الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مؤتمر اللاجئين في دمشق... أضواء السياسة لا تنير عتمة المخيمات 

مؤتمر اللاجئين في دمشق... أضواء السياسة لا تنير عتمة المخيمات 

14.11.2020
عبدالله سليمان علي


النهار العربي  
الخميس 12/11/2020 
في سعي واضح لاختراق صندوق العزلة السياسية المفروض عليها، من بين أهداف أخرى تلاعب مخيلتها، استضافت العاصمة السورية دمشق أمس ما وصفته الدبلوماسية الروسية قبل نحو عامين بالحدث التاريخي من دون أن يبصر النور آنذاك نتيجة موازين القوى والمعادلات الإقليمية والدولية التي كانت سائدة. لكن المؤتمر الدولي لعودة اللاجئين أصبح أخيراً حقيقة واقعة وأعاد الأضواء إلى قصر المؤتمرات في دمشق بعد سنوات غابت فيها عن أروقته أية نشاطات سياسية غير محلية. 
 غير أن ما يبدو استبشاراً، من وجهة نظر السوريين، لانعقاد المؤتمر نظراً لما يمثله من عودة للحياة إلى عاصمتهم السياسية بعد مرورها في سبات طويل على مدى عقد من الزمن هو عمر الأزمة التي عصفت ببلادهم، لا يعدو بالنسبة إلى آخرين أن يكون مجرد "خزعبلات" أو "دبلوماسية تزييف" وأحياناً وصفه البعض بالوقاحة، الأمر الذي دفع بغالبية الدول من بينها الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ومعظم الدول العربية إلى مقاطعة المؤتمر والتشكيك بأهدافه الحقيقية. 
 شهدت فترة التحضير للمؤتمر التي توّجت الشهر الماضي بجولة لوفد روسي رفيع إلى عدد من البلدان العربية المعنية بقضية اللاجئين، لبنان والأردن تحديداً، إرهاصات صراع سياسي بين موسكو وواشنطن حاولت من خلاله الأخيرة عرقلة انعقاد المؤتمر. غير أن هذه الارهاصات لم تتبلور على شكل صراع حقيقي جادّ. 
 وقد يكون سبب ذلك انشغال الولايات المتحدة بانتخابات الرئاسة، وهو ما ينبغي وضعه في الحسبان لتحديد دلالات التوقيت وأهميته، لكن بعض المراقبين لمسوا خلف موقف واشنطن العلني الرافض، مرونة سياسية خفيّة من قبل الإدارة الأميركية تمثلت في امتناعها عن استخدام عقاقيرها السياسية الكفيلة بإجهاض المؤتمر كما حصل عام 2018 عندما تراجعت موسكو عن فكرة انعقاده بعدما وصفته بأنه سيكون "حدثاً تاريخياً". 
ولا يعتبر استغلال فترة "السبات الانتخابي" الذي تمر به واشنطن العامل الوحيد الذي مكّن منظمي المؤتمر من عقده وسط موجة الرفض الواسعة التي واجهته إقليمياً ودولياً، إذ إن مسارعة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تبنّي المؤتمر شخصياً ووضع ثقله السياسي خلفه، وهو ما تجلى في لقائه مع الرئيس السوري بشار الأسد عبر تقنية الفيديو قبل ساعات من انعقاد المؤتمر، أدت الدور الأكبر في حسم الجدل الذي استعر مؤخراً داخل الكرملين حول التراجع عن الفكرة للمرة الثانية أو مواصلة السير بها. 
التبنّي الرئاسي الروسي للمؤتمر شكل بحد ذاته رسالة حاسمة بأن موسكو ماضية في هندسة الملف السوري وإعادة ترتيب أوراقه ومساراته بما يخدم القاعدة السياسية التي قام عليها تدخلها في سوريا منذ العام 2015، وبغض النظر عن مواقف الدول الأخرى إزاء خياراتها، وأن موسكو لا تخشى من الفشل لأن التجارب السابقة التي نجحت الدبلوماسية الروسية في إقحامها على المشهد السياسي السوري وصلت إلى نتائج مشجعة من حيث قدرتها على التحكم بخيوط المشهد وضبط إيقاع بعض اللاعبين الأساسيين فيه. 
 ولا تختلف الأجواء التي رافقت التحضير لمؤتمر اللاجئين عن الأجواء التي كانت ترافق أي مقترح روسي بخصوص الأزمة السورية، فقد تكررت مشاهد الرفض والإدانة الغربيتين وما قابلها من إصرار روسي خلال التحضير لتدشين مسار أستانا مطلع عام 2017، وكذلك أحاطت الأجواء ذاتها بانعقاد مؤتمر سوتشي عام 2018 الذي تمخضت عنه اللجنة الدستورية. 
وانطلاقاً من هذا التشابه، ثمة تفاؤل في دمشق وموسكو بأن مؤتمر اللاجئين سيحقق مكاسب سياسية واعدة تعمل على تمهيد الطريق أمام إنهاء عزلة دمشق من الناحية السياسية ولو نسبياً من جهة أولى، وتدشّن مساراً جديداً من مسارات حل الأزمة السورية لتخطّي حالة الجمود التي وصل إليها مسار اللجنة الدستورية، من جهة ثانية. 
وفي دمشق هناك من يتحدث عن مناخ اقليمي ودولي جديد بدأ يرخي بظلال التسويات على معظم أزمات المنطقة كما في ليبيا وكراباخ، وأن سوريا سيكون لها نصيب من هذا المناخ نظراً الى ترابط الملفات وتشابكها مع بعضها البعض. ويستند أصحاب هذا الرأي لإثبات صوابه على التحولات الملموسة التي طرأت على مواقف بعض الدول الخليجية من دمشق، بدءاً من افتتاح السفارات من قبل الإمارات والبحرين ومروراً بتعيين سفير عُماني جديد، وليس انتهاءً بقرار الرياض فتح طرقها لعبور الشاحنات السورية. 
وليس من قبيل الصدفة أن تتزامن هذه التطورات مع الانهماك الأميركي في سباق الرئاسة الأطول في تاريخه، إذ يشير البعض إلى أن نتيجة السباق الانتخابي لن تقتصر على تسمية الساكن الجديد للبيت الأبيض، بل ستتعداها إلى تغيير الكثير من معادلات المنطقة وربما تحالفاتها، وهذا ما تعمل بعض الدول على التحسب له والاستعداد لمواجهته من خلال إعادة مراجعة مواقفها من الأزمة السورية، والتي ستكون من دون شك إحدى الخواصر اللينة المرشّحة لاختبار آثار التغيير الأميركي وحدوده وتداعياته. 
هكذا يغرق ملف اللاجئين ذو الصبغة الإنسانية البحتة، أو كما يفترض أن يكون، في مستنقع التسييس ولعبة الأمم، ويتحول اهتمام الرافضين والمؤيدين من حل مأساة اللاجئين وإنهاء معاناتهم المستمرة منذ سنوات إلى كيفية استغلال أوضاعهم المخزية وتوظيف آلامهم وأوجاعهم في صراعات إقليمية ومكائد سياسية لتغيير موازين القوى وتغليب أجندات ومشاريع على أخرى. 
وفيما يستعيد قصر المؤتمرات في دمشق بريق أضوائه، فإن مخيمات اللاجئين بسقوفها المتهالكة وطرقها الموحلة ستبقى على حالها شاهدة على حقيقة مفادها أن ما ينبثق عن السياسة من أضواء ليست غير كافيةٍ لتقشع ظلمة المعاناة الإنسانية في المخيمات فحسب، بل إنها على الأغلب تعمي الأبصار عن هذه المعاناة لتستمر بصمت في طيات النسيان حتى إشعار آخر.