الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما الذي ستفعله تركيا؟

ما الذي ستفعله تركيا؟

25.12.2016
د. محمد نور الدين


الشرق القطرية
السبت 24/12/2016
تطورات كثيرة ومتنوعة وخطيرة ومهمة شهدتها منطقة الشرق الأوسط في الأسابيع والأيام الأخيرة.
من ذلك سقوط حلب بيد النظام السوري وحلفائه والتفجيرات في إسطنبول وقيصري وصولا إلى اغتيال السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف والاجتماع الثلاثي في موسكو بين تركيا وروسيا وإيران.
ولا شك أن قاسما مشتركا بين كل هذه التطورات وغيرها هي البعد التركي منها.
تركيا منذ أن قرر حزب العدالة والتنمية أن تكون جزءا من سياسات الشرق الأوسط حتى الصغيرة منها وهي أمام تحديات متعددة. فمنذ إعلان الجمهورية ولاسيَّما بعد الحرب العالمية الثانية بقيت تركيا بمنأى عن التورط في شؤون المنطقة أو التدخل في شؤونها الداخلية. ولم تواجه تركيا مخاطر سوى في التعاطي مع القضية الكردية وحزب العمال الكردستاني.
لكن حزب العدالة والتنمية أعاد تحويل وجهة البوصلة لتكون تركيا عاملا فاعلا ومؤثرا في تطورات المنطقة وهذا بطبيعة الحال يدخل تركيا في حلقة جديدة عنوانها التأثير والتأثر بكل مشكلات المنطقة.
ولأن المنطقة ملأى بكل أصناف الحساسيات والصراعات والتجاذبات من مختلف الأصناف والطبقات فإن تركيا تواجه تحديات ومخاطر جلّى.
اغتيال السفير الروسي في أنقرة وضع على الطاولة بشكل مكشوف كل هذه التحديات. فالصراع في سوريا وضع تركيا وجها لوجه أمام مخاطر اجتماعية وأمنية واقتصادية داخلية، كما أدى إلى وضع حرج وصعب في طبيعة خياراتها الخارجية بين المعسكرين الغربي والشرقي.
تباينت الأولويات في سوريا بين واشنطن وأنقرة. فكان الخلاف مع أمريكا والذي انفجر بعد اتهام تركيا لواشنطن بأنها تقف وراءه وتدعم منفذيه من جماعة فتح الله جولن. وهو ما دفع تركيا إلى الاعتذار من روسيا بعد إسقاط الطائرة وبدء مسار جديد مع روسيا انضمت إليه إيران في البعد المتصل بالمسألة السورية.
بين الخيار الغربي والخيار الشرقي تتأرجح تركيا اليوم. الوضع الأصلي هو الانتماء للغرب بحلفه الأطلسي وبالاقتصاد والعلاقة مع الاتحاد الأوروبي، فيما المسار الشرقي مع روسيا وإيران لا يزال يتلمس فرص نجاحه أو فشله. ومن المبكر الجزم بما سيفضي إليه.
"إعلان موسكو" خطوة متقدمة في هذا المسار لكن العبرة بالتطبيق. العناوين العامة لا تصنع استراتيجيات. وتركيا تلعب في الوقت الضائع من خلال اتباع سياسة تجميع الأوراق. فرغم كل الخسائر التي تعرضت لها السياسة الخارجية التركية في سوريا وفي المنطقة، ولاسيَّما مصر، فإن تركيا محكومة بالبقاء في المعسكر الذي انتمت إليه وهي جزء منه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وحتى لا نغرق في التشاؤم فإن تركيا يمكن لها أن تلعب دورا جديدا كانت تمارسه سابقا قبل أحداث "الربيع العربي"، وهو دور الوسيط والمقرّب. تركيا الآن قد تكون قريبة من هذا التموضع الجديد. لكن بشرط أن تكون مصممة على ذلك، وألا تكون تمارس سياسة المناورة. وشرط النجاح في أي جدية محتملة ليس سهلا، ويتطلب تقديم تنازلات وتراجعات عن سياسات الطرف التي اتخذتها طوال الحرب. صحيح أن الانسحاب من الموقف السابق الطرفي وإعادة التموضع من جديد، يتطلب جهدا شاقا بالفعل، وتغييرات فكرية وذهنية، لكن نرى أنه لو حصل ذلك فإن المنطقة مرشحة لطرق باب الاستقرار والتعاون من جديد. دعونا نتفاءل مع بداية العام الجديد، وإن كان لا سبب جدياً يدعو للتفاؤل.