الرئيسة \  تقارير  \  ماذا بعد قمة الاتحاد الأوروبي وغرب البلقان؟ (تحليل)

ماذا بعد قمة الاتحاد الأوروبي وغرب البلقان؟ (تحليل)

11.10.2021
عبد الوهاب أيوبي


إسطنبول/عبد الوهاب أيوبي/الأناضول
-مصداقية الاتحاد الأوروبي كشريك في المنطقة أصبحت على المحك، وسيكون لهذا عواقب استراتيجية على المنطقة والاتحاد، ما سيؤدي إلى نشوء فراغ يمكن أن تملأه الصين وروسيا بسهولة
-طالما استمرت دول الاتحاد الأوروبي في العمل ضد بعضها البعض بهذه الطريقة، فلا يمكن أن يكون هناك "استقلال ذاتي استراتيجي"، ولن تتمكن مؤتمرات القمم ولا القرارات من تغير ذلك..
شهدت القمة السنوية للاتحاد الأوروبي وغرب البلقان، التي نظمت الأربعاء، بمدينة بردو في سلوفينيا، غداء وصور عائلية وابتسامات وكل الروتين المعتاد، دون اتخاذ قرار أو إحراز تقدم بشأن التوسع في الاتحاد.
وكتب جاك ديلور، الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية، أن "أوروبا مثل الدراجة التي يجب أن تستمر في الحركة دائمًا"، لأنها إذا توقفت تسقط.
وبالنظر إلى الاتحاد الأوروبي اليوم، يميل المرء إلى مقارنته بالدراجة التي أزيلت عجلاتها لاستبدال الإطارات، ولكن لا يبدو أن أحدًا حريص على إصلاحها، كان هذا الموقف واضحًا خلال القمة غير الرسمية للاتحاد الأوروبي وغرب البلقان التي عقدت الأربعاء في بردو.
وسلطت القمة الضوء على انقسام واضح بين المفوضية الأوروبية، بقيادة الألمانية أورسولا فون دير لاين، التي كانت تؤيد بوضوح توسيع الاتحاد، وبين المجلس الأوروبي، برئاسة الفرنسي تشارلز ميشيل، الذي أبدى تحفظات واضحة بشأن توسيع الاتحاد الأوروبي.
وقال ميشيل بوضوح إنه ليس سراً أن الدول الأعضاء الـ27 لم تكن على نفس الرأي حول قدرة الكتلة على قبول أعضاء جدد.
بينما تؤيد "لاين" انضمام أعضاء جدد، ولكن ليس في الوقت الحالي، وليس حتى عام 2030 - كما اقترحته سلوفينيا - ولكن "عند استيفاء جميع الشروط".
بالطبع، لم يكن لدى الاتحاد الأوروبي تجارب إيجابية فيما يتعلق بتوسيعه باتجاه الشرق الذي حدث مع رومانيا وبلغاريا، أو مع مجموعة فيشغراد، المعروفة أيضًا باسم دول (V4)؛ والتي تضم المجر وبولندا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك.
ودول (V4) هو تحالف غير رسمي داخل الاتحاد الأوروبي يعارض الديمقراطية الليبرالية في الغرب، ويدعم النضال من أجل أوروبا مسيحية، ويعارض الانحطاط المفترض للغرب، والهجرة، والتعددية الثقافية، وأموراً أخرى.
ولوضع الأمور في نطاقها الصحيح؛ يبلغ عدد سكان دول غرب البلقان الست - مونتينيغرو، وصربيا، ومقدونيا الشمالية، وألبانيا، وكوسوفو، والبوسنة والهرسك - أقل من 18 مليون نسمة، بما يعادل تقريبًا مساحة شمال الراين - وستفاليا (ألمانيا).
كما أن مجموع الناتج المحلي الإجمالي لدول غرب البلقان مماثل للناتج المحلي الإجمالي لسلوفاكيا. هذه الأرقام لا تشير إلى شيء كبير يمكن أن يسبب مشاكل لأوروبا.
وبغض النظر عن تردد الاتحاد الأوروبي، فإن دول غرب البلقان على خلاف مع بعضها البعض، مثل صربيا وكوسوفو، ناهيك عن تفشي الفساد والجريمة في معظم أنحاء المنطقة.
علاوة على ذلك، هناك مخاوف داخل الاتحاد الأوروبي بشأن بعض هذه البلدان. فإسبانيا، على سبيل المثال، ترفض الاعتراف بكوسوفو لأنها ترى وجود صلة مباشرة بين حالة كوسوفو وحالة الشعب الكتالوني والباسك.
كما أن بلغاريا متورطة في نزاع لغوي مع مقدونيا الشمالية، التي اضطرت إلى تغيير اسمها السابق "مقدونيا" بسبب الحساسية اليونانية لتتمكن من بدء محادثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
أيضا لا تريد هولندا لأعضاء العصابة الألبانية، التي تسيطر حاليًا على تجارة المخدرات في البلاد، أن يتمكنوا من السفر والبقاء هناك.
ألمانيا منزعجة أيضاً من طالبي اللجوء اليائسين، وكذلك أولئك الذين يأتون كزوار ولا يغادرون، كما ترى فرنسا أن المنطقة تعرقل "الاستقلال الذاتي الاستراتيجي" المنشود لأوروبا.
باختصار، يواصل الاتحاد الأوروبي المماطلة بخصوص البلدان المذكورة إلى أجل غير مسمى، بينما يقدم، من ناحية، قائمة من المطالب بشأن قضايا مثل الديمقراطية وسيادة القانون ومحاربة الفساد وما إلى ذلك، ومن ناحية أخرى، يعزر برامج الاستثمارات والبنية التحتية.
في الواقع، يسعى الاتحاد الأوروبي في المقام الأول إلى تهدئة الطبقة السياسية في المنطقة والحفاظ عليها، والتي أصبحت غير راغبة بشكل متزايد في أن يقودها الاتحاد، خاصة أن الصين لا ترغب في تقديم تمويل سياسي غير مشروط.
تستثمر الصين بالفعل المليارات في غرب البلقان، وخاصة في صربيا، أكبر دولة في المنطقة والتي يبلغ عدد سكانها سبعة ملايين. علاوة على ذلك، تسعى الصين إلى التأثير الثقافي من خلال معاهد كونفوشيوس والمراكز الثقافية ووسائل الإعلام، فضلاً عن برامج التعاون والتبادل مع الجامعات الخاصة في المنطقة.
من ناحية أخرى، يفتقر الاتحاد الأوروبي إلى الإرادة السياسية لمنع دول غرب البلقان من الانزلاق اقتصاديًا، وربما سياسيًا، إلى مجال نفوذ الصين.
وهذا ما يوضحه إيمانويل ماكرون، الذي يرى "الاستقلال الذاتي الاستراتيجي" في التقاليد الديغولية كنوع من المسافات المتساوية بين الصين وأمريكا، فضلاً عن كونه فرصة لمنح فرنسا مكانة أكبر باعتبارها القوة النووية الوحيدة في الاتحاد الأوروبي.
كما سعت أنجيلا ميركل إلى تحقيق أهداف أكثر واقعية مثل عدم تعريض بيع السيارات الألمانية في الصين للخطر.
مصداقية الاتحاد الأوروبي كشريك في المنطقة أصبحت على المحك، مما سيكون له عواقب استراتيجية على كل من المنطقة والاتحاد، وسيؤدي إلى نشوء فراغ يمكن أن تملأه الصين وروسيا بسهولة.
تستغل روسيا أخطاء الاتحاد الأوروبي، الذي انتهج سياسة "الاسترضاء" لسنوات لإرضاء النخب السياسية الفاسدة في غرب البلقان. فمن خلال أخطاء فادحة مثل سياسة التطعيم الفاشلة في الاتحاد الأوروبي، تمكنت موسكو من ترسيخ نفسها كلاعب فاعل في أوقات الأزمات.
ويعد الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، أهم رابط لبوتين في المنطقة، حيث يستخدم علاقته الجيدة معه ليس فقط لتزويد السكان الصرب باللقاحات، ولكن أيضًا لتوزيع اللقاح على السياح القادمين من البلدان المجاورة، ولهذا اكتسب لقاح سبوتنيك الروسي أهمية جيو استراتيجية.
وبدلاً من مواجهة الصين وروسيا، تسعى دول الاتحاد الأوروبي بشكل فردي إلى تحقيق أهداف سياستها الخارجية والأمنية قصيرة النظر.
ففي 28 سبتمبر/أيلول، أعلنت فرنسا واليونان عن "تحالف دفاعي استراتيجي" في باريس. فالدولتان ليستا فقط أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وملزمتان بموجب معاهدة لشبونة بالوقوف إلى جانب بعضهما البعض في حالة وقوع هجوم مسلح، ولكن أيضًا أعضاء في الناتو، مثل تركيا، التي تم تشكيل التحالف الجديد ضدها، والتي لا تزال مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي مثل دول البلقان الأخرى.
وطالما استمرت دول الاتحاد الأوروبي في العمل ضد بعضها البعض بهذه الطريقة، فلا يمكن أن يكون هناك "استقلال ذاتي استراتيجي"، ولن تتمكن مؤتمرات القمم ولا القرارات من تغير ذلك.
ستستمر الدراجة في هذه الأثناء في البقاء بدون إطارات، مع عدم وجود إصلاحات محتملة في المستقبل المنظور.