الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مأساة حلب تلطخ وجه العالم الحر

مأساة حلب تلطخ وجه العالم الحر

22.12.2016
هادي اليامي


الوطن السعودية
الاربعاء 21/12/2016
بعد مأساة حلب؛ ترتفع الحاجة إلى المطالبة بتعديل النظام العالمي، وعدم السماح لبعض الدول بالتلاعب في مصير العالم، عبر استخدام حق النقض
ما زال العالم يلتزم الصمت المطبق تجاه ما يجري في حلب، ويتعامى عن المآسي التي يمر بها هذا البلد العربي، وعلى الرغم من المظاهرات التي تعم عددا من دول العالم، والتصريحات التي تصدر عن قادة الدول العربية والغربية، وعبارات "الرفض والشجب والتعبير عن القلق" التي يصدرها أضعف أمين عام في تاريخ الأمم المتحدة، بان كي مون، إلا أنها جميعها خطوات تصب في خانة الأقوال، دون أن تملك الجرأة على التحول إلى أفعال تقدم شيئا ملموسا لذلك الشعب الذي عرف على الدوام بعزته وفخره بالشهامة والمروءة، والمسارعة إلى نجدة الملهوف، لكن الله ابتلاهم –لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى- بطاغية لم يعرف التاريخ له مثيلا.
سورية تعيش أسوأ أيامها، وحلب تحترق، وأنهار الدماء تسيل، وأجساد الأطفال الأبرياء تتمزق، وأشلاؤهم تتطاير، المدنيون يتساقطون بالعشرات على مدار الساعة، والنساء والكهول يبحثون عن طريقة للخروج دون جدوى. كل هذه المشاهد المؤلمة لم تحرك العالم، ولم تدفعه إلى الأخذ على يد موسكو، الداعم الرئيسي لنظام الأسد. ولا يظن أحد أن العالم ليس بيده شيء لفعله لوقف هذه المجازر التي تشكل عارا على جبين الإنسانية، أو أن التدخل قد يقود إلى حرب عالمية ثالثة تسعى جميع الدول لتجاوزها، فبيد المجتمع الدولي الكثير من الأدوات والحلول غير العسكرية، وبإمكانه وقف آلة القتل عبر اتخاذ إجراءات سياسية، مثل سحب السفراء من موسكو، والتهديد بقطع العلاقات، وبإمكان تلك الدول الكبرى تفعيل عقوبات اقتصادية عاجلة، ترغم روسيا على سحب آلة القتل التي استقدمتها لقطع رقاب السوريين.
من المفارقات أن بشار الأسد، الذي يتظاهر بالقوة والجبروت، يجسِّد شخصية الرئيس الضعيف الذي لا يملك من أمره شيئا، فكل المآسي التي تشهدها سورية تمت رغما عنه، ليس لأنه شريف أو صاحب ضمير، بل لأن الدول التي احتمى بها، وعلى رأسها روسيا وإيران، وفتح لها أبواب بلاده على مصراعيها، تفعل ما يحلو لها في الشعب السوري الكريم، دون أن تكلف نفسها حتى مشقة استشارته أو أخذ موافقته، بل إنه لا يدري شيئا عن كثير مما يجري في بلاده، وهذا ظهر جليا في تصريحاته ولقاءاته الصحفية التي أجراها مع وسائل إعلام غربية، فكان يبدي دهشته للأسئلة التي تطرح عليه، والاتهامات التي يُحاصر بها، ويجهد نفسه أيما جهد لنفيها وتفنيدها. ربما يظن البعض أنه نوع من المكابرة والإصرار على الخطأ، لكن الحقيقة هي أنه لا يدري فعلا ما يجري في بلاده، بعد أن سلمها لقمة سائغة لموسكو وطهران، تفعلان فيها ما يتوافق مع أجندتهما ويتطابق مع مصالحهما. بل إن البلدين يختلفان في كثير من الأحيان على ما يفعله أحدهما ويتعارض مع مصالح الطرف الآخر، والأسد يعيش في عزلته وجهله، دون أن يجرؤ حتى على التدخل.
سؤال كبير يطرح نفسه؛ هل كان العالم سيقف موقف المتفرج لو أن هذه المأساة وقعت في دولة غربية؟ والإجابة لا تحتاج إلى كبير عناء، فالدول الغربية والأوروبية على وجه الخصوص ما كانت لتسمح بوقوع مثل هذه الجريمة النكراء، وإذا حدث أن غامر أحد قادتها بالاعتداء على شعبه وشن الحرب عليه، فإن الموقف الأوروبي لن يكون مثل موقفه الحالي، والدليل على ذلك أن التدخل الروسي في شؤون أوكرانيا دفع الدول الغربية إلى الإسراع بإصدار العقوبات الاقتصادية الخانقة التي دفعت موسكو في الأخير إلى سحب قواتها من منطقة الحدود، وإن كانت الأخيرة لا تزال تحتفظ بإقليم القرم، فإن التأثير بعيد المدى لتلك العقوبات كفيل بدفعها إلى التراجع.
أما مأساة البوسنة والهرسك، فرغم أن ذلك الشعب المسلم ذاق الويلات وتعرض لحملات الإبادة الجماعية، لكن أزمته لم تدم لسنوات، مثل الأزمة السورية، وفي الآخر سارع العالم، وفي مقدمته الدول الغربية إلى التدخل واعتقال أمراء الحرب الذين تورطوا في المذابح والجرائم ضد الإنسانية، وساقهم إلى منصات العدالة الدولية، ليقبعوا حاليا في السجون، تلاحقهم اللعنات والتاريخ الأسود.
للأسف الشديد فإن كل مبادئ حقوق الإنسان، حقه في السلم والأمن والعيش بكرامة، وتقرير المصير، هي مبادئ عظيمة ونبيلة باتت تستخدمها القوى الكبرى كأدوات سياسية، لتحقيق أهدافها، وضمان مصالحها، فقط لا غير، وسرعان ما يتم تناسيها وتجاهلها عندما تتعارض مع تلك الأهداف والمصالح.
ربما كان من سوء حظ السوريين أن أزمتهم نشبت في عهد الضعف العالمي، فالرئيس باراك أوباما هو أكثر رؤساء الولايات المتحدة سلبية على مدار التاريخ، فقد كان بإمكانه وضع حد للأزمة في وقت وجيز، وبالتحديد بعد استخدام النظام المجرم للأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في غوطة دمشق الشرقية، فأوباما أعلن أن استخدام تلك الأسلحة خط أحمر، وترددت أنباء قوية عن تحرك أميركي عاجل، وكان العالم يتوقع رد فعل حاسم وواضح يضع حدا للأزمة. إلا أن رئيس أكبر دولة في العالم تراجع في اللحظات الأخيرة، ووقع في فخ موسكو التي أقنعته بوقف التدخل في سورية، مقابل إقدام دمشق على إبادة وتدمير كافة أسلحتها الكيماوية، وهو التعهد الذي أثبت الأمم المتحدة أنه لم يكن سوى خدعة كبيرة، ورغم تظاهر الأسد بتسليم كامل أسلحته الممنوعة دوليا لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، إلا أنه احتفظ بالجزء الأكبر منها، ليس ذلك فحسب بل أقدم على إعادة استخدامها مرات عديدة، دون أن يطرف له جفن.
أما الأمم المتحدة فهي الأخرى أصبحت أثرا بعد عين، وتراجع دورها، وانحسر تأثيرها، بعد اكتفاء أمينها العام بالرفض والإعراب عن القلق الشديد، وأصبحت تصريحاته ومواقفه لا تثير بال أحد، ولا يحفل الآخرون حتى بالتعليق عليها.
لذلك كله، ترتفع الحاجة إلى المطالبة بتعديل النظام العالمي، وعدم السماح لبعض الدول بالتلاعب في مصير العالم، عبر استخدام حق النقض، ولا بد أن يكون لنا كعرب ومسلمين صوت قوي في دوائر صنع القرار العالمية، وبأيدينا العديد من الأوراق التي يمكن أن نصل بها إلى تلك الغاية، إذا تجاوزنا خلافاتنا الثانوية، وصرنا ننطق بلسان واحد.