الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مؤتمر التهجير "الطوعي" 

مؤتمر التهجير "الطوعي" 

15.11.2020
بسام مقداد


المدن 
السبت 14/11/2020 
نجحت روسيا في جمع "جحا وأهل بيته" من أهل الممانعة ، في المؤتمر الدولي لعودة المهجرين السوريين ، بمن فيهم صنيعة روسيا جمهورية أبخازيا ، إلى جانب الصين وإيران وباكستان وأربع دول أخرى . وشكل المؤتمر فرصة للأسد والكرملين وإيران لنفي مسؤوليتهم في تهجير السوريين ، وتحميلها للغرب وعقوباته ، وللسوريين المنتفضين على النظام السوري . ورفض الأسد الإعتراف بوجود مشكلة مهجرين سوريين ، وقال بانها مشكلة مصطنعة يستغلها الأميركيون والأوروبيون لتشديد الحصار والعقوبات على النظام ، كما أنها ليست مشكلة إنسانية ، كما يسميها الروس ، بل هي قضية وطنية ، تشكل الأولية لعمل جميع مؤسساته وإداراته .  
وكان بوتين والأسد استبقا المؤتمر باتصال عبر آلية الفيديو كونفرنس ، أراده الكرملين دعماً قوياً للمؤتمر ، وتأكيداً من الأسد على "اقتناعه" بأهمية المبادرة الروسية لعقد المؤتمر ، وعلى العمل لإنجاحه . وشكل هذا التواصل دافعاً لإحدى كبريات الصحف السياسية الإتحادية "kommersant" لنشر تعليق ساخر بعنوان "النزوح العفوي" وعنوان ثانوي "روسيا تحاول مرة أخرى تصفية آثاره" ،  تساءلت فيه لماذا كل هذه العملية تجري الآن بالذات ، ولماذا هي محكومة بالفشل . واعترض التعليق ساخراً على تسمية الكرملين لتواصل بوتين الأسد باللقاء ، بينما هو موعد "rendezvous" ، لأن "القلبين غير الغريبين عن بعضهما ، لم يمسكا حتى بأيدي بعضهما" ، واعترف بوتين للأسد بقوله "أنا سعيد برؤيتك" .  
والموعد تم تحديده ، ليس قبل انطلاق المؤتمر الدولي في دمشق ، بل في تلك الأيام ، التي ألقى فيها الشعب الأميركي بحمله الثقيل على كاهل جو بايدن ، المتحمس لتأكيد نفسه . ومن قال أنه لن يريد تأكيد نفسه في سوريا أيضاً ؟ 
ورأى الكاتب بين سطور نص الحديث : " أجل ، نحن بالذات سنلتقي ونتحدث ، نحن ، فلاديمير بوتين وبشار الأسد . وسوف يكون كل شيئ عندنا في سوريا على هذا النحو بالذات ، وليس على نحو آخر. نعم عندنا بالذات ، وليس عندكم ... وعلى كاهل من يقع هناك كل الحمل الثقيل ، لا يعنينا إطلاقاً ولا بأي شكل ، ولو للحظة واحدة " .  
ويتساءل الكاتب ، لكن بسخرية أقل ، هل كان لهذا اللقاء أن يترك تأثيراً على شيئ ما ؟ وهل نسي جو بايدن حتى أن يفكر بسوريا؟ الجواب ليس مؤكداً ، بالطبع ، لكن "كان يجب أن نريهم من نحن ومن هم"، على قول الكاتب.  
أوجز الكاتب ما قاله بوتين في اللقاء ، بأن الجهود ، التي بُذلت في سوريا أعطت ثمارها ، وهذا جيد، لكن حجم الكارثة الإنسانية ـــــــ ولا يمكن تسميتها بغير ذلك ــــــــ يبقى كبيراً جداً ، وهذا ما يتمحور حوله المؤتمر . وأطلع بوتين الأسد ، أن روسيا ترسل مع وفدها الكبير، الذي يضم ممثلي أكثر من 30 وزارة وإدارة ،  65  طناً من المساعدات الإنسانية ، لكنه لم يذكر له ، أن روسيا ستخصص مبلغ مليار دولار لمساعدة سوريا في الإعداد لعودة المهجرين والنازحين الداخليين .  
ورد الأسد بقوله ، أن الكثيرين فروا بسبب الخوف من الإرهاب ، والآخرون بسبب دمار البنية التحتية وفقدان منازلهم ، وأنهم لا يستطيعون العودة بسبب حصار سوريا الإقتصادي ، الذي فرضه الغرب بزعامة الولايات المتحدة ، بسبب الدور التاريخي الشخصي لبشار الأسد في التسوية السورية . ويرى الكاتب ، أن الأسد لا يعنيه من هذا المؤتمر أي أمر ، ولا حتى 65 طناً من المساعدات الروسية الإنسانية ، بل هو معني فقط بخرق هذا الحصار ، أي أنه لا غنى عن جو بايدن ، مع أنه "كان بودنا ذلك كثيرا " .  
الإعلام الروسي ، الذي نادراً ما تذكر المدنيين السوريين ومآىسيهم خلال سنوات الحرب ، وكان منهمكاً في تعداد إنتصارات القوات الروسية وبطولات الطيارين الروس في قصف الأهداف المدنية السورية ، فجأة عاد وتذكر هؤلاء المدنيين ، لكن فقط من باب تحميل الغرب وعقوباته وحصاره مسؤولية تهجيرهم ومآسيهم. 
أسبوعية "AIF" الأكبر في روسيا ، غطت مراسلتها نشاطات المؤتمر في دمشق ، ونشرت مقالة بعنوان "أعيدوا البيت للأطفال . في دمشق يناقشون عودة المهجرين السوريين" ، وصفت فيها المؤتمر ، بأنه المؤتمر الدولي الأول بشأن هذه المشكلة ، و"بهذا الحجم الكبير" . وذكرت ، أنه في صالة المدخل إلى قاعة المؤتمرين ، أقيم معرض لرسومات الأطفال السوريين المولودين خارج سوريا ، والذين طُلب منهم رسم أهم شيئ بالنسبة لهم . وجاءت جميع الرسومات تحمل رسم البيت الموروث عن الجدود ، الذي يريده كل صغير سوري مبعد عن وطنه بإرادة الكبار الغرباء .  
وقالت الأسبوعية ، بأن الحرب السورية ، التي استمرت عشر سنوات ، واندلعت بإرادة الغرباء ، الذين يعيشون في بلدان أخرى غنية وهادئة ، اتسمت بالقتل الوحشي للمدنيين ، والمعارك المتواصلة ، والجوع ، والمنازل المدمرة ، وفقدان العمل ، مما أجبر السوريين على ترك وطنهم . وقد فروا أسراً كاملة لا تعلم ماذا ينتظرها ، وكانت تنتظرها شوادر مخيمات اللاجئين ، والصدقات الهزيلة من البلدان الغنية تلك ، والمستقبل المجهول .  
صحيفة كومسومولسكايا برافدا المخضرمة ، والتي توصف بالصفراء ، نشرت بمناسبة المؤتمر نصاً بعنوان "تم العثور على الأماكن ، حيث تُربي الولايات المتحدة وتركيا مقاتلين من أجل القفقاز" ، وعنوان ثانوي "كل هذا يجري في "مخيمات المهجرين" من سوريا . كيف يمكن القضاء على هذا" . وكباقي المواقع الإعلامية الروسية ، وصفت الصحيفة المؤتمر ، بأنه "مبهر" بحجمه ، ويناقش مشكلة "هائلة" أيضا بحجمها. وتنقل الصحيفة عن مدير الوكالة الإتحادية لشؤون الروس خارج روسيا يفغيني بريماكوف (حفيد يفغيني بريماكوف المعروف) قوله ، بأنه كان يريد لو أن البلدان (الغربية) ، التي استثمرت في تدمير سوريا ، تدفع ديونها تجاه هذا البلد . وتعلق الصحيفة على قوله ، بأن أحداً من المؤتمرين لا يأمل بمثل هذه الرحمة ، وفي الشرق الأوسط مضى إلى غير رجعة زمن الامال المعقودة على الغرب .  
موقع نوفوستي لترجمات الصحف العالمية "INOSMI" ، وحين أُعلنت فكرة المؤتمر في مطلع الشهر المنصرم ، نشر نصاً خاصاً بعنوان "المؤتمر الروسي بشأن مشكلة اللاجئين السوريين أثارت الإرتباك وسط الأطراف المعنية" . وقال الموقع بأن قرار وزارة الدفاع الروسية عقد مؤتمر دولي في دمشق بشأن مشكلة اللاجئين السوريين ، أثار ردة فعل متناقضة وسط الأطراف المعنية المحلية والدولية . الحكومة السورية عبرت عن "بعض الإنزعاج من هذه المبادرة" ، المنظمات الدولية والبلدان الغربية اعترتهم الحيرة بشأن سبل تنفيد المقررات المفترضة للمؤتمر ، خاصة تلك المتعلقة بشروط عودة اللاجئين ، والتسوية السياسية وإعادة إنعاش الإقتصاد السوري .  
كلمات المشاركين في مؤتمر "جحا واهل بيته" توزعت بين إتهامات روسيا للغرب بعدم تقدير جهودها لمعالجة مشكلة اللاجئين السوريين ، الذين يترعرع وسطهم الإرهابيون ، الذين يرعبون الحواضر الأوروبية بجرائمهم ، وبين رد الغرب على روسيا ، بأن مبادرتها لعقد مؤتمر عودة اللاجئين سابقة لأوانها ، وأن النظام السوري غير مستعد لعودة المهجرين ، وبين تنصل النظام وحلفائه الروس والإيرانيين من المسؤولية عن تهجير السوريين . وتفيد هذه الكلمات ، بأن السوريين قرروا اختبار سياحة النزوح إلى أرجاء الأرض ، فشدوا الرحال في تهجير طوعي  ، وليس فراراً من عسف النظام وسجونه وآلته للقتل والتعذيب .