الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما بعد حلب

ما بعد حلب

20.12.2016
حسن أبو هنية


الرأي الاردنية
الاثنين 19/12/2016
لا جدال أن حلب خرجت بالكامل من سيطرة قوات المعارضة السورية ودخلت إسميا تحت حكم النظام لكن ثمة شكوك حول سلطة الحكومة السورية وسيادتها الفعلية في إدارة المدينة والتحكم بسياستها ذلك أن حصار المدينة وقيادة الحملة العسكرية كانت تحت قيادة إيرانية تدير ميليشيات شيعية عراقية ولبنانية وباكستانية وأفغانية وبدعم وإسناد جوي روسي ولم يكن لقوات نظام الأسد مشاركة فاعلة وحقيقية ويبدو النظام غائبا عن كافة الاتفاقات التي أبرمت مع فصائل المعارضة المسلحة حول ترتيبات خروج المدنيين والمقاتلين وشروط تسليم شرق حلب.
في حقيقة الأمر فإن الآلاف من المقاتلين الشيعة اللذين ذهبوا للقتال في سورية يخضعون لأمرة الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس وهو الجناح الخارجي للحرس الثوري الإيراني والذي ظهر مؤخرا في حلب وهم يدينون بالولاء لولاية الفقيه علي خامنئي وقد اندفعوا للقتال في سورية بدوافع عاطفية دينية مذهبية إلى جانب الدوافع الاقتصادية وهم لا يأبهون لنظام الأسد وحساباته السياسية لكنهم يخضعون بحماسة كبيرة دون مساءلة لمنظورات إيران الاستراتيجية وطموحاتها الإقليمية في خلق فضاءات جيو سياسية تمتد من طهران إلى بيروت مرورا ببغداد ودمشق.
يقول فيليب سميث وهو خبير في الميليشيات الشيعية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى محذراً حتى المسؤولين في حكومة الأسد أن الميليشيات تبدو بأنها تشكل ائتلافا متطورا على الأرض قام بتعزيز النفوذ الإيراني في سوريا بشكل لم يسبق له مثيل إذ قال: "إنهم يقومون ببناء قوة كبيرة على الأرض والتي ستبقى بعد فترة طويلة من الحرب هناك وستمارس تأثيراً عسكرياً وإيديولوجياً قوياً على سوريا لصالح إيران" مضيفاً "ليس هناك ما يستطيع الأسد القيام به للحد من ذلك النفوذ المتزايد لهذه الجماعات على الرغم من أن المسؤولين السوريين قلقون بشكل واضح حول هذا لأن أفراد تلك الميليشيات تمنع حرفياً إسقاط حكومته".
ثمة توافق بين عدد كبير من الخبراء والباحثين والسياسيين على أن إيران استخدمت لفترة طويلة الميليشيات الشيعية في بلدان عديدة لاستعراض قوتها وفرض أجندتها وتشمل تلك الجماعات على الفصائل المتعددة التي تهيمن على الساحة السياسية العراقية والمشهد العسكري كقوات الحشد الشعبي فضلاً عن ميليشيا حزب الله اللبناني وغيرها من المليشيات الأفغانية والباكستانية وعلى الرغم من النفوذ الروسي في سوريا منذ تدخله في سبتمير 2015 ونسج تحالف إيران وتبادل الأدوار في الجو والبر إلا أن ثمة منافسة شديدة على النفوذ والسيطرة.
محطات خروج شرق حلب من سيطرة المعارضة تؤشر على تنامي النفوذ الإيراني والروسي وتراجع النفوذ العربي والغربي في سورية وتضعضع منظومة أصدقاء سورية الأمر الذي بدا واضحا بسرعة انهيار فصائل المعارضة و فقدان رغبة الفصائل بالقتال والاستسلام دون مقاومة تذكر وهي مسألة بدت مفهومة في ظل غياب رؤية محددة فضحتها الإعلانات عن تشكيل وفض الائتلافات والجبهات والملاحم والجيوش في ظل تراجع الدعم الإقليمي والدولي عقب الاستسلام لسردية الإرهاب العالمية والتي أفضت لخسارة روح التضامن مع الثورة السورية وهكذ فإن حلب تؤشر على أشياء مستقبلية أخرى كتنامي إيديولوجية تنظيم الدولة الإسلامية وترسيخ الطائفية وديمومة الدكتاتورية.
ما حدث في حلب كان نتيجة منطقية لثورة بدون ثوريين وجهادية بدون جهايين حيث استسلمت المعارضة لمنظورات حرب الإرهاب واقرت بإرهابيتها على سلم الإرهاب الممتد ففي الوقت الذي كانت حلب تشهد لحظات حصارها الأخيرة كان "الائتلاف" يعقد اجتماعاً لهيئته العامة في إسطنبول ليشدد على أنه يلتزم بقرارات مجلس الأمن الذي يعتبر جبهة النصرة وجبهة فتح الشام منظمتين إرهابيتين وفي داخل حلب كانت الفصائل تجتمع لإعادة تعريف الثورة والجهاد والأمة والدولة أسفرت عن تصدع "حركة أحرار الشام" حيث أعلن قائدها الأسبق هاشم الشيخ (أبو جابر) عن توحد 16 فصيلاً تحت اسم "جيش الأحرار" في ظل خلافات معروفة على خلفية عملية "درع الفرات" التركية وقد هيمن على السجال والحجاج بين أطراف الحركة مسألة تعريف وإعادة النظر في مبادئ الحركة التأسيسة حيث أكد "جيش الأحرار" على أن مبدأ الحركة يقوم على أساس أنها "مشروع أمة" وليس "ثورة شعب".
أحد المسارات المحتملة ما بعد حلب هو تنامي الراديكالية والتشدد والتطرف وهيمنة المنظورات الطائفية في صفوف المعارضة السورية المسلحة وقد ظهر ذلك جليا خلال حصار شرق حلب وأصبح أكثر وضوحا بعد خروجها غن سيطرتها حيث بدأت معظم فصائل الجبهة الشمالية تبحث مسألة توحيد فصائلها وأخذت تتخلى عن تحفظاتها وتتجاوز اختلافاتها دون الاكتراث لمنظورات الاعتدال والتطرف والإرهاب الأمر الذي أفضى لولادة مكون جديد تحت مسمى "الهيئة الإسلامية السورية" ويضم كبرى الفصائل وفي مقدمتها "جبهة فتح الشام" و"أحرار الشام الإسلامية".
على مدى الأيام القليلة التي أعقبت أحداث حلب توصلت فصائل المعارضة إلى قناعات مختلفة وأكثر راديكالية في التعامل مع القوى الدولية والإقليمية وطرق مواجهة النظام وحلفائه من الروس والإيرانيين وبحسب مصادر من الفصائل فإن التشكيل الجديد سيكون تحت قيادة "أبو عمار تفتناز" القائد الحالي لحركة أحرار الشام فيما ستكون القيادة العسكرية من نصيب "أبو محمد الجولاني" قائد جبهة فتح الشام (النصرة سابقاً) وسيتولى رئاسة مجلس الشورى في الهيئة "توفيق شهاب الدين" القائد العام لحركة "نور الدين زنكي" ويضم التشكيل الجديد 14 فصيلاً عسكرياً هي: " حركة أحرار الشام وجبهة فتح الشام وفيلق الشام وجيش الإسلام وجيش التحرير وحركة نور الدين زنكي وتجمع فاستقم كما أمرت وأنصار الدين وجيش النصر والجبهة الشامية وجيش المجاهدين" إضافة لعدد من الكتائب الصغيرة.
خلاصة القول أن مرحلة ما بعد حلب سوف تولد ديناميات أكثر تطرفا وعنفا وتوحشا في مسارات الأزمة السورية وستأخذ أبعادا أشد طائفية وقد تجد الفصائل المعتدلة نفسها أمام خيارات صعبة تدفعها باتجاه الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية وهو ما حدث فعلا لدى مجموعات محدودة حتى اللحظة الأمر الذي يدفع إلى ضرورة البحث جديا في البحث عن حل الأزمة السورية المعقدة وتجاوز مرحلة إدارة الأزمة.