يساعد الكرملين في إيجاد التوازن الصحيح بين الشطرين الدبلوماسي والعسكري لفريق السياسة الخارجية الروسي الذي يشرف على سوريا، والثاني: إعادة بناء سوريا وهو الموضوع الذي بات مهماً أكثر وأكثر ضمن أجندة الكرملين.
وكان نظام الأسد قد وقع مع روسيا اتفاقاً سرياً في آب عام 2015 يفتح باب الأراضي السوري على مصراعيه أمام القوات الروسية ويحصنها من أي متابعة أو مساءلة قانونية أو قضائية سواء أكانت سورية أم من أطراف ثالثة.