الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما بعد حلب سياسياً

ما بعد حلب سياسياً

20.12.2016
أحمد الجميعة


الرياض
الاثنين 19/12/2016
المشهد الإنساني المرّوع في حلب السورية فاق تصور العقل، وعجز عنه الوصف، وبقيت الجثث، والدماء، والدموع، والخوف، والألم، والرحيل، والخراب عناوين للمأساة، وتاريخاً يروى للظلم، والقهر، والطغيان، والحقد، وأكثر من ذلك للخذلان، وموت الضمير العالمي.
حلب التي نروي تفاصيل مأساتها، ونحن شهود على ما حلّ بها ليست نهاية الأزمة السورية التي ستبقى مشتعلة إلى وقت طويل، رغم أن الحل السياسي الذي تتدافع إليه القوى الدولية سيبقى مرحلياً في عمر الأزمة؛ فلا أتصور أن الإنسان السوري الذي خسر ثورته طوال السنوات الست الماضية؛ أن يخسر معها حريته وكرامته التي أشعلها بسقوط النظام الطاغي، ولا أتوقع أن موازين القوى لصالح النظام وحلفائه أن تنتصر على هذه الحرية، مهما كان الزمن، ومهما كانت الأحداث متسارعة؛ فالسوري الذي قُتل والداه، وسجن وعُذب إخوانه وأقاربه، وخرج إلى المنافي حافياً طريداً؛ لن يستسلم بسهولة، أو يرضى بالأسد حاكماً، أو إيران متحكماً، أو الروس حليفاً.. من يعرف السوريين كيف ينتقمون لكرامتهم، يدرك أن ما زال في الحرب كرّ وفرّ، حتى لو تأخر الزمن قليلاً؛ فسيعود الأحرار إلى ثورتهم.
صحيح أن حلب سقطت، ولكن ما بعدها أهم في الجانب السياسي تحديداً؛ فالروس لديهم خطة عمل منفردة في مفاوضات كازاخستان المرتقبة، بعيداً عن أميركا، والأمم المتحدة، مع فرض شروط الأمر الواقع على المعارضة، وأهمها بقاء بشار الأسد لفترة أطول، قد لا يصل معها إلى منتصف 2021 موعد انتهاء ولايته، ولكن عمره في السلطة سيطول، أما نظامه، ودولته وإدارته للحكم ستبقى محدودة، وضعيفة جداً في اتخاذ القرار، والقدرة على السيطرة، والتحرك بعيداً عن التوجيه الروسي، أو النفوذ الإيراني، وبالتالي لن تستقر سورية بحل القوي على الضعيف، ولن يصمد التحالف الإيراني الروسي، مع النظام من دون تدخل أميركي، يعيد التوازن إلى الحل السياسي، فلا قوي أو ضعيف، أو منتصر ومغلوب؛ إذا غادر بشار السلطة، وهو الخيار الذي تتمسك به المعارضة، حتى لو كلفها البقاء في المنفى، عن المشاركة في حكومة لا يزال بشار على رأسها.
وهو الخيار العربي التركي، حيث لا حل سياسياً في سورية، بوجود بشار، وهو ما تحتج عليه روسيا، وتتمسك به، وربما تتراجع عنه في حال واجهت ضغوطات أميركية مع الإدارة الجديدة.
روسيا التي وصفها الرئيس الأميركي باراك أوباما بالبلد الضعيف، لم يدرك أنه زادها قوة ليس بتصريحاته، وإنما بتردده في حسم الصراع باكراً، ورهانه على الإيرانيين في إنهاء الأزمة كما في العراق، ولكن لم يتحقق مراده، وبالتالي كان دخول الروس على خط الأزمة يقيناً بضعف أوباما، وعدم قدرته على التدخل العسكري، وهو ما جعل الأزمة السورية تأخذ منحنى آخر في الصراع، وانتهى إلى تراجع أو ربما سقوط المعارضة في الشق العسكري، وبقيت محدودة الأدوات في مفاوضات الحل السياسي.
ما قصدته أو أميل إليه، أن أميركا التي تبحث عن وقف إطلاق النار حالياً، وأعلنت إنهاء الحرب على لسان أوباما، لن تخسر المعركة السياسية في الأزمة بعد أن خسرتها عسكرياً، وبالتالي كل ما تحقق للروس على الأرض، لا يكفي عند الأميركان لفرض الأمر الواقع سياسياً، وهنا نتساءل: هل أميركا تركت روسيا في سورية، لإنهاء الحرب عسكرياً، بناء على اتفاق، أو تبادل أدوار، ومن ثم تتسيّد الحل السياسي الذي لا يجيده الروس؟، وأقول ربما فات الأوان!.