الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا لو انتهت الثورة السورية؟  

ماذا لو انتهت الثورة السورية؟  

15.07.2021
بسام يوسف


سوريا تي في 
الاربعاء 14/7/2021 
كثيرون هم الذين سوف يتبادر إلى ذهنهم القول بعد قراءة العنوان، بأن الثورة انتهت منذ زمن طويل، لا بل سيعيد آخرون مقولتهم القديمة بأنه لم تكن هناك ثورة أصلاً، وبالتالي فإن كل ما يلي هذا العنوان ليس له أي معنى.  
نحن إذا أمام ثلاثة آراء، رأي يرفض تسمية ما حدث على أنه ثورة أصلاً، ورأي يقول بحدوث الثورة وموتها لاحقاً ( مع الاختلاف على المرحلة التي ماتت فيها الثورة)، وأخيراً الرأي الثالث القائل بأن الثورة لم تمت.  
بناء عليه، وإذا أردنا الحديث عن اللحظة الراهنة، فإن بإمكاننا استبدال الآراء الثلاثة برأيين فقط. رأي يذهب إلى قراءة الواقع السوري بدلالة حالة القوى الدولية على الأرض السورية، مع إغفال تام للثورة وتجاهلها، ورأي آخر يقرأ بدلالة حالة القوى الدولية، لكنه يرى أن الثورة ما تزال ضمن القوى الفاعلة، بغض النظر عن مدى قدرتها على التأثير الآني.  
كلا الرأيين يتفقان على أن من يقرر المستقبل السوري هو الآخر، سواء الآخر الذي يملك أدواته وجيوشه وأتباعه فوق الجغرافيا السورية، أو من يمتلك القدرة على الفعل، حتى لو لم يكن له حضور مادي فوق الجغرافيا السورية، ولو تساهلنا قليلا في التصنيف فإن بإمكاننا القول: إن معظم السوريين ينقسمون بين هذين الرأيين.  
طالما أن معظم السوريين الآن متفقون على عجزهم، وأن الأمر أصبح بكامله بيد الأطراف الخارجية الفاعلة، فإنّه من الضروري عليهم - أي السوريين- أن يبحثوا عما تريده هذه الأطراف، طالما أن ما تقرره هذه الأطراف هو مصيرهم، ومصير وطنهم، ومستقبلهم.  
حتى اللحظة يبدو المجتمع الدولي غير مبالٍ بمستقبل السوريين، كشعب له الحق في تقرير مصيره، وتؤكّد وقائع السنوات العشر الماضية أن الصراع في سوريا ما كان له أن يصل إلى هذا الاستعصاء القاتل، لو أن مصير السوريين ومستقبلهم كان حاضراً لدى أي من هذه الأطراف، وبالتالي فإن السوريين الآن ليسوا أكثر من حشد بشري مشتت ومنتهك وضعيف، ينتظر أن يقرر الآخرون مصيره، ومصير الجغرافيا التي كانت وطنه.  
برأيي، يُكثّف الرأي التالي للدبلوماسي الهولندي المعروف "نيقولاس فان دام"، في محاضرة ألقاها مؤخراً (البراغماتية الدولية حيال سوريا)، حين يقول:  
لولا التدخل العسكري الأجنبي، لكان النظام على الأرجح سيضيّق الخناق على قوى المعارضة بنفس القسوة التي مارسها، لكن عدد الضحايا سيكون أقل بكثير، ربما قُتل ما بين 10000 إلى 50000 سوري، ومن المؤكد أن عدد اللاجئين سيكون أقل، وكان من الممكن أن تنجو البلاد من هذا الدمار الواسع النطاق، كان من الأفضل أن يبقى نظام الأسد في السلطة مع سقوط من 10000 إلى 50000 قتيل، بدلاً من أن يخوض أكثر من عشر سنوات من الحرب مع سقوط أكثر من 500 ألف قتيل، والبلاد في حالة خراب، و10 ملايين لاجئ، وما زال الأسد في السلطة."  
ورغم الصدمة التي يسببها لك كـ"سوري" هذا الرأي، ورغم المقارنة المعيبة في عدد الضحايا، والتي تجعل من السوريين مجرد أرقام، وليسوا شعباً له كامل الحق في إنشاء دولته التي تحفظ حقوقه وكرامته ومستقبله، فإنك مضطر لتقبل هذه الحقيقة المرّة، والاعتراف بما تجاهلته طويلاً، وهو أن المجتمع الدولي لن ينصرك كشعب، ولن ينصر حقوقك، وما يبحث عنه هو مصالحه فقط.  
على ضوء رؤية المجتمع الدولي للحدث السوري، وفي ظل هذه الهشاشة والضعف البالغين تتنافس أطراف سورية عدة لتوظيفها من قبل هذا الطرف الخارجي أو ذاك، وبالمقابل يحاول كل طرف خارجي تعزيز إمكانات من يتبع له، وتقويته كأداة لا غنى عنها في صراعه مع الأطراف الخارجية الأخرى، بدءاً من بشار الأسد الذي تعتمده روسيا وإيران أداتهما الأساسية في حماية مصالحهما، مروراً بقوى الأمر الواقع الموجودة في إدلب أو الجزيرة السورية، أو غيرها والتي تتبع لهذا الطرف أو ذاك ، وانتهاء بالهياكل السياسية التي تدعي تمثيلها للمعارضة السورية.  
كل الأطراف السورية ( العسكرية، والسياسية) بلا استثناء، تعمل على إرضاء من تتبع له، كي تبقى حاضرة في المشهد السوري، وبالتالي فإنها تعمل بدلالة رضى الأطراف الدولية، وليس بدلالة المصلحة السورية، وبالطبع فإن "النظام" يستغل هشاشة كل السوريين سواء من هم تحت سيطرته أو خارج سيطرته،  ليبدو الطرف الأكثر تماسكاً وقوة من بين المتقدمين، والأقدر على بيع السوريين ومصالحهم، ومصيرهم لخدمة مصالح الأطراف الخارجية، متوقعاً أن هذا سيرغم المجتمع الدولي على إعادة اعتماده وتوظيفه.  
إلى هذا الحد من القتامة يبدو المشهد السوري، وكل ما فيه يدعو لليأس، وتبدو سوريا بكل محدداتها وتعريفاتها المقرّة دولياً على حافة انهيار عام قد يودي بها إلى صيغة جديدة تنوس بين حدين أحلاهما مرّ، حد التقسيم، وحد البلد المفكك إلى مناطق تخضع كل منطقة فيه لنفوذ طرف دولي.  
رغم كل هذا اليأس، وهذا السواد الذي يغطي المشهد الراهن للحالة السورية، فإنه ما يزال بالإمكان إبعاد سورية عن هذا المنزلق الخطير، ولكي لا يبدو الأمر مجرد أمنية ليس لها ما يعززها في الواقع، فإن الانتقال ولو لخطوة واحدة من حالة الانتظار المستسلم إلى حالة الرأي المعلن من شأنه أن يفتح بوابة الانتقال من الانفعال إلى الفعل.  
في عام 1918م، انتهت الحرب العالمية الأولى، كانت مصر تحت الاحتلال البريطاني، ولم يكن هناك صوت للشعب المصري في المحافل الدولية، وكانت شريحة واسعة من النخب المصرية متحالفة مع الاحتلال، وتعمل تحت مظلته، فخطرت للزعيم سعد زغلول فكرة تأليف وفد مصري للمطالبة باستقلال مصر، وقام بدعوة عدد من الشخصيات المصرية إلى مكان سري، واقترح عليهم تشكيل وفد مصري، كان هدفه حينئذ إيصال صوت المصريين المطالبين باستقلال وطنهم إلى المحافل الدولية.  
تلك الخطوة التي قام بها سعد زغلول، أدّت بعد فترة قصيرة إلى تشكيل حزب الوفد المصري الذي التف حوله المصريون، فلعب دوراً بالغ الأهمية في تاريخ مصر واستقلالها.   
وحدهم الآن السوريون الذين ثاروا على النظام، ويوجدون خارج سيطرته، هم الأقدر على إحداث هذه الخطوة، وبالتالي فهم المطالبون بها أولاً، وهذا الرأي ليس اتهاماً للسوريين الخاضعين لسيطرة النظام، إنه اعتراف باختلاف ظروف كل طرف، واعتراف بتفاوت القدرة على الفعل أيضاً، فهل تتقدم مجموعة من السوريين في هذه المرحلة الحرجة، لتقود اللحظة خارج أي حساب إلا حساب إنقاذ سوريا؟   
هل تلهم خطوة سعد زغلول بعض السوريين للمبادرة إلى فعل ما، بطريقة ما، تتناسب مع وقائع اللحظة الراهنة؟