الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما الذي كان يدفع واشنطن للبقاء في سوريا؟

ما الذي كان يدفع واشنطن للبقاء في سوريا؟

02.01.2019
عنفار سيدي


القدس العربي
الاثنين 31/12/2018
كما دخلت الولايات المتحدة سوريا سنة 2014 بدون استراتيجية واضحة المعالم بشكل دقيق، ها هي الآن تخرج منها بشكل مفاجئ وبدون إعلان استراتيجية للتعامل مع الفراغ الذي سيخلفه سحب ألفي جندي أمريكي موجودين في الشمال الشرقي من هذا البلد العربي، الغارق في صراع دموي معقد يتعدد فيه الفاعلون محليا ودوليا.
يلتقي تعامل الرئيس دونالد ترامب وسلفه باراك أوباما مع الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، بعدم الحماس والاتكاء على الحذر والرغبة في الخروج بأي طريقة ممكنة من هذا الصراع الشائك، لكن الفرق بين الرئيسين، أن أوباما يتعامل مع الملف انطلاقا من توصيات الخارجية والاستخبارات، أما ترامب فقد فضل أن يغرد خارج سرب الجميع، ضاربا عرض الحائط بتوصيات الوزارتين وخارجا عن الإجماع أو شبه الإجماع في الكونغرس، على أن وقت الانسحاب لم يحن وقته بعد. قرار الرئيس دونالد ترامب سحب قوات بلاده من سوريا "كارثي" حسب رأي رئيس لجنة القوات العسكرية في مجلس الشيوخ، الجمهوري ليندسي غراهام المعروف بدعمه القوي لترامب. هذا القرار اعتبره المرشح الجمهوري السابق للرئاسة والسيناتور عن ولاية فلوريدا "خطأ جسيما" قد يصب في مصلحة "داعش".
الانسحاب الأمريكي سيفسح المجال أمام إيران وروسيا لتقوية حضورهما في الساحة السورية
يأتي قرار الانسحاب المفاجئ متناقضا بشكل صريح، ليس فقط مع توصيات وزارتي الدفاع والخارجية اللتين حاولتا مرارا ثني الرئيس عن هذه الخطوة، بل يتناقض مع تصريحات مستشار الأمن القومي جون بولتون، الذي شدد في سبتمبر/أيلول الماضي على أن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا سيستمر طالما أن هناك قوات إيرانية في البلاد. ونبه إلى أن ذلك يشمل الميليشيات التي تحارب بالوكالة عن الجمهورية الإسلامية. وقبل أسبوعين فقط، قال مبعوث أمريكا إلى التحالف الدولي ضد "داعش" إن هزيمة التنظيم المتشدد هي جزء من حملة طويلة الأمد، أي أن الوجود العسكري الأمريكي ليس مبرره الوحيد هو القضاء على "داعش". وتتناغم هذه المقاربة مع موقف رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد، الذي قال إن أمريكا مازالت أمامها مهمة تدريب قوات سورية (ليست نظامية) لتتولى مسؤولية التصدي لفلول "داعش" وتضمن عدم عودة هذا التنظيم المتشدد إلى الظهور مجددا. وحتى الآن لم يتم تدريب سوى حوالي عشرين في المئة من الذين تريد تدريبهم ليمنعوا انبعاث "داعش" من رماد هزائمه. من خلال المقارنة بين هذه التصريحات، وإعلان ترامب الذي أكد فيه أن سبب الوجود العسكري الأمريكي الوحيد في سوريا هو إلحاق الهزيمة بـ"داعش"، يبدو أن هناك عدم اتفاق على مستويات عليا حول مبررات البقاء الأمريكي في سوريا. فبين من يربط ذلك فقط بهزيمة داعش (ترامب) ومن يرى أنه يجب أن يستمر للتصدي لإيران (بولتون)، ومن يرى أنه ضروري للتأكد من عدم ظهور التنظيم المتشدد مجددا، وتدريب القوات التي تدعمها واشنطن (الجنرال دانفورد). أبرز النتائج التي يحتمل أن تترتب عن هذا القرار هو انبعاث "داعش" من جديد داخل سوريا، وحتى لو كان الانبعاث المحتمل للتنظيم المتشدد لن يوصله إلى درجة القوة التي كان عليها في سنوات تغوله، فإن ذلك قد يجبر أمريكا في المستقبل على العودة، ويجعلها تعيد الكرة من البداية، في مهمة كان يمكن تجنبها لو بقيت القوات الأمريكية حتى القضاء النهائي على "داعش".
صحيح أن هذا التنظيم تلقى هزائم قاسية وتقزّم بشكل كبير، لكنه لم يختف بعد نهائيا، ويمكن أن تعود بذرته الخبيثة للنمو مجددا. من ناحية أخرى، فإن ترك القوات الأمريكية لقوات سوريا الديمقراطية لوحدها، يفسح المجال أمام تركيا لخوض عملية عسكرية ضد هذه القوات لاستئصال شأفتها. تركيا طالما هددت وما زالت تهدد بشن عملية عسكرية ضد هذه القوات، وستتعامل مع انسحاب القوات الأمريكية باعتباره فرصة ذهبية، لأنه يزيل الدرع الذي كان يحمي الأكراد.
الانسحاب الأمريكي، كما حذّر رئيس لجنة القوات العسكرية في مجلس الشيوخ الأمريكي، سيفسح المجال أمام إيران وروسيا لتقوية حضورهما في الساحة السورية. ولن تكون تركيا عائقا أمام ذلك، فأنقرة بإمكانها الحصول على اتفاقات معلنة، أو حول الطاولة مع الروس والإيرانيين طالما أن الأكراد الذين هم الخصم الأول لتركيا في سوريا ليسوا حلفاء لطهران أو موسكو.