الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما الذي يخيف إسرائيل فعلاً؟

ما الذي يخيف إسرائيل فعلاً؟

06.08.2019
يحيى العريضي


سوريا تي في
الاثنين 5/8/2019
أول ما يتبادر إلى الذهن في الإجابة عن هذا السؤال، أن إسرائيل لا يخيفها شيء؛ حيث أمريكا تحميها وتدافع عنها كولاية من ولاياتها، وتطورها التقني واسع، و"ديموقراطيتها" الداخلية حاضرة، والأهم بعد أن أصبح الاتهام بما يُسمى "اللاسامية" /anti-Semitism/ يُعتَبر جريمة يحاسب عليها القانون. إنها هذا الكيان الوظيفي الذي بدأ يتحول من ثكنة تُمَرْحِل أهدافها إلى ترسانة ثابتة مستقرة، لا يخيفها سلاح أو قرار مجلس أمن أو تهديد.
لم تنشأ إسرائيل بين ليلة وضحاها. قديمة هي الأطماع في تلك الرقعة المقدّسة /فلسطين/ التي حباها الله بما ندر. هي من أرض الشام؛ مهد الحضارات، ومنزل الديانات، ومسرى الأنبياء، وذات الفصول الأربعة الواضحة.
ليس جديداً أن نقول إن إسرائيل مشروع غربي، وجزء من استمرار سيطرة أوروبا على شرق المتوسط كنقطة حيوية عالمية تُوصَف بالحزام الحي على كوكبنا. فمن الرومان إلى الصليبيين إلى الفتح الإسلامي، إلى نابليون وعكا، وصولاً إلى الحرب العالمية الأولى، و "وعد بلفور" الذي ثبّت على الورق قيام كيان لليهود؛ ومن قرار الأمم المتحدة عام سبعة وأربعين، إلى حرب ثمانية وأربعين وتشريد أهلها، إلى انتفاخها عام سبعة وستين، إلى حرب ثلاثة وسبعين التعميدية لحافظ الأسد، مروراً بمحاولات تصفية مقاومتها في السبعينيات وتل الزعتر، إلى اثنين وثمانين واجتثاث منظمة التحرير من لبنان ومساهمة حزب حسن نصر الله وحافظ أسد شريكي الحفاظ على الكيان من الشمال بذلك.... كل ذلك وصولاً إلى خراب معقل المقاومة الراسخ في عقول أهل الشام وحبل سرّة فلسطين ابتداءً من عام ألفين وأحد عشر.. لا يخيفها إلا ذاك الذي له الصفة الاستراتيجية والمتعلق بيقظة الإنسان العربي.
عندما قامت انتفاضة سوريا، سمع قادة الكيان الصهيوني عبارة نظام الاستبداد /نحكمها أو ندمرها/، فاستبشروا خيراً. لا بد أنهم قالوا وقتها: إما أن يبقى نظام الاستبداد الأسدي هذا- والذي أراح إسرائيل لعقود- أو تتحول سوريا إلى حالة كسيحة، لا تقوم لها قائمة لعقود أيضاً. وكان لها ما أرادت، للأسف
ما كانت تخشاه إسرائيل هو أن يكون الشعب الذي يحيط بها- وتحديداً في بلاد الشام- حراً؛ ولكن قيّض الله لها منظومة الاستبداد الأسدية؛ فأطبقت على نَفَس السوريين؛ وأشاعت المزاودات في "مقاومة العدو الصهيوني وممانعته"؛ وكان ذلك على قلب العدو لذيذا، لأنه يعرف أن الحرّ فقط هو الذي يخيفها؛ وما كان السوري حراً في العهد الأسدي، بل تمّ مسخه إلى مخلوق خائف مرعوب هاجسه البقاء والعيش. يخيف إسرائيل ذاك العربي السوري الذي يعتبر الأرض التي يعيش عليها وطناً حقيقياً هو مسؤول عنه، لا مزرعة لآل الاسد هو مجرد عبد فيها.
يخيف إسرائيل مَن يرى في الأرض أرضه، والوطن وطنه، والسلطة له ومنه؛ وكل ذلك أمانة في عنقه، ومسؤولية تخصّه؛ يدافع عنها برموش عيونه حتى. ولكن لا يخيفها مَن لا كرامة له في وطنه، ومن يرى استباحة الدولة والوطن وسرقتهما أمراً عادياً. من هنا شرّعت سلطة الأسد أبواب الفساد والأنانية والابتزاز والخوف والطائفية؛ لتتحول البلد إلى ما يشبه الذبيحة كلٌّ يقطع في جسدها بشيء من التشفي؛ لأن هناك من يعتبرها مزرعة خاصة به، والكل فيها أقنان إلا العصابة الحاكمة. وهنا نستذكر رواية الكاتب السوري الحر محمد الماغوط: "سأخون وطني"؛ حيث رأى أن الوطن الذي تدعس سلطته أهله، يستحق أن يُخان. يخيف إسرائيل بيئة حرة ديمقراطية آمنة رحبة للإبداع والاختراع؛ لا مكانٌ يتم فيه تعطيل العقل، وكمّ الأنفاس، ودعس كرامة الإنسان؛ وكل تلك "الإبداعات" تميّز بها نظام الاستبداد الأسدي.
يخيفها أي حالة ديموقراطية حقيقية في محيطها؛ فهي مثلاً مَن جلب الاٍرهاب إلى المنطقة؛ وهي ذاتها التي شيطنت القضية الفلسطينية بنعتها الفلسطينيين بالإرهابيين. وهذا بالمناسبة، ما فعله نظام الاستبداد الأسدي عندما اعتبر من يقاومه من أهل سوريا بالإرهابيين. ومن غير المستبعد أن تكون تلك الوصمة، التي ألصقها النظام بمن يقاومه، نصيحة إسرائيلية. لقد رأينا "داعش" كأحد ولاداتها، بعد أن أطلق النظام من معتقلاته شياطين تحولوا إلى معظم أمراء داعش وأعمدتها.
يخيفها سلطة لا تخيف شعبها، ولا تعتقله، ولا تقتله أو تشرده؛ وكل هذا فعلته سلطة الاستبداد الأسدية لإراحة اسرائيل علّها تدعم بقاءها؛ وهكذا فعلاً ما فعلته إسرائيل؛ ومن هنا أتت استطالة مأساة السوريين.
على صعيد عربي أوسع، يخيفها أن يكون هناك أي تفاهم حقيقي، أو وحدة في كلمة العرب. وفِي هذا الصدد كان نظام الأسد المنفذ الأمين لشرذمة العرب، رغم أنه كان الأكثر كلاماً عن التضامن العربي والوحدة العربية؛ ومن هنا توافق بالمطلق مع مزاودات إيران التي اعتبرت إسرائيل عدواً لها كلامياً، وخطفت قضيتهم مزايدة.
وعلى صعيد إقليمي، أو ما يمكن أن يدعم الإقليم في مواجهته معها؛ يخيفها أي تقارب مع أمريكا ليس عبر بوابتها. من هنا كان حتى على بوتين أن يقدم أوراق اعتماده لأمريكا وأوروبا عبرها؛ لتأتي تصريحات مسؤولي بوتين وتقول "إننا حريصون على أمن إسرائيل".
ذلك كان بإيجاز ما تسبب في استطالة المأساة السورية الحالية. وكانت إسرائيل الفاعل الخفي في تنفيذه. لقد كانت اليد الإسرائيلية مساهمة في تعطيل القرارات الدولية، بتجبّر وتغوّل منظومة الأسد بالدم السوري دون وجل، بدخول إيران وحزب حسن نصر الله وروسيا في المقتلة السورية؛ والأهم، بالرخاوة الأمريكية.
قد تطول رحلة الشفاء السورية من ذلك الوباء، ولكن أول خطوة فيها هي الخلاص من تلك المنظومة الإجرامية. عندها؛ تخاف إسرائيل فعلاً. وهذا حتماً قادم؛ ولن يقتصر على الخوف فقط.