الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مؤتمر دمشق حول الإتجار بالنازحين 

مؤتمر دمشق حول الإتجار بالنازحين 

12.11.2020
فارس خشان


النهار العربي 
باريس
الاربعاء 11/11/2020 
 تغيب عن "المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين" الذي ينعقد، اليوم وغداً، في دمشق برعاية روسية، غالبية دول العالم وأكثرها سخاء وأهمّها تأثيراً، بدءاً بالولايات المتحدة الأميركية وكندا، مروراً بالإتحاد الأوروبي وبريطانيا، وصولاً الى المملكة العربية السعودية وتركيا. 
ويفتقد هذا المؤتمر الذي بدأت موسكو العمل من أجله في العام 2018 وزخّمته، في الشهر الماضي، للأسس الواجب توافرها، فالنظام السوري لم يتقدّم في بلورة حل سياسي، ولم يغيّر حرفاً واحداً في "برنامج الطغيان" الذي يمارسه ضد المختلفين معه، ويقع عاجزاً تحت وطأة أزمة مالية-اقتصادية تزيدها تعقيداً العقوبات على أنواعها، وأصعبها تلك المفروضة تحت راية "قانون قيصر". 
ولكنّ المعنيين باللاجئين السوريين الذين وصل تعدادهم في الدول المجاورة لسوريا الى ستة ملايين ونصف مليون نازح، وفق أرقام موسكو (خمسة ملايين ونصف المليون وفق أرقام الأمم المتحدة)، على يقين بأنّ هذا المؤتمر لا يهدف، في أي وجه من وجوهه، إلى توفير الظروف الملائمة لإعادة اللاجئين السوريين، إنّما هو محاولة روسية جديدة في سياق المساعي لتعويم نظام بشّار الأسد. 
وتعتقد موسكو أن الفرصة مؤاتية لتحقيق هذا الهدف، في ظل المصاعب الكبرى التي يعاني منها العالم والناجمة عن جائحة كوفيد-19 من جهة أولى، وارتفاع موجة الإرهاب مجدداً من جهة ثانية، والأدوار المنسوبة الى اللاجئين السوريين في عدد من النزاعات الحربية من جهة ثالثة، وانشغال الولايات المتحدة الأميركية بمشاكلها الداخلية الناجمة عن النزاع حول نتائج انتخاباتها الرئاسية من جهة رابعة. 
ويدرك من سعت موسكو لديهم، في المراحل التحضيرية، للمشاركة في "المؤتمر الدولي" في دمشق، أنّ روسيا حاولت اللعب على المخاوف المتصاعدة من أدوار تركيا حتى "تبيّض وجه" النظام السوري. 
وفي اجتماع ضمّ سفراء دول مجلس التعاون الخليجي في موسكو، حثّ المسؤولون الروس هؤلاء الدبلوماسيين على إقناع حكوماتهم بالمشاركة في "مؤتمر دمشق" بهدف نزع ورقة اللاجئين السوريين من يدي الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان. 
وقال المسؤولون الروس إنّ تركيا حوّلت جزءاً من هؤلاء اللاجئين الى مرتزقة لديها، وهي ترسلهم للمشاركة في النزاعات والحروب التي تهتم بها، كما هي الحال عليه في ليبيا وفي إقليم ناغورني كاراباخ. 
وحذّر هؤلاء المسؤولون الدبلوماسيين الخليجيين من أنّ أحداً لا يضمن، في مرحلة لاحقة، عدم إرسال "المرتزقة السوريين" الى دول خليجية لتطبيق الأجندة التركية فيها. 
وهذا المنطق "الأنتي تركي" استعمله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أكثر من اتصال مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي شهدت علاقاته مع أردوغان تدهوراً ملحوظاً. 
ويعتبر الإتحاد الأوروبي أنّ تركيا تسعى دائماً الى ابتزازه، من خلال تهديدها، بفتح حدودها أمام اللاجئين لديها الذين يرغبون بالتدفق الى الدول الأوروبية. 
ويعمل هذا الإتحاد على الحد من تأثير تركيا على المسلمين الذين يحملون جنسياتها أو يقيمون فيها أو يلجأون اليها. 
من هنا يُمكن إدراك الخلفية الحقيقية الكامنة خلف استثناء تركيا من الدعوة الى المشاركة في "مؤتمر دمشق" على الرغم من أنّها لا تستضيف ثلاثة ملايين ونصف مليون لاجئ سوري، فحسب بل هي ركن أساسي من أركان "مؤتمر آستانة" المعني برسم سياسات التنسيق العسكرية في سوريا، أيضاً. 
ولكنّ المساعي الروسية لـ"تبييض صفحة "النظام السوري بالترهيب من أنقرة التي تتشارك مع موسكو مصالح ميدانية واقتصادية كثيرة، لم تحقق أهدافها، وفشل "مؤتمر الخزعبلات"، كما تسمّيه لندن، في التحوّل الى "مؤتمر دولي"، كما تصفه موسكو. 
في الواقع، إذا كانت ثمة دول تشكو من تدهور علاقاتها مع تركيا، إلّا أنّ غالبية دول العالم تشكو من استمرار نظام بشّار الأسد بالأصل. 
إنّ الإستياء من الدور التركي، لا يمكن أن يغطّي، بأيّ وجه من الوجوه، على نظرة المجتمع الدولي الى النظام السوري المتّهم بالإتجار بالإرهاب، وارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية. 
وفي اعتقاد كثيرين إنّ الدول التي تعاني من وطأة العمليات الإرهابية تجد أنّ التواطؤ مع النظام السوري يضاعف مخاطر الإرهاب ولا يحد منها، على اعتبار أنّه سوف يخلق لدى شريحة واسعة من المهاجرين مشاعر المظلومية. 
وهذه المشاعر من شأنها أن تُعقّد مهمة الدول الراغبة في احتواء الغضب الذي يمكن أن يتحوّل إرهاباً. 
وعلى هذا الأساس، فإنّ الحل المنشود لسوريا لا يمكن أن يقوم على تعويم نظام بشّار الأسد، ومدّه بمقوّمات التصلّب بحجة بذل المساعي لحل مشكلة اللاجئين السوريين، بل هو يقوم على أسس سياسية تنزع، بلا أي شك، الأسس الترويعية التي يقوم عليها هذا النظام. 
حتى تلك الساعة، لن ينجح مؤتمر دمشق الا في إنجاز مزيد من البروبغندا الرديئة.