الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما الذي ينتظره العرب؟

ما الذي ينتظره العرب؟

22.11.2018
غازي دحمان


الحياة
الاربعاء 21/11/2018
يقع العالم العربي اليوم في قلب الفوضى العالمية، بل هو مركزها الأشد جذباً والأكثر استقطاباً، وتكاد جميع القوى العالمية تنشغل بأوضاعه، حيث تتصارع استراتيجياتها وتتطاحن دبلوماسياتها، وتأخذ القضية لديها ابعاداً جدية جداً، حيث يتم رصد الموارد، ووضع الخطط، قصيرة المدى وطويلتها، وهي حالة اشبه بحالة استنفار تسبق حرباً ستقع غد أو بعد غد.
في مقابل هذا الزخم، لا يلمس المراقب وجود حد ادنى من الإهتمام العربي، فلا اتصالات ولا اجتماعات ولا قمم لتنسيق المواقف، وهناك إنشغال على مستوى فردي بالمشاكل والأزمات التي تتعلق بهذا البلد أو ذاك، وهو امر مفروض لتعلقه بأمن البلد المعني بشكل مباشر، وبالتالي لا يمكن التكاسل والتهاون معه، أما على صعيد النظام العربي فهناك عطالة مهولة لا أحد يفهم سببها.
وبنظرة بسيطة لخريطة الصراعات والتحالفات في المنطقة، من السهل اكتشاف الروابط والأقنية التي ترتبط بها كل دولة عربية مع الخارج، وإذا قارنا كثافة تلك الإرتباطات مع الخارج مع انعدامها، او شبه انعدامها، في العلاقات البينية العربية، نكتشف أننا امام حالة خلل رهيبة في توزيع العلاقات وتنظيمها وادارتها داخل المنظومة العربية، حيث أن الفعالية الدبلوماسية والنشاطات السياسية، وحتى التعاقدات المصلحية والتحالفات الدفاعية للدول العربية كلها، او أكثر من ثلاث ارباعها تقع على الضفة الأخرى، إما مع اطراف دولية، او قوى اقليمية.
وبتحليل هذه الخريطة من السهل ايضاً إكتشاف حجم الغرم الواقع على الدول العربية، وطبيعة الخسارة التي يحققها العرب في موازين القوى والعلاقات الدولية، ذلك أن أي بلد عربي، مهما تكن قوته، ستصبح أوراقه التفاوضية ضعيفة ما لم تثقيلها بالبعد العربي، وفي ظل حالة شبه اقطيعة بين الدول العربية فإن هذا البعد يصبح مشطوباً من الحسابات بشكل اوتوماتيكي ولن يشتريه أحد حتى ولو بثمن بخس، بل غالباً يتحوّل إلى عبئ وعيب يتطلب دفع ثمنه، خاصة إذا كانت علاقات البلد العربي مع جيرانه العرب متوترة
أو مأزومة.
ونتيجة لذلك، تضطر الدول العربية في الغالب إلى دفع اثمان مرتفعة، للحصول على خدمات، دفاعية وأمنية، كان من الممكن ان يتم توفير، على الأقل، جزء مهم منها من الإطار العربي نفسه، او حتى لو افترضنا عدم قدرة الإطار العربي تأمين مثل هذه الخدمات، إما كون التحدي المطروح اكبر من قدرات العرب، وإما كون هذا المنتج الخدمي لا تنتجه الا قوة دولية بعينها، ففي هذه الحالة يمكن أن يصار الى تخفيض ثمنه لو كان هناك حد ادنى من التنسيق بين الأطراف العربية، كأن يتم طلب هذا المنتج والتفاوض عليه جماعياً بدل ذهاب كل طرف، بما يشبه المنافسة والمضاربة للحصول عليه.
ولعل الإشكالية الأكبر التي تقع في براثنها غالبية الدول العربية، تتمثل بإختلال سلم الأولويات لديها جميعاً، لدرجة ضاعت معها هويات السياسات العربية، وبات المراقب يسأل، أين بالضبط هي بؤرة الإهتمام ومصدر السياسات في العالم العربي، وما طبيعة التحديات التي يراد التصدي لها وحشد الموارد والقوى من أجلها، وما هي الإستراتيجيات والتكتيكات المتبعة لمواجه تلك الإشكالية؟، حتى وقت قريب، ربما قبل العقد الحالي، ورغم كل خلافات ومشاكل النظام العربي، كان لا يزال هناك وضوح في الرؤى والأولويات، ولو حتى من باب التوافق الشكلي، وهو ما لم يعد له اليوم أدنى وجود.
والواضح، انه كلما زادت نسبة الفوضى زادت معها تعقيدات الواقع العربي وتشابك ازماته، وتعقد الوصول لمخارج منطقية وأقل ضرراً، وكذلك زادت درجة التباعد العربي العربي ، وعاد كل ذلك بخسائر اضافية، على جميع المستويات، وأهمها وأكثرها ضرراً المستوى الإستراتيجي، بالنظر لتداخله مع المشاريع الجيوسياسية للأعبين الإقليميين والدولين، ذلك إن إستمرار تدهور الواقع العربي يدفع بالضرورة القوى التدخلية، الإقليمية والدولية، إلى زيادة إنخراطها في تفاصيل ومفاصل دولنا ومجتمعاتنا، والعبث بها بما لا يتوافق مع مصالحنا ابدا.
ما الذي ينتظره العرب، اذا كان الوضع العربي يستحق درجة استنفار من الدرجة الأولى، منذ سنوات عديدة؟، اما آن لنا أن نفهم ان الخارج ليس مهمته حل مشاكلنا وأنه يزيدها تعقيداً ويرفع اكلافها، متى سنصل الى صيغة اتفاق الحد الأدنى لنواجه أزماتنا ...وخيباتنا؟
* كاتب سوري.