الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا ينتظر السياسة الخارجية التركية في عام 2021؟ 

ماذا ينتظر السياسة الخارجية التركية في عام 2021؟ 

07.01.2021
تركيا الآن


تركيا الان 
الاربعاء 6/1/2021 
في أواخر العام الماضي، احتلت تركيا المرتبة الأولى بين دول العالم التي امتلكت زخمًا كبيرًا في جدول أعمالها. كما أن السياسة الخارجية التركية كانت محط أنظار العديد من الدول من القوقاز إلى شرق البحر الأبيض المتوسط ، ومن شمال إفريقيا وصولاً إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. 
فخلال السنة الماضية، كان هناك ثلاث دول تدخلت فيها تركيا تدخلاً مباشرًا، أو دعونا نقول احتلت أراضٍ فيها، هي سوريا وليبيا والعراق. كما أن لتركيا أيضًا قواعد عسكرية في كل من قطر والصومال. أما أذربيجان فتعد أبرز قصة نجاح للسياسة الخارجية التركية في السنوات الأخيرة، في حين كان شرق البحر الأبيض المتوسط هي المنطقة التي قيمت حدود قوة وسلطة تركيا وأوروبا ودول المنطقة على مدار العام المنصرم. 
غير أن مضي تركيا قدمًا في سياستها الخارجية في السنوات القليلة الماضية كان دون أدنى شك له عدة أسباب 
-أهم تلك الأسباب هو إعجاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي حكم الولايات المتحدة لمدة أربع سنوات، وتربطه علاقات جيدة مع قادة ديكتاتوريين، ولا يهتم بحقوق الإنسان ولا يقدر حلفاءه، بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان. فكثيرًا ما وثق واطمئن أردوغان لترامب خاصة فيما يتعلق بفساده وتصريحاته العدوانية والجريئة في السياسة الخارجية. فقد كان الضوء الأخضر الذي يمنحه ترامب لأردوغان حاسمًا، لا سيما في السياسات التوسعية في سوريا وليبيا. 
السبب الثاني هو العامل الروسي. فقد خلقت العلاقات البراغماتية والشخصية بين أردوغان والزعيم الروسي فلاديمير بوتين اتحادًا نادرًا وقلما نجد مثيله في العالم، بينما لا يوجد مجال تقريبًا يمكن أن يعمل فيه البلدان معًا وتتطابق مصالحهما. ولا شك أن روسيا تستغل أردوغان في ذلك الشأن بهدف ترسيخ جذورها في الشرق الأوسط، وخلق الانقسامات بين الدول الغربية، والاستفادة من كون تركيا دولة حيوية بالنسبة للغرب. 
السبب الثالث المهم هو أن الاتحاد الأوروبي بدأ في التذبذب في سياساته الخارجية بسبب عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والخلافات مع ترامب، إلى جانب فشله في صياغة سياسة خارجية مشتركة. فقد ظهرت عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على التحرك بدون الولايات المتحدة بصورة جلية من خلال عدم تمكنه من اتخاذ إجراءات صارمة ضد تركيا في القمتين الأخيرتين، هذا إلى جانب انتظار قادة الاتحاد أن يتولى الرئيس الجديد للولايات المتحدة "جو بايدن" مهام منصبه. 
وأخيرًا، الأضرار العميقة التي سببها فيروس كورونا، خاصة في الغرب. فالدول الغربية التي انشغلت داخليًا بأن تتجاوز تلك الأزمة دون أي مشاكل لم تستطع أن تقاوم بشكل كاف التحركات الصعبة التي تقوم بها قوى عالمية وإقليمية أخرى، وعلى رأسها تركيا وروسيا. 
كل هذه الأحداث جعلت أردوغان يهدد الدول الغربية، أحيانًا باللعب على ورقة اللاجئين وأحيانًا آخرى بالحساسيات الإقليمية. 
لكن هناك أيضًا بعض الأسباب التي تدفع أردوغان نحو السعي إلى ممارسة أنشطته في المنطقة: 
السبب الرئيسي بلا شك هو التخلص من الضغط الداخلي وتشتيت انتباه الشعب التركي نحو وجهات أخرى. فقد أدى تدهور الاقتصاد وزيادة الضغوط المعيشية والفساد والمحسوبية إلى زيادة ردود الأفعال تجاه أردوغان وحكومته. لذا فإن أردوغان دائمًا ما يذكر الأراضي العثمانية السابقة، تلك الجغرافيا التي كانت تنشط فيها تركيا، بهدف استفزاز وإثارة المشاعر القومية لدى الشعب التركي نحو تقديم الدعم للحكومة والسلطة بهذه الطريقة. 
السبب الثاني هو الفجوة الكبيرة في المنطقة وشهية أردوغان المفتوحة نحو احتلال بعض الدول التي لا تمتلك سلطة مركزية. فقد عززت استراتيجية الولايات المتحدة في الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط إلى جانب عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على سد هذه الفجوة من مطامع قوى أخرى مثل الصين وروسيا وإيران وتركيا تجاه المنطقة. وعلى وجه الخصوص، حاولت تركيا أن تأتي إلى مقدمة ذلك السباق مستغلة في ذلك العلاقات والروابط التاريخية مع دول المنطقة إلى جانب التقارب الديني والمذهبي. 
لكن في عام 2021؛ يبدو أن تركيا تنتظر عامًا أكثر صعوبة فيما يتعلق بسياساتها الخارجية: 
-بادئ ذي بدء، جرى انتخاب جو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية ليحل محل دونالد ترامب. وعلى عكس ترامب، الذي تغاضى عن جميع سياسات فرض الأمر الواقع التي انتهجها أردوغان، من المتوقع أن يسلك بايدن الأسلوب التقليدي في السياسة الخارجية الأمريكية. في هذه الحالة، لن يتمكن أردوغان من التواصل مع بايدن في أي وقت ولن يستطيع إملاء رغباته. 
- بالإضافة إلى ذلك، فإن حساسية بايدن تجاه حقوق الإنسان والديمقراطية لا يمكن مقارنتها بما كان ينتهجه ترامب في تلك الملفات. فـجو بايدن، الذي يُتَوَقَّع أنه سوف يعيد الهيكل والبناء المؤسسي من جديد في الولايات المتحدة الأمريكية، من الوارد جدًا أن يطرح سجل حقوق الإنسان في تركيا على الواجهة بصورة أكبر بكثير من السابق، إلى جانب فتح المجال أمام ملف "رضا زراب"، حبيس الأدراج المغلقة في أمريكا منذ سنوات، وكذلك ممارسة المزيد من الضغوط فيما يتعلق بموضوع صواريخ "إس -400"، والوقوف إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي في شرق المتوسط مع إظهار حساسية أكبر تجاه ملف الأكراد. أما في دول مثل سوريا وليبيا، فإن اتخاذه خطوات وفق السياسات ىالتي ستنتهجها روسيا بدلاً من التركيز بصورة أكبر على الضغط على أردوغان من شأنه أن يطلق العنان لتركيا. ومع ذلك، ولا سيما في حالة دعم بايدن جهود الأمم المتحدة في ليبيا، فإن استراتيجية تركيا في ليبيا ستدخل في حالة في الفراغ في ظل عدم وجود من يدعمها. وفي هذه الحالة ، من الصعب للغاية مواجهة الولايات المتحدة وأوروبا. 
- من المتوقع أيضًا أن يبدأ الاتحاد الأوروبي في اتباع سياسة خارجية أكثر نشاطًا مع بدء فترة بايدن من خلال حل الخلافات القائمة بين الاتحاد والولايات المتحدة مع تطوير سياسات من شأنها أن تخلق توازنًا في مواجهة نهج تركيا وروسيا في المنطقة. وفي هذه الحالة، يمكن أن يتدخل الاتحاد الأوروبي بصورة أكبر بشكل خاص في قضايا مثل ليبيا وشرق المتوسط. 
- ستكون روسيا بلا شك أهم قضية بالنسبة لتركيا. فحتى الآن، تستمر العلاقات بين البلدين على خيط حرير دون أدنى عوائق. ويتعاون البلدان، بناءً على استراتيجية مربحة للجانبين، في العديد من القضايا، خاصة ليبيا وسوريا وشرق المتوسط ​​وناغورنو كاراباخ، رغم أن أهدافهما متعارضة تمامًا. ومع ذلك، يمكن أن يتحول هذا التعاون إلى أزمة مع وقوع أدنى توتر بين الجانبين. وقد حدثت تجربة صغيرة لهذا في إدلب في فبراير من العام الماضي. وعلى الرغم من عدم قبول الدولتين بذلك على الصعيد الرسمي، إلا أن 36 جنديًا تركيًا على الأقل قد قُتِلُوا في هجوم نفذته الطائرات الروسية. بعد ذلك، طلب أردوغان المساعدة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وعندما لم تأت أي مساعدة منهم، تم نقل اللاجئين السوريين إلى الحدود اليونانية بواسطة الحافلات والمركبات في محاولة لجذب انتباه الغرب. 
- لا يريد كل من الغرب أو روسيا أن يخسروا تركيا. وعلى مدار العام، من المتوقع أن تستمر المنافسة بينهما على تركيا. لكن العقوبات القاسية أو ردود الفعل من الغرب قد تدفع أردوغان إلى الارتماء في أحضان روسيا حتى لو لم يكن يريد ذلك على الإطلاق. كما أن مثل هذا السيناريو قد يدفع أردوغان لإعادة استغلال ورقة اللاجئين للضغط على أوروبا. 
- أما إذا أدرات تركيا ظهرها لروسيا ورغبت في صناعة السلام مع الغرب مرة أخرى، فإن موسكو قد تبدأ حينها في الضغط على تركيا في كثير من المجالات من خلال إعادة فتح الملفات التي انتظرت كثيرًا على الرف من جديد، ولا سيما في سوريا وناغورنو كاراباخ. لا شك أيضًا أن محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016 تعد كذلك من أهم الملفات التي يمكن لروسيا استخدامها ضد أردوغان. وقاد اتصال بوتين بأردوغان والوقوف إلى جانبه بعد الانقلاب مباشرة إلى تصريحات وتعليقات من الكثيرين مفادها أن موسكو لديها كل التفاصيل حول خبايا ذلك الانقلاب المزعوم. إضافة إلى ذلك، يمكن فك الطلاسم الأخرى التي تدور حول الموضوعات التي طرحها أردوغان على طاولة المفاوضات من أجل البقاء في المعادلة السياسية في المنطقة، خاصة في سوريا وليبيا، هذا إلى جانب فضح الجوانب الخاصة بعائدات النفط التي يحصل عليها أردوغان وعائلته من داعش في سوريا. 
وختامًا، علينا التأكد أن أردوغان يعبث كيفما يشاء في المنطقة حتى الآن بسبب الظروف الإقليمية والأسماء الموجودة على رأس القوى العظمى. ومع ذلك، مع عهد بايدن، يمكن أن تتغير أشياء كثيرة في المنطقة وفي قضايا الفساد المعلقة في الولايات المتحدة. الأمر المؤكد هو أن التغييرات الجذرية التي ستحدث ستجعل مهمة أردوغان أكثر صعوبة مما هي عليه بالفعل الآن.