الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما نريده من المعارضة السياسية السورية في معركة إدلب وما بعدها

ما نريده من المعارضة السياسية السورية في معركة إدلب وما بعدها

18.05.2019
لبيب النحاس


نداء سوريا
الاربعاء 15/5/2019
مع تواصُل الثبات على جبهات الثوار في حماة واللاذقية وإلحاق خسائر كبيرة بالنظام المدعوم روسياً، تفتقد الثورة في هذه اللحظات إلى الإعلام الثوري الموجَّه والفعال، وإلى التمثيل السياسي المؤثر صاحب الشرعية الحقيقية.
التحدي الأكبر للإعلام الثوري يتمثل بقضيتين جوهريتين:
فهم الدور الحقيقي للإعلام الثوري، والتباس مفهوم الأمانة والمصداقية وحرفية الأداء بالواجب الثوري.
توحيد الخطاب الإعلامي
مهمة الإعلام في الحروب هي رفع المعنويات وتوجيه الحاضنة، والتأثير على الرأي العام الدولي والمعادي، وضرب معنويات مقاتلي العدوّ ومؤيديه، والرد على إعلام العدو وحلفائه، والموازنة بين ما يفهمه البعض كأمانة صحفية وبين واجب الساعة هو التحدي، وهو ممكن باستعمال قاعدة "لكل مقام مقال".
على وسائل الإعلام الثورية أن ينظروا إلى أنفسهم على أنهم سلاح الثورة الفتاك، وأنهم يحملون رسالة ومسؤولية كبيرة لا تقل أهمية عن مسؤولية المقاتلين في الجبهات أو السياسيين الذين يدافعون عن القضية، هم السلطة الرابعة لتقويم الثورة داخلياً وهم رأس الحربة في مواجهة "بروباغندا" النظام والروس.
الروس يعملون على إستراتيجية بسيطة ولكنها فعالة ومباشرة تتكون من ثلاث مراحل:
1. تغيير الواقع العسكري لصالحهم وتجريد تركيا من أوراقها.
2. الدفع بحل سياسي يمتلك شرعية سورية ولكن بناء على الواقع العسكري الجديد.
3. فتح باب إعادة الإعمار لإنقاذ النظام وتعويمه وحماية مكاسب روسيا.
إستراتيجية الروس المباشرة على الأرض في سوريا وفي الحل السياسي تترافق مع مسار دبلوماسي لا يقل خطورة يعمل من خلال الضغط على العواصم الأوروبية للقبول بالتصور الروسي للحل، وفتح باب إعادة الإعمار في سوريا وسط غياب غير مُبَرَّر أو مقبول لصوت قوي للمعارضة السياسية السورية.
ولتوضيح معنى غياب الخطاب: ليس المقصود هنا الخطابات الرنانة واللقاءات البيروقراطية التي تتم على مستويات شخصية في معظم الأحيان، ولكن غياب الخطاب المُوَحَّد والرؤية الجامعة والوصول إلى مفاصل صناعة القرار الحقيقية واستعمال لغة المصالح بدلاً من لغة "المظلومية".
البعض فهم أنه لا يوجد "لا" في السياسة، أحياناً لا يكفي أن تستمر في اللعبة السياسية بأي ثمن، أحياناً يجب كسر قواعد اللعبة أو تغيير بعضها أو التمرد عليها مهما كان صعباً ومؤلماً لأن الواقع يحتم علينا ذلك إن أردنا تحقيق الحد الأدنى مما نرنو إليه ونحتاجه للاستمرار.
وحتى لا يضطرب أصحاب "الحنكة" و"الواقعية" السياسية، نحن لا ندعو للانسحاب من أيّ مسار سياسي، بل تجميد المشاركة ما لم تتحقق شروط معينة والتزامات وضمانات محددة، لا يعقل أن تفصل المعارضة بين عملها السياسي وما يجري على الأرض، فهذا انفصام عن الواقع مهما حاولوا تجميله وتبريره.
المعارضة السياسية على كل ضعفها ووهنها -وجزء منه نفسي متوهم أكثر منه حقيقي- تملك ورقة قوية جداً: منح الشرعية، لا شرعية لحل في سوريا دون مشاركة المعارضة على كل علاتها، ولكنها للأسف لا تزال أطراف من المعارضة تصر دائماً على إعطاء شرعية مجانية للعدو الروسي.
من مشاكل المعارضة السورية الجوهرية تسليمهم بأن تفاوضهم هو مع النظام وأن الروس مجرد وسطاء، وفي حقيقة الأمر العدو الحقيقي هم الروس والإيرانيون، والتفاوض هو بيننا وبينهم بعد أن نصنع أوراق القوة اللازمة ونبني التحالفات الصحيحة، تفاوضنا هو مع المجتمع الإقليمي والدولي.
ضعف المعارضة السياسية السورية سببه الظاهري هو التفرق، ولكنه في حقيقة الأمر افتقادهم للشرعية الحقيقية، ليس شرعية القضية التي تتبناها فهي أحق وأنبل قضية في تاريخنا الحديث، بل في شرعية الخطاب، وشرعية التمثيل وشرعية الإنجاز.
ما لم تقم المعارضة السياسية السورية ببناء الشرعية الحقيقية بطريقة سليمة فستستمر في ترنحها بين الضعف والارتهان والعجز عن خدمة الثورة، وسيتم تجاوزها داخلياً وستتحول إلى أداة بيد أطراف خارجية، الثورة تحتاج واجهتها السياسية أكثر من أيّ وقت مضى.
الجولات المكوكية للقاء فعاليات ثورية أثناء النوازل أو الزيارات الخاطفة للداخل أو التدليس بخطابات رنانة بنكهة بعثية لتبرير الفشل وتغطية العيوب وتسويق الذات، كل هذا ليس بناء للشرعية بل محاولة لخطفها زوراً من الناس تحت الضغط، بناء الشرعية من الداخل يجب أن يكون أولوية المعارضة قبل اللجنة الدستورية وقبل أيّ مسار.
بعض أطراف المعارضة والثورة المضادة يتهمون الفصائل بتسليم المناطق المحررة، الفصائل بالمجمل لم تسلم المحرر ولكن خسرته بعد حصار وقصف وجرائم حرب ضدها وضد شعبنا، بينما بعض المعارضة قبلت بشروط وبشراكات وشخصيات مشبوهة بعد مكالمة هاتفية أو اجتماع مغلق.. شتان.
يجب أن تعيَ المعارضة السياسية أن أيّ ضعف أو تراجع يصيب الفصائل -ذراع الثورة العسكرية- هو ضعف لهم، وحتى لو أرهقهم التعامل مع الفصائل أو عانوا من فوبيا مواجهة الناس والسماع لهم إلا أنه لا وزن لنا دون أرض، ولا أرض دون شوكة، ولا شوكة دون فصائل، ولا مستقبل للفصائل دون رؤية سياسية.
الطريق الوحيد بيد المعارضة السياسية لمواجهة الضغوط هو اكتساب الشرعية الحقيقية، واستنادها إلى مطالب ومصالح الناس كما يعبر عنها الناس لا كما تتصورها بعض أطراف المعارضة، لا يوجد طرف إقليمي أو دولي سيطالب المعارضة "بتجاوز" الشعب حتى لو لم تعجبهم مطالبنا.
من أخطاء المعارضة السياسية السورية هوسها في طلب "التفويض" من أطراف مدنية وعسكرية تتواصل معها ظناً منها أنها طريقة لكسب الشرعية أمام الدول، التفويض هو مرحلة ثانية تأتي بعد بناء الثقة: اعملوا على كسب ثقة الناس بأدائكم وصدقكم والتزامكم بمطالبهم وعندها لن تحتاجوا لطلب التفويض.
ستستفيد أطراف إقليمية ودولية من مخرجات معركة إدلب، ولكننا نحن الأولى باستثمار تضحياتنا والبناء عليها بما يحقق مصالحنا ويعيد هيبتنا ويمنحنا استقلال قرارنا، هذا كله يحتاج لمعارضة سياسية تمتلك الشرعية والأداء اللازمين، وتطور ونضوج في عمل الفصائل، وتبقى معضلة الجولاني حجر عثرة أمام الثورة.
معركة إدلب تمر فصولها دون ضغط سياسي حقيقي من قِبَل المعارضة، ما تمارسه المعارضة حتى الآن هو "بيروقراطية سياسية" غارقة في الروتين والشكليات. ما تحتاجه الثورة هو "Lobbying" مؤثر في مراكز صناعة القرار، وهذا يحتاج شرعية، رؤية وكوادر، وكلها أمور ممكنة لو تم العمل عليها.
الثورة تحتاج لتلاحم جناحيها العسكري والسياسي حتى تتمكن من خوض المعركة الحالية والاستحقاقات القادمة، وهذا التلاقي يجب أن يتم في "نقطة وسط" بعيداً عن "طلب التفويض" من قِبَل المعارضة، و"التخوين والتجاوز" من قِبَل الفصائل.
مؤسسات المعارضة السياسية هي مؤسسات ثورية في حقيقتها وهدفها خدمة الشعب وليس خدمة المصالح الشخصية لمن تربع على عرشها وفشل في تأدية الواجب، فشل هذه المؤسسات في إصلاح نفسها -بالحد الأدنى- واكتساب الشرعية اللازمة ستجعلها فريسة سهلة للأحداث أو أعداء الثورة أو نقمة الشعب.
معركتنا طويلة، ونَيْل حريتنا وكرامتنا يتطلب منا مواجهة إرثٍ فُرض علينا منذ الاستقلال ومنظومة دولية وإقليمية رسخت ركائزه، ولن يسعفنا في ذلك بيروقراطية سياسية أو تخاذل في الميدان، أتمنى لو كان هناك طريق أسهل أو أقل تكلفة ولكن هذا قدرنا، وعلينا أن نعيَ تماما ما نريده ونكون جاهزين لدفع الثمن.