الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا يُريد الائتلاف السوري من المجلس الكردي؟ 

ماذا يُريد الائتلاف السوري من المجلس الكردي؟ 

29.09.2020
شفان إبراهيم


  
القدس العربي 
الاثنين 28/9/2020 
منذ الإفصاح عن الوثيقة الموقعة بين الطرفين المذكورين في العنوان، وبدأت معها سلسلة الشد والجذب، فمع اعتراض المعارضة السورية على مطلب اللامركزية السياسية الذي تقدم به المجلس الكردي، وتحفظ الأخير على الطرح البديل المتمثل باللامركزية الإدارية، فإن عمق الاستغراب يحيلنا للبحث عن سبب عدّم توافق الطرفين على رؤية سياسية موحدة، وهو –الائتلاف- الذي أدعى أنه يصبو نحو تحديث رؤاه السياسية والتنظيمية. عدا عن عشرات التصريحات والمواقف الجارحة والضاغطة على المجلس الكردي ضمن أروقة المعارضة، وأخرها، حالياً، إبعاد ممثل المجلس الكردي ضمن الائتلاف، من تمثيل هيئة التفاوض، ينظرُ إليه الكُرد كعقاب للقضية الكردية التي ربما تتبلور ملامح جديدة لها في شرق الفرات، كنتيجةٍ للضغط الأمريكي والدفع بالحوار بين المجلس الكردي وأحزاب الحركة الوطنية الكردية/الإدارة الذاتية/. 
 
الإدارة الذاتية 
سابقاً كانت الإدارة الذاتية تتعرض للنقد العنيف، عبر سلسلة من المقالات والمواد الصحافية الأخرى المختلفة، بسبب تعاملها بردات الفعل تجاه المختلفين معها سياسياً وفكرياً. لكن اليوم ما أقدمت عليه المعارضة، وإن صح ما قيّل إن السيد نصر الحريري أستفرد بقرار الإبعاد، فإننا أمام مُحددين سيئين للغاية، أولهما: إعادة تكرار سياسات الإلغاء والاستفراد بالقرارات. والثانية: استمرار عقلية القصاص من الأخر المختلف. 
عملياً كان ولا يزال للائتلاف السوري الإطلاع الكامل على مضامين وأهداف الاجتماعات بين الطرفين الكُرديين وبرعاية أمريكا، وبل حتّى تركيا مطلعة عبر علاقاته مع الجانب الأمريكي. ثمة استغراب في مواقف المعترضين من الحوارات الكُردية، فالمساعي صوب المآلات المطلوبة، هي عينها ما كانت تطالب به المعارضة السورية من إخراج العناصر غير السورية من مجمل الأراضي السورية، ومنح حكم المناطق إلى المجتمع المحلي لإدارتها إلى حين إجراء انتخابات عامة على مستوى سوريا كلها، فلما الاعتراض على الحوار. علماً أن روسيا تسعى وبكل قوة لسحب ورقة قوات سوريا الديمقراطية من يد الإدارة الأمريكية، وهو ما سيعني عودة قوات الجيش السوري حتى "معبر سيمالكا" الحدودي بين كُردستان العراق والمنطقة الكُردية في سوريا. أو انضمام قسد للجيش السوري، وفي كل ذلك سيكون بالمعنى الجغرافي توسيع رقعة سيطرة النظام السوري، وزيادة نفوذ روسيا بالمعنى العسكري وتأثيره المباشر على مسارات الحل السياسي لسوريا، وبالمعنى السياسي زيادة نفوذ محور "طهران، موسكو، دمشق". خاصة وأن النظام السوري يسعى لفكفكة المعارضة السورية، وثمة تشابه بين رؤى ومطلب النظام السوري والإدارة الذاتية في إعادة المجلس الكردي إلى القامشلي، وإبعاده عن المعارضة السورية، لما لها من نتائج مذهلة، فالنظام السوري يعي جيداً، إن انسحاب المجلس الكردي من المعارضة سيعني تكوير وإضعاف تمثيل المعارضة السورية لمكونات المجتمع السوري، وتتعرض شرعيته ووزنه للخلخلة، ويؤثر بدوره على مسار الحل السـياسي في جـنيف. 
دعوكم من حجم التأثير القليل جداً للمجلس الكُردي في الوضع السوري، إنما القضية تتعلق بدور جسد سياسي أنضم للمعارضة منذ بدايات الحدث السوري، وممثلاً عن جزء من الشعب الكردي في جنيف. بينما تستفاد الإدارة الذاتية من إخراج المجلس الكردي من المعارضة السورية، لتجريده من ورقة التمثيل الدولي ضمن أروقة المعارضة السورية، والتساوي بينهما في تلك النقطة، مع تفوق الإدارة الذاتية عسكرياً وعلى مستوى هياكل الحكم المحلية، ما يعني تفوقها على المجلس، وتغيير في موازين القوى أثناء الحوارات، هذا إن بقيت الحوارات قائمة من أصلها. وفقاً لذلك: من المستفيد من تصرف السيد نصر الحريري؟ وهل يُمكن أن يعترف بخطئه ويتراجع، كأي سياسي أخطأ التصرف ثم عاد عنه، فتُحسب له. 
يبدو أن عقدة التفوق على المكون الكردي لا تزال ملازمة للكثيرين، ورغبتهم في استثمار الورقة الكُردية دون منحها ما تستحقه لا تزال مسيطرة على عقولهم. يرفضون الحوارات بين الطرفين، دون تقديم أي بديل، سوى استدامة الحرب، والتدخل فيما تبقى من شرق الفرات. وكأن تجارب الحكم المحلي في عفرين، سري كانيه/رأس العين، كري سبي/تل أبيض، بدت لهم جنّة على الأرض. 
الثابت في نظريات ومفاهيم حقوق الإنسان والمجتمعات المتطورة والثابتة، إن الموقف من الحريات والديمقراطية لا يتجزأ. بمعنى أن الحديث عن الانتهاكات التي كانت تقوم بها الإدارة الذاتية على صعيد الحريات، والتعددية السياسية، والتربية والتعليم، وما يقوله الإعلام عن قضايا خلافية عميقة في دير الزور بين الأهالي وقسد، وهو ما تركز عليه المعارضة السورية كثيراً. يجب أن لا ينسى أو يتناسى الائتلاف، ما أقدمت عليه ولا تزال، فصائل المعارضة السورية في مناطق عمليات "غصن الزيتون ونبع السلام" في حدها الأدنى التغيير الديمغرافي الكبير الذي تقوم على تهجير الأهالي من بيوتهم، وإحلال نازحين من مختلف المناطق السورية عوضاً عنهم، مع مصادرة الأملاك، وخطف النساء. دون أن يتمكن الائتلاف من الإتيان بأي خطوة من شأنها أن تعيد الحق لنصابه. بل أن الائتلاف لم يتمكن من تنفيذ الاتفاق الموقع بينه وبين المجلس الكُردي في 10 يناير (كانون الثاني(2020 "لضمان عودة المُهجرين والنازحين من البلدات والمدن التي دخلت إليها فصائل المعارضة السورية، وضمان عودة أملاكهم وكُل ما صُدر منهم على يدِّ تلك الفصائل المسلحة، ومتابعة الأمور داخل تلك المدن، والتواصل مع المُهجرين والنازحين منها، والتنسيق مع الحكومة السورية المؤقتة التي تشرف على الأمور الإدارية والأمنية في تلك المناطق". 
 
مسارات وديناميكيات جديدة 
قابل كل ذلك، خطوة استفزازية أخرى للسيد الحريري بالاجتماع مع شخصيات كُردية مستقلة، التي لم تخرج عن دائرة زيادة الضغط على المجلس الكردي، لكن ما فات الحريري إنها خطوة لن يحل شيء من الإشكال، ولن تأتي بثمارها؛ إذ نحن أمام ثلاث مشاكل متراكمة مترابطة بقضية المستقلين الكُرد تحديداً: فلا المجلس الكردي قدّرَ مستقليه أو الشخصيات الوطنية الفاعلة، ولا المستقلين اثبتوا قدرتهم على تحريك الشارع أو التأثير فيه، ولا من اجتمع معهم الائتلاف يخرج من دائرة بطاقة الضغط الفارغة ومحاولة يائسة لتمييع لب وجوهر الموضوع عوضاً عن الذهاب إلى القضية حيث هي وحيثما توجد. خاصة وأن الحل السوري يحتاج إلى شيء جديد بالمرة، خارج الديناميكيات المتبعة منذ بدايات 2011 وعلى رأسها قضية شكل الدولة ونظام الحكم، والموقف من حقوق القوميات والشعوب المغاير، ضمن الدولة السورية الواحدة وفق ما يقيها من التقسيمات، وبناء على نظام وعقد اجتماعي جديدين. 
الغريب أن الائتلاف يصر على نحر ذاته، فهو الجسد الرسمي الأول في التاريخ الحديث للمعارضة السورية الذي يضم مختلف الشرائح والمكونات والتي اعترف بها العالم وأصبح جزءا من مسارات الحل السياسي قبل أن ينفض عنه ذووه ومؤسسوه لتراكم الخلافات والتدخلات الخارجية ودور الأسلمة السياسية الواضحة ، فأغلب الشخصيات المهمة تركت صفوفه، وهو الذي لم يقدم رُبع ما تأملته الناس في الداخل السوري، أو في مخيمات اللجوء في دول الجوار السوري، مع ذلك يسعى لخلق مسارات وديناميكيات جديدة في تعامله مع المجلس الكردي، ولو افترضنا أن رئيسه مستفرد بالقرارات، فإن بقاء قراراته دون مراجعة أو نقد، يشي بمؤشرين خطيرين: من هي الجهة التي تقف وراء تلك التصريحات والمواقف، وهل لها دور في منع باقي الأعضاء من الاعتراض. أما الثاني: يطالب السيد حريري بوقف الحوار مع الإتحاد الديمقراطي واصفاً إياه بالامتداد للعمال الكردستاني. فمن المستفيد من عدم إخراج القوات أو الشخصيات الكردية غير السورية من المنطقة، وهل يكون الائتلاف منتصراً لو حدثت معركة جديدة ستكون أكلافها إنهاء الوجود الكردي في سوريا. 
وفي المقابل ماذا يريد المجلس الكردي من نفسه ومن الشارع، بات لِزاماً البحث عن منجزات تأثير المجلس سياسيا عبر علاقاته التي كان يتحدث عنه، هل انفض الناس حولهم أيضاً؟ سؤالٌ برسم المعنيين