الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما بعد القمّة الخليجيّة ... ثلاثة ملفات ملحّة

ما بعد القمّة الخليجيّة ... ثلاثة ملفات ملحّة

10.01.2021
بسام بربندي


النهار العربي 
السبت 9/1/2021 
تكتسب القمّة الخليجية الـ41 أهميتها من الحوادث السياسية الإقليمية والدولية المحيطة، والتهديد الإيراني لأمن المنطقة واستقرارها، فضلاً عن التطوّرات الأخيرة في الولايات المتحدة وفوز الحزب الديموقراطي بالانتخابات الأميركية وإعادة موضوع التعاطي الأميركي، بشكل مختلف عن الإدراة الحالية، مع الملف الإيراني، الى الواجهة مجدداً، وما حدث أخيراً في الكونغرس، وكلها عوامل تنذر بمرحلة جديدة، ليست بالضرورة مفيدة لمنطقتنا.  
فوز الرئيس بايدن بالانتخابات فتح الباب مجدداً لتولي شخصيات سياسية شاركت في مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني، وتعتبره ضرورة أميركية، الأمر الذي يعني أن الدول العربية قد تدفع ثمن هذا الاتفاق مرة أخرى إذا لم تتدارك الأمر.  
 ومعظم الشخصيات القيادية الأميركية التي أُعلن عنها في إدارة بايدن، ترى أن التفاوض مع إيران هو من الأولويات التي يجب إنجازها قبل بدء الانتخابات الإيرانية المتوقع فيها فوز المحافظين الأكثر تشدداً. 
  هؤلاء المسؤولون، وهم سابقاً ساهموا بالتوصل الى الاتفاق النووي مع إيران، تغاضوا في سبيله عن الامتداد الإيراني العسكري في سوريا واليمن، وتغاضوا عن تقديم إيران دعماً أكبر للميليشيات في العراق وليبيا. كما اعتبر هؤلاء المسؤولون أن دول الخليج تشجّع على انتشار الطائفية في المنطقة، وتغاضوا عما قامت به إيران منذ قيام الثورة الخمينية عام 1979 مع شعارها تصدير الثورة الى دول الجوار، وهذا ما يجري الآن بوضوح في اليمن حيث لا يخفي الحوثيون أنهم يريدون نقل المعارك الى دول الجوار ويريدون الاعتراف بنفوذهم في البحر الأحمر.   
وما يُطرح الآن في المحادثات الداخلية ضمن قيادات الحزب الديموقراطي لا يختلف بالجوهر كثيراً عن سياستهم السابقة، بل هم يعتبرون أن كل من كان صديق الإدارة الجمهورية ليس صديقاً لهم، ونسمع العديد من تصريحاتهم الحالية والبيانات الصادرة عن أعضاء الكونغرس الديموقراطيين التي تعكس هذه المواقف السلبية تجاه دول المنطقة، والتي في حال تنفيذها لن تؤدي إلا الى المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة. 
أدى اقتحام مؤيدي الرئيس ترامب مبنى الكونغرس الى حدوث صدمة كبيرة في المجتمع الأميركي لا يزال من الصعب معرفة نتائجها البعيدة المدى، لكن الديموقراطيين أخذوا المبادرة وسيحاولون إعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل انتخاب ترامب مستفيدين من صدمة ما حدث، وهذا سيكون له تأثير كبير في السياسة الخارجية، وخصوصاً في الملف الإيراني. 
من التطوّرات السياسية الأخرى، التفاهم التركي الروسي على توسيع نفوذ البلدين في المنطقة. فالبيان الختامي للقاء وزير خارجية تركيا نظيره الروسي الأسبوع الماضي، أشار الى ضرورة التعاون بين البلدين لحل الأزمتين السورية والليبية وفق تصور يخدم مصلحتي البلدين. وهما يرسلان مقاتلين ليثبتا وجودهما على الأرض، بغضّ النّظر عمّا تشير اليه قرارات مجلس الأمن وعما تريده شعوب هذه الدول، والخطر الوجودي الذي تشعر به دول الجوار من التمدد الروسي والتركي. 
في هذه الوقائع السياسية، تكمن أهمية القمة الخليجية الأخيرة وتأثيرها في مستقبل المنطقة، وضرورة عدم الاكتفاء ببيان رسمي يكرر المواقف المعروفة، بل تجب الاستفادة من الزخم الإيجابي الموجود حالياً للانتقال الى خطوة ثانية تتمثل بضرورة وضع مجلس التعاون الخليجي مع الجامعة العربية تصوراً واقعياً لحل ثلاثة ملفات عربية وجودية، وعرضها كموقف رسمي عربي على مجلس الأمن والأمم المتحدة والإدارة الأميركية قبل أن تنتهي من تشكيل سياساتها تجاه المنطقة لأخذه في عين الاعتبار.  
الملف الأول: يتعلّق بالأزمات في سوريا واليمن وليبيا وآلية تنفيذية للحل، ووضع جدول زمني واضح وفق قرارات الجامعه العربية (ومشروعها لحل الأزمة السورية ما زال هو الأفضل) وقرارات الأمم المتحدة، وممارسة ضغوط جدية على المجتمع الدولي لحل هذه الأزمات بأسرع وقت ممكن بعيداً عن المفاوضات مع إيران.  
 فالدول الكبرى تستفيد من هذه النزاعات لاستخدامها في تصفية حساباتها على حساب دول المنطقة وسكانها من دون أي اعتبار لهم. 
الملف الثاني: يتعلق بالملف الإيراني بشقيه النووي والتدخل الإيراني الإقليمي. فترك الأمور على طريقة فهم الغرب للحل وفق أولوياته وفهمه ومصالحه للمنطقة، لن يؤدي إلا الى ما سبق وشاهدناه سابقاً أثناء المفاوضات على الاتفاق النووي وبعد التوقيع عليه من غطاء غربي غير معلن لاحتلال إيراني للدول العربية، والدعم الأميركي لحركات انفصالية في سوريا، وهذا ما يسمونه في الغرب بالبراغماتية، من وجهة نظرهم. 
أما الملف الثالث فهو الملف الفلسطيني الذي تؤكد كل الدول العربية عبر تصريحات رسمية رفيعة أنه ما زال في سلّم الأولويات.  
هذه الملفات الثلاثة مع كل تعقيداتها لها آليات حل موجودة ضمن قرارات دولية وإقليمية واضحة ومعتمدة، ولكن تنقصها الجدية الدولية في التنفيذ. 
  والآن، ونظراً الى خطورة ما قد تقوم به الإدارة القادمة من تقارب مع إيران وما قد تدفع ثمنه كل دول المنطقة، يجب وضع الأمور وفق أولوياتها الحقيقية لدول المنطقة وشعوبها، وهذا ما نتمنّى من دول التعاون الخليجي ومصر الاستمرار بالعمل فيه قبل فوات الأوان.