الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماكرون ونصر الله والرهانات الإيرانية... هل يقرر "حزب الله" مصير لبنان؟ 

ماكرون ونصر الله والرهانات الإيرانية... هل يقرر "حزب الله" مصير لبنان؟ 

04.10.2020
إبراهيم حيدر



النهار العربي 
السبت 3/10/2020 
العودة إلى كلام الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله في رده على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، هو لتفسير المسارات التي يسلكها لبنان بعد ترنّح المبادرة الفرنسية، والإعلان عن الاتفاق الإطار للتفاوض بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود برعاية أميركية. كان كلام نصر الله يشير بوضوح إلى أن "حزب الله" هو من يقرر مصير البلد، ليس في تأليف الحكومة فحسب، بل في القرار السياسي وحتى الأمني وعلاقة لبنان بالخارج. هناك هيمنة تظهر جلية على مختلف المستويات، إذ عندما يتعلق الأمر بالوضعين الإقليمي والدولي، يكون "الحزب" مقرراً في هذا الشأن، حتى في ملف ترسيم الحدود، إذ إنه لا يمكن السير بالتوازي نحو ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا من دون كلمة الفصل لـ"حزب الله"، وهو أمر غير ممكن راهناً ما دام ينخرط في الحرب السورية إلى جانب نظام بشار الأسد. 
وحين يتعلق الأمر بالداخل اللبناني، يكون الرد جاهزاً، فإذا كان اعتذار الرئيس المكلف مصطفى أديب قد جاء وسط خلاف محلي وإقليمي، إلا أن استعصاء "الثنائي الشيعي" ومطالباته بتسمية وزرائه وبحقيبة المال، كان سبباً حاسماً في الاعتذار وعدم تشكيل الحكومة، إضافة الى الدخول الأميركي على خط المبادرة الفرنسية بالعقوبات وفي سياق مواجهة إيران في لبنان. لكن نصر الله كان واضحاً في الشأن الداخلي أيضاً، هو لمّح إلى 7 أيار (مايو) 2008 حين أمسك "الحزب" بمفاصل البلد أمنياً وعسكرياً، وإذا كان توقيع وزارة المال بالنسبة إليه يحمي ظهر "المقاومة" كما تسمية الوزراء الشيعة والثلث المعطل، فهو لم يطالب مثلاً بوزارة الدفاع اللبنانية، لأن فائض القوة العسكرية قائم وموجود، وهي قوة يمكن تحريكها واستثمارها في حسابات سياسية محلية وإقليمية من خارج بنية الدولة ومؤسساتها. 
 تكريس لبنان لـ"حزب الله" كان نهائياً في كلام نصر الله، "فسبب وجود "الحزب" في الحكومات هو لحماية ظهر المقاومة، ويجب أن نكون في الحكومة لحمايتها كي لا تتكرر حكومة 5 أيار (مايو) 2008 في لبنان، كما أننا لا نستطيع أن نغيب عن الحكومة بسبب الخوف على ما تبقى من لبنان اقتصادياً ومالياً وعلى كل الأصعدة". فأي حكومة ممنوع أن توقع مع صندوق النقد الدولي أو أن تتخذ أي قرار مرتبط بالمال والاقتصاد وفي السياسة من دون أن تكون لـ"الحزب" الكلمة النهائية، وهو لا يسمح لأي كان بأن يشكل الحكومة. 
يستفيد "الحزب" من حالة تماسكه وقوته المرتبطة بالإقليم لا بلبنان، فدوره وسلاحه إقليميان بالدرجة الأولى، فيما تعاني المكوّنات اللبنانية الأخرى السياسية والطائفية ضعفاً واضحاً، وإن كانت لديها ارتباطات بالخارج. فإذا كانت المواقف التي حددها نصر الله تؤدي الى فراغ حكومي في انتظار ما ستؤول اليه التطورات في المنطقة ونتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، فإنها في الوقت نفسه تكرّس فائض القوة في القرار، وحتى كلام المقاومة ضد إسرائيل، والذي سلك مساراً آخر بعد إعلان رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الاتفاق الإطار لمفاوضات ترسيم الحدود، وهو أحد طرفي "الثنائي الشيعي"، يدرج بوضوح ضمن مصالح المواجهة التي تخوضها إيران في المنطقة وفي معركتها لتحسين وضعها في أي مفاوضات محتملة مع الأميركيين بعد الانتخابات، وهذه المصالح الإيرانية لا ترتبط بلبنان فحسب، بل تشمل أيضاً تدخلها في العراق وسوريا واليمن، فإذا بـ"حزب الله" ينفذ مباشرةً أجندات إيرانية هو يعترف بها ويعلنها، وتدخله في المنطقة هو في جزء منه لتحقيق الغلبة وتحسين شروط الموقع وموازين القوى. 
لا يفتح كلام نصر الله الطريق لإنقاذ لبنان، بل هو لتكريس الغلبة. فإذا كان قد تحدّث في وقت سابق عن حصار أميركي للانتقام من "حزب الله"، فإنه في إسقاطه المبادرة الفرنسية مع لاعبين آخرين يؤدي الى مزيد من الحصار والضغوط، وحتى الانهيار المالي والاقتصادي. علماً أن الرئيس الفرنسي كان واضحاً في معرض انتقاده "الحزب" الذي عليه أن يختار بين أن يكون ميليشيا أو حزباً سياسياً. فاستمرار التصعيد يعني مزيداً من الضغوط في ضوء الصراع الأميركي – الإيراني. لكن الواقع يشير الى فشل المبادرة الفرنسية، وها هو لبنان يقدم تنازلاً للدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل وإن كانت ضمن الاتفاق الإطار وفي رعاية الولايات المتحدة، وبرضى "حزب الله"، إذ لا يمكن لنبيه بري أن يعلن الموقف في هذا الشأن من دون موافقة "الحزب". 
السير في مفاوضات الترسيم جاء بعد إفشال المبادرة الفرنسية، في انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية. وهكذا يبدو أن الاتفاق الإطار هو خطوة لوضع الإطار العام للمسار السياسي الذي ستسلكه العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، ما يعني أن كل المناورات التي تحصل في لبنان والمواقف التي يطلقها "الحزب" وأمينه العام هي مقدمة لكيفية تخاطب إيران مع أميركا، علماً أن سوريا ستكون جزءاً من مسار المفاوضات عاجلاً أو آجلاً...