الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما بعد المجزرة ... ما بعد الأسد!

ما بعد المجزرة ... ما بعد الأسد!

05.12.2016
محمد مشموشي


الحياة
الاحد 4/12/2016
ماذا بعد حلب... التي دمرها بشار الأسد، كما دمر أدولف هتلر ستالينغراد، ونيرون أوديرو روما، وإن كان الأخير ندم على فعلته لاحقاً، وحاول إصلاح ما فعلته يداه؟
سريعاً ما سيقول الأسد أنه انتصر على المدينة العريقة تاريخياً وعلى أعدائه فيها، وأنه ليس على هؤلاء سوى الاستسلام: للمسلحين أن يلقوا سلاحهم، وللمعارضين السياسيين أن يأتوا إليه صاغرين. أكثر من ذلك، أن ما يسميه "سورية المفيدة" قد أرسيت قواعدها، وما عليهم إلا أن يعودوا إلى حضنه للعمل معاً على إعادة بناء "سورية الأسد" كما كانت من دون تغيير أو تبديل فيها. بل وأكثر، إن ست سنوات من التدمير والقتل والاعتقال والتجويع والتهجير، ليست شيئاً في أعمار الشعوب من جهة، كما أنها لا تمنع الإنسان من النسيان من جهة ثانية. وسيقول دائماً أنه لن يألو جهداً ل "تحرير" ما تبقى من الأرض السورية التي لا تدين له بالولاء المطلق، ليس من "داعش" و "جبهة فتح الشام" أو غيرهما من التنظيمات الإرهابية فقط، إنما كذلك من أهلها من المواطنين السوريين. وليس ذلك بدوره فحسب، بل إنه وجد في متعصب وعنصري وانعزالي آخر، الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، حليفاً جديداً وموضوعياً له فمدّ يده إليه من أجل إتمام المهمة.
وبعده، أو ربما في آن واحد معه، سيقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه انتصر على المدينة، وأن تدخل طائراته الحربية وجنوده وترسانته البحرية قبل نحو عام ونصف العام في سورية لم يكن من دون هدف محدد أو نتيجة عملية محددة، ليس بالنسبة إلى حماية نظام الأسد وضمان بقائه في الحكم، ولا بالنسبة إلى استعادة روسيا دورها المفقود في سياسات العالم وفي قلب المياه الدافئة في منطقة الشرق الأوسط، إنما للهدفين وقد تحققا معاً. والأفدح، أنه لا مشكلة لدى بوتين مع حلب، عاصمة سورية الاقتصادية، فقد سبقتها عاصمة الشيشان، غروزني التي أبادتها قواته عن آخرها قبل سنوات، كما لا مشكلة لديه مع حلب الأخرى التاريخية ما دامت قواته ذاتها قد ساهمت بإنقاذ تدمر ونظمت حفلة موسيقية فيها بعد طرد "داعش" منها قبل شهور.
وسيرقص فرحاً شركاء الأسد الآخرون، "الولي الفقيه" الإيراني السيد علي خامنئي ومعه "الحرس الثوري الإيراني" والأمين العام ل "حزب الله" حسن نصرالله، فضلاً عما يسمى "كتيبة أبي الفضل العباس" وزميلتها التي تحمل اسم "عصائب أهل الحق"، بعد أن شاركوا جميعهم في غزو المدينة ومحاصرتها وتجويع أهلها على مدى أعوام. ذلك أنه لا توجد في حلب أماكن تاريخية أو "مواقع مقدسة"، ولا حتى مزارات شيعية، كما في دمشق أو بلدات القلمون مثلاً، لكي تتم حمايتها من الغزاة البرابرة فضلاً عن القصف بالقنابل الكيماوية والبراميل المتفجرة، ولا فيها تحديداً ما يمكن أن تسري عليه مقولة "محور المقاومة والممانعة" عن الشعب المناضل والمستعد دائماً لحمل السلاح في مواجهة الصهيونية والاستكبار العالميين. أما مئات الألوف من السوريين الذين يعيشون فيها، أو لا يزالون على رغم حملات التهجير الممنهجة، فليسوا سوى مجموعات من التكفيريين، أو حتى الإرهابيين الذين ينبغي الخلاص منهم لكي ترتفع رايات النصر في حضرة قائد "المقاومة والممانعة" في طهران!
لكن، هل انتصر هؤلاء فعلاً في حلب، بل هل هزمت المدينة التي لم يجد ممثلو وكالات الإغاثة الدولية ما يصفونها به غير أنها تحولت "مقبرة ضخمة؟".
غني عن القول أنه بمقدار ما تحولت حلب "أيقونة إنسانية" عالمياً، بنتيجة الغزوة الهمجية التي تعرضت لها بشراً وحجراً خلال الشهور الماضية، فقد تحول ما بعدها أيضاً (ما بعد تدميرها مادياً) "جريمة سياسية" عالمياً كذلك لن تقف عند حدود أهلها وحجارة أسواقها القديمة وقلعتها التاريخية وتراثها الإنساني والعلمي والثقافي، بل ستتعدى ذلك إلى ما ستكون عليه سورية كلها، أرضاً وشعباً ونظام حكم، في المرحلة المقبلة.
فما بعد حلب الآن، هو بالضرورة ما بعد الأسد غداً.
وصحيح أن السياسة لعبة مصالح في نهاية الأمر، وأنه لم تكن بينها وبين الحق والعدل والمبادئ علاقة على مر التاريخ، إلا أن الصحيح أيضاً أن حاكماً يصل به التمسك بالسلطة إلى حد استقدام جيوش وميليشيات وتنظيمات وجنود وقادة عسكريين من كل مكان لمساعدته على إخماد ثورة ضده (عملياً، قتل الشعب وتهجيره من أرضه) لا يمكن أن يبقى بمنأى عن عواقب ما قام به... ولا يزال مصراً على القيام به بعد تدمير إحدى أعرق وأقدم مدن البلد الذي صدف أنه يحكمه بالوراثة: حلب. وحتى في لعبة المصالح الدولية ذاتها، ليس مبالغاً به توقع أن يكون الحاكم هذا أحد، وربما أول، ضحايا هذه اللعبة.
وهل من معنى آخر لترديد موسكو (حتى موسكو؟!) مراراً في الأيام الأخيرة بياناً من قيادة قواتها المسلحة عن أن طائراتها لم تقم بأية طلعات جوية في منطقة حلب خلال الأيام الأربعين الماضية؟