الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا لو انتصر داعش في سورية؟

ماذا لو انتصر داعش في سورية؟

23.02.2016
علي ناجي الرعوي



الرياض
الاثنين 22/2/2016
    من يقف بشكل موضوعي على الجزء الأول من الاتفاق الذي خرج به لقاء ميونيخ نهاية الأسبوع الماضي بشأن وقف إطلاق النار في سورية بهدف إحياء مفاوضات السلام ووقف نزوح المدنيين وإيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة يدرك تماماً أن ما انتهت إليه الأطراف الدولية في قاعة فندق (هيلتون بارك) من تصورات على الورق ليس من السهولة ترجمته على أرض الواقع مما يجعل فرص نجاح هذا الاتفاق تبدو محدودة جداً لاعتبارات كثيرة ومتعددة أولها: ان لكل طرف قراءاته الخاصة لذلك الاتفاق وهو ما تجلى واضحاً في التطورات التي أعقبت هذا الاتفاق ومن ذلك المناورات الروسية في كسب الوقت وإعلان الأسد في مقابلته الأخيرة مع وكالة الأنباء الفرنسية: ان الذهاب إلى المفاوضات لا يعني بأي حال من الأحوال إيقاف ما أسماه الحرب على الإرهاب.
فيما يأتي العامل الثاني الذي يضعف من صمود هذا الاتفاق هو خلوه كلياً من أي حديث عن وقف القصف والغارات الروسية التي تستهدف قوى المعارضة السورية وهو ما يمنح روسيا وحلفاءها إيران وحزب الله فرصة المضي في تغيير المعادلة على الأرض لصالح نظام الأسد والتنظيمات الإرهابية وفي الصدارة منها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مستفيدة من ضعف الرئيس أوباما الذي دخل سنته الأخيرة من ولايته الثانية وكذا الانكفاء الأوروبي حيال أهداف الكرملين المعلنة وغير المعلنة في سورية والانتهاكات التي تقترفها طائراته بحق المدنيين كما هو الحال في مدينة حلب الخالية تماماً من الدواعش والتنظيمات الإرهابية ومع ذلك فقد تواصلت ضربات التدمير لهذه المدينة فيما المناطق التي يحكمها (داعش) أو التي يتعاظم فيها خطر الإرهاب ظلت في منأى عن الحملة الروسية العسكرية وكذا مليشيات النظام التي تعمل على بعثرة مفاهيم الحرب والسلام تحت سمع وبصر العالم كله الذي لاشك وان دوله الكبرى هي من تمارس النفاق السياسي بكل فجاجة رغم علمها أن روسيا لم ترسل طائراتها وأساطيلها الحربية إلى الشرق الأوسط لكي تحافظ على السلام والاستقرار في سورية أو لكي توقف الدم السوري الذي يراق يومياً أو من أجل محاربة (داعش) والقضاء على الإرهاب في هذا البلد.
لا أحد يجهل أن الرهانات المتناقضة حول سورية وعليها قد تكشفت أكثر في اتفاق ميونيخ ليس من حيث العقبات الحقيقية التي يمكن أن تضعف احتمالات الوصول إلى تسوية سياسية قابلة للديمومة والاستدامة ولا من حيث تباين الأطراف حول القضايا الخلافية التي سوف تكون محور التفاوض على غرار تمسك المعارضة بتنحي بشار الأسد كشرط أساسي لإنجاح أي مفاوضات قادمة ولكن الأنكى من ذلك هو في القول ان الدخول الروسي على تفاعلات الأزمة السورية هو من أجل محاربة الإرهاب على اعتبار ان مثل هذه الذريعة لم تعد تنطلي على أحد بعد أن احترق قناعها وظهر ما تحتها وبرهنت الوقائع بلغة تقريرية صافية أن القوة العسكرية الروسية لم تأت إلى سورية لكسر شوكة الإرهابيين والدواعش وإنما لتعزيز سيطرتهم على هذا البلد لكون ذلك هو من سيضمن لروسيا وإيران وحزب الله فرض نفوذهم على مقدرات الشعب السوري واستخدام داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية الشاذة لزعزعة أمن واستقرار دول المنطقة وابتزازها وهو ما قد يؤدي إلى تزايد احتمالات انتشار الإرهاب والتطرف وخلخلة حالة الاستقرار السياسي والاجتماعي وإغراق هذه المنطقة في صراعات مذهبية وطائفية مدمرة.
لم يعد مقبولاً ولا معقولاً ولا منطقياً أن نربط بين الحملة الروسية العسكرية في سورية وبين الحرب الدولية على الإرهاب بعد أن أثبتت الدلائل على أن التدخل الروسي قد جاء متماهياً مع الدور الإيراني المتصاعد في سورية وهو الدور الذي برزت ملامحه في إصرار طهران على القتال إلى جانب نظام الأسد من خلال الحرس الثوري وبعض المليشيات الشيعية التي أتت من بغداد وأفغانستان بغية الإبقاء على هذا النظام في الحكم لا لشيء إلا لأنه (علوي) وخشية من استيلاء الغالبية السنية على مفاصل السلطة في سورية وكسر الطوق المذهبي الذي تحاول إيران تكريسه عن طريق الأقليات الشيعية في البلدان العربية لاعتقادها أن ذلك هو من سيهيئ لها فرض نفوذها على المنطقة بأكملها.
وفي المجمل فإن المشهد في سورية يندفع لحدث أكبر كنتيجة عملية لتراجع الدور الأميركي في المنطقة والمواقف الأوروبية الرمادية التي مازالت تظن أن بوسعها تجيير السياسات المضطربة لصالحها وهو ما يعيد التأكيد على أن ما كان محل رهانات على تفاهم أميركي روسي يضغط في اتجاه حل سياسي في سورية صار موضع خلاف عميق أسقط احتمالات الحوار بين النظام والمعارضة والقضاء على داعش وما لم تسارع واشنطن والدول الكبرى إلى تصحيح هذا الخلل فإن التطرف والتطرف المضاد سيزداد اشتعالاً مما يجعل البعض يطرح اليوم سؤالاً مفتوحاً: كيف لو انتصر (داعش) في سورية تحت الغطاء الروسي والإيراني وملمسه الأميركي؟ وكيف ستكون عواقب هذا الخطر الوخيم على العالم؟