الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا تخشى تركيا حقبة الإدارة الأمريكية القادمة؟ 

ماذا تخشى تركيا حقبة الإدارة الأمريكية القادمة؟ 

14.11.2020
مركز الفرات للدراسات



الخميس 12/11/2020 
أحياناً تكون الفترة الفاصلة بين تغيير الرؤساء الأمريكيين، مصدر قلق لرؤساء دول أخرى، فيحاول الأخير كسب المتوقع نجاحه مع اقتراب هزيمة حليفه، لأن العلاقات الشخصية بين الرؤساء، باتت تلعب الدور الأكبر في تغيير استراتيجيات الدول، وهذا ما يحصل الآن في تركيا، يبدو أن هزيمة “ترامب” ستشكل المعضلة الأكبر لها؛ أكثر من غيرها، كونها من الدول التي تابعت الانتخابات الأمريكية عن كثب، نتيجة علاقاتها المترنحة بشكل كبير مع القوى العظمى. فعلى عكس ما نشرته العديد من القنوات، وخاصة المنحازة لتركيا، بأنه مع اقتراب فوز “بايدن” تزداد مخاوف العديد من الدول، دون ذكر تركيا، فهذا يؤيد فرضية أن مستنقع الأخير أكبر؛ لتجاهل هذه القنوات على الأقل تصريحات “بايدن” الهجومية سابقاً ضد تركيا، وخاصة على رئيسها “أردوغان” ففي الوقت الذي كان يصفه “ترامب” “بالرجل العظيم”، وصفه “بادين” بــ “المستبد” وإن هدفه الإطاحة به، وجعل تركيا تدفع ثمن ما فعلته حتى اليوم؛ فتركيا كانت في مرمى هجوم “بايدن”؛ أكثر من الدول التي تحدثت عنها تلك القنوات واستبعدت تركيا، فتجاهلها لتركيا يرجح أن المصيبة أكبر عليها من الباقي في حقبة الإدارة الأمريكية القادمة لأسباب كثيرة، نذكر أهمها: 
من التلويح بالعقوبات إلى تنفيذها 
إن تسليم عصا الرئاسة الأمريكية إلى “بايدن” سيعيد إلى الواجهة، قضية العقوبات ضد تركيا، التي فُرضت في إدارة “ترامب” بعد شرائها لمنظومة الدفاع الجوي الروسية S-400، فبالرغم من تهديدها بفرض عقوبات على تركيا لشرائها هذه المنظومة، إلا إنها رفضت أن تكون هذه العقوبات إلزامية، لكن مع إدارة “بايدن” يبدو أن الظروف ستتغير؛ بما لا يخدم مصالح تركيا، وستؤدي لتنشيط هذه العقوبات بشكل فعلي؛ فالكونغرس لا يزال عنيداً، ويحظى بدعم الحزبين لإجراءات عقابية ضد تركيا، إزاء قلقه من منظومة الصواريخ الروسية، التي تهدد دفاعاتها. ولا يزال متمسكاً بإخراج تركيا من برنامج تطوير الطائرة المقاتلة F 35، واتخاذ مثل هذه الإجراءات العقابية ستكون نتائجها كارثية على تركيا، وخاصة من الناحية الاقتصادية، إذا خرجت من نطاق التصريحات إلى نطاق الأفعال. خاصة عند التحول لفرض عقوبات على بنك “خلق” التركي المحسوب على الرئيس التركي “اردوغان” بسبب تورطها في مخطط يهدف إلى التحايل على العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران بين العامين 2011 و2016. حيث سقطت تلك الاتهامات في ظل إدارة “ترامب”. الأمر الذي سيواجهه البنك الآن بغرامات تصل لمليارات الدولارات في حال ثبت إدانته. 
كما أن الخيارات التي يمتلكها الاتحاد الاوروبي ضد تركيا، يجعله يصبح لاعباً حازماً في التعامل مع تركيا؛ لتعويض ما تم من اضطرابات أثناء التناغم بينها والولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب، فهي الآن مستعدة وبقوة لفرض عقوبات اشد على أنقرة، وبمتابعة من القيادة الأمريكية القادمة. 
نهاية الرومانس الأوتوقراطي 
عند النظر إلى العلاقة الشخصية التي كانت قائمة بين الرئيس الأمريكي – المنتهية ولايته – “ترامب” والرئيس التركي “أردوغان”، يلاحظ أنها شكلت حاجزاً بين حالة واشنطن المضطربة نتيجة تفرد رئيسها المنتهية ولايته بقراراته، وحالة تركيا المتحدية، مستغلةً تلك القرارات، بحكم العلاقة الشخصية التي كانت تربط بين الرئيسين، وهي علاقة لا يتوقع تكرارها مع الرئيس الأمريكي المنتخب “بايدن”، الذي يبدو أنه يعطي الأولوية للطابع المؤسساتي في علاقاته، على عكس “ترامب”، الذي كان يضفي الطابع الشخصي في علاقاته. 
فما يثير مخاوف تركيا من فوز “بايدن”، بشكل أكثر هي نهاية العلاقة الشخصية؛ التي كانت تجمع رئيسها مع “ترامب”، والتي تطورت لعطايا لا تقدر على الجانب التركي، فبحسب بعض التقارير؛ فإن الرئيس التركي كان يتحدث مع “ترامب” مرة شهرياً، وبامتلاكه لخط مباشر مع الأخير كان يتمكن من تجاوز من هم أدنى درجة من الرئيس، ممن كانوا يحذرونه باستمرار بشأن مخاوفهم من سلوك تركيا، وجيشها، ومنظومات الصواريخ الروسية. 
فوجود “ترامب” كرئيس للولايات المتحدة واليد العليا؛ كان بمثابة جدار دفاعي للرئيس التركي “اردوغان” لتنفيذ مخططاته، ضد المعارضين على سياساته في الكونغرس والبنتاغون، ومراكز القرار الأخرى. 
كما إن تصريحات “ترامب” كانت بمثابة تنفيس للرئيس التركي “اردوغان” لتبرير أزماته، فكل تغريدة للأول، كانت تمنح فرصة للأخير، لإلقاء اللوم في أي أزمة تمر بها بلاده على الولايات المتحدة. بالإضافة لافتعال بعض الأمور، لتبدو على أنها مشاكل بين الاثنين، كإزالة اسم “ترامب” على أبراج وانفاق في اسطنبول، إلا إنها كانت تتم بموافقة الإدارة الأمريكية حينها. 
إلا إن الإدارة الأمريكية القادمة، يبدو أنها ستحمل وجهات نظر معاكسة، ولا تنفع تصرفات تركيا السابقة معها. فمع وصول “بايدن” للرئاسة الأمريكية، من المستبعد أن يحظى “اردوغان” بتلك المعاملة التي اعتاد عليها مع سابقه. فأصبح يميل لكسب الرئيس المنتخب على أن يحظى بنفس المعاملة التي كان عليها مع “ترامب”، ففي 6 نوفمبر 2020 وقبل انتهاء الانتخابات الأمريكية؛ صرّح وزير الخارجية التركي “جاويش اوغلو” أن للأفراد تأثير إيجابي وسلبي، فالصداقة المخلصة استمرت بين رئيسنا والسيد ترامب في أصعب الأوقات”، بالإضافة إلى مواصلة نهجها المخلص لتحسين علاقتها مع الولايات المتحدة بغض النظر عمن سيشغل المنصب في الولايات المتحدة. لكن من المرجح أن تسوء الأمور قبل أن تتحسن فبدون درعها “ترامب” تشعر أنقرة بالقلق من الكونغرس الأمريكي الغاضب، الذي سيُطلق يده بحرية أكثر في فرض عقوبات عليها. وخاصة أنه كان يهدد سابقاً استيائه من “الرومانس الأوتوقراطي” بين “ترامب واردوغان” لكن دون جدوى؛ نتيجة سلبية الأول تجاه أي تحرك لهم ضد تركيا. 
أزمات غير قابلة للإنقاذ 
وهي أزمات تعززت في ظل ادارة “ترامب”، فقد أشار “ستيف كوك” من مجلس العلاقات الخارجية حول الشرق الأوسط، والخبير في الشؤون التركية، في مقابلة لـــ CNN في 19 أغسطس 2018؛ أنه هناك العديد من الأمور تظهر نهاية العلاقات الأمريكية التركية، فالمصالح والأولويات لكلتيهما أصبحت مختلفة، وخاصة مع تقويض الأتراك حملة الولايات المتحدة ضد داعش، وتطوير علاقتهم مع الروس، ومساعدة إيران في تفادي العقوبات. 
فالشراكة التركية مع روسيا وإيران في سوريا، تتعارض مع سياسة الولايات المتحدة التي تغاضت عنها في ظل إدارة “ترامب”؛ ونظراً لتركيز أولويات “بايدن” على “روسيا وإيران” وتعزيز الالتزام بتحالفات متعددة الأطراف، وخاصة الناتو؛ ففرص أنقرة لإصلاح علاقاتها مع واشنطن، ستعتمد على سبيل توافق سياساتها مع ما سبق. 
لذا فاستراتيجية الإدارة الأمريكية القادمة ستعطي الأولوية لتطوير علاقاتها مع الحلفاء. فلا سبيل أمام تركيا إلا أن تنضم لهذا الحلف، وتشكيل كتلة موحدة ضد روسيا، وهي جهود من شأنها ستقوض المصالح والصفقات بين تركيا وروسيا، وربما تغير المعادلة التي تعول عليها تركيا في جبهات كثيرة، وخاصة في سوريا وليبيا والقوقاز، لذا فالسيناريو الأسوأ لتركيا هي منع الولايات المتحدة لها باستمرار سياستها مع روسيا. 
التعاطف مع الكرد 
مع فوز “بايدن” في الانتخابات الأمريكية، ازدادت التوقعات بسياسة متجددة للولايات المتحدة، ويرى البعض أن للكرد؛ وخاصة في شمال وشرق سوريا، نصيب إيجابي من هذه السياسة، فخلال خمسة عشر عاماً أظهر “بايدن”، كأكثر ديمقراطي في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ اهتماماً خاصاً بالكرد، وهو أمر أثار مخاوف أنقرة بشكل أكبر، نتيجة التعاطف الذي كان يبديه الرئيس الأمريكي المنتخب مع الكرد في سوريا والعراق منها، ومن مواقف بايدن تجاه القضية الكردية: 
اقتراحه سابقاً لأفكار تساعد في خلق تأسيس دولة كردية بجوار تركيا، ففي مايو 2006 عندما كان عضواً بمجلس الشيوخ؛ نشر مقالة في صحيفة نيويورك تايمز يدعو فيها إلى تقسيم العراق إلى ثلاث ولايات على أسس طائفية وعرقية، على أن يكون قسم تحت حكم الكرد؛ الأمر الذي رأته أنقرة خطير ويمثل انتهاكاً لحرمتها، خاصة في ظل عدائيتها للكرد. 
تنديده بالخيانة التي تعرضت لها القوات الكردية، مع إدارة “ترامب”، التي مهدت الطريق لتركيا لتنفيذ هجومها في اكتوبر 2019.هجومه الإعلامي المتكرر ضد تركيا بما يتعلق بالكرد، ففي صحيفة نيويورك تايمز في ديسمبر 2019، أكد بأنه سيكون أكثر صرامة مع الرئيس التركي في هذه القضية؛ بقوله “آخر شيء كنت سأفعله هو التنازل له فيما يتعلق بالكرد، آخر شيء على الاطلاق”. وكذلك تصريحاته عندما كان نائباً للرئيس أوباما عام 2014، اتهم فيها تركيا بالتعاون مع تنظيم داعش الارهابي، وأن تركيا؛ وحلفاء آخرون للولايات المتحدة، ضخوا مئات الملايين من الأموال؛ وأطنان من الأسلحة للجهاديين في سوريا. بالإضافة إلى رفضه لتسمية وحدات حماية الشعب على أنها جماعة إرهابية. 
ربما كل ما سبق؛ يجعلها سبباً كاف لإقناع “اردوغان” حول تعاطف “بايدن” تجاه الكرد ومعاداته له. على عكس “ترامب” حيث إن حدود دعم واشنطن للكرد في سوريا أو العراق بدت واضحة أثناء حكمه؛ فالهجوم الذي نفذته بغداد على كركوك؛ بعد إجراء استفتاء استقلال كردستان، لم يبد أي موقف حيال ذلك، بالإضافة إلى موقفه ورده السلبي تجاه كرد سوريا، أكبر حلفائه ضد تنظيم داعش، بقرار انسحابه من شمال وشرق سوريا؛ وتمهيد الطريق لغزو تركيا لها؛ في الوقت الذي أدان فيه “بايدن” موقف “ترامب” بأنه باع قوات سوريا الديمقراطية، الشجعان الذين قاتلوا معنا لخلافة داعش، والحليف المحلي الرئيسي ضد الإرهاب” بالإضافة إلى أسفه لغياب الوجود الأمريكي في سوريا والتخلي عن الكرد. 
في الختام يمكن القول إن العلاقة بين البلدين من المرجح جداً أن تأخذ منحى سلبي في ظل الإدارة الأمريكية القادمة، فالأولويات مختلفة بين البلدين، كما أن نهج الرئيس الأمريكي المنتخب يختلف عن سلفه، الذي كان يمهد الطريق أمام تركيا في المنطقة، فاتفاق “الصفقات” السابقة رغم تقاطع المصالح لم تعد كما كانت من قبل، فالدبلوماسية الشخصية للرئيس الأمريكي الجديد تختلف عن سابقه؛ ولا تتوافق مع مزاجية “اردوغان”، فالعلاقة ستبدأ في دوامة الهبوط، ما لم يقدم الأخير لسياسة متقاربة مع الإدارة الأمريكية القادمة، بما يتعلق بصفقات مع خصومها كالروس، وتغيير مسار عدائيتها لحلفاء واشنطن في سوريا، والتي ربما تعطي إشارة لنهج مرن من قبل تركيا في التعامل مع الإدارة الأمريكية القادمة.