الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مأساة الطفل "عمران" والإنسانية الضائعة

مأساة الطفل "عمران" والإنسانية الضائعة

25.08.2016
د. جمال نصار


الشرق القطرية
الاربعاء 24/8/2016
فاجعة جديدة في سوريا للطفل "عمران داقنيش" صاحب الأربع سنوات، الذي ظهر بوجهه الصغير الملطّخ بالدماء والغبار، بعد أن نجا من الموت المُحقّق، يندى له جبين كل إنسان أيًا كانت ملته أو عقيدته. وهذا للأسف أصبح مصير كل طفل سوري أو امرأة أو شيخ، بسبب غياب الإنسانية وضياعها، التي لا تُولي أي اهتمام للإنسان العربي، كأنه ليس من طينة البشر!
قد لا يتخيل البعض هذا المنظر المروّع للطفل وهو ينتظر في الإسعاف لا يتكلم ولا يسأل عن عائلته المفقودة، يمسح بيده البريئة الدماء التي تسيل من وجهه بصمت، ولكنه الصمت الذي يحيي القلوب الميتة. وقد تحول هذا الطفل رمزًا جديدًا للأحداث السورية المؤلمة، التي تعيشها حلب، وغيرها من المدن، تحت حصار وأصوات إطلاق النيران وعربات الإسعاف.
صورة عمران الحلبيّ، وقبله إيلان الكرديّ، وقبلهما محمد الدرة الفلسطيني، هي تثبيتات بصريّة فائقة للمأساة التي يعيشها ملايين الأطفال في سوريا وفلسطين والعراق، وباقي البلدان العربيّة المنكوبة بالاستبداد والاحتلال، وقد يساهم تأثيرها على المخيّلة الإنسانية في تحفيز أفعال ونشاطات وأفكار، ولكنّ إيقاف المأساة يستلزم النظر في عين القاتل وتحميله المسؤولية ثم العمل على إيقافه عن القتل.
إن صورة الطفل "عمران" تجسد مأساة الحرب السورية، والإجرام الذي يمارسه المُجرم بشار الأسد في حق الإنسانية، بمعاونة روسيا وإيران، وصمت المجتمع الدولي عن هذه المآسي التي تتكرر يوميًا في كل مُدن سوريا، يمثل أكبر العار على جبين الإنسانية الضائعة والمفقودة. فلو أن هذا الطفل غير عربي، أو حتى حيوان، لتحركت أوروبا كلها لإنقاذه، ولكن للأسف لأنه عربي، فالجميع يلتزم الصمت، وفي أقصى تقدير يندد أو يشجب، أو يقلق كما يفعل دائمًا الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون".
أين المبعوث الأُممي "ستفان دي ميستورا" من هذه الأحداث، بل أين ضمير العالم الغربي الذي صدّعنا بحرصه على الإنسانية، وأين منظمة التعاون الإسلامي، وأين ما يُسمى بجامعة الدول العربية؟ للأسف الجميع في غيبوبة محقّقة، ولا حياة لمن تنادي
إن النظام السوري ومن يدعمه يستخدمون أبشع أساليب الأسلحة والإجرام بحق الإنسانية، حيث إن هذه الممارسات والإجراءات اللاإنسانية أصبحت تتخذ أشكالًا واضحة من الجريمة المنظمة، وقد وثّقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" 6 غارات جوية نفذتها طائرات الحكومة السورية والروسية على المرافق الصحية في إدلب وحلب في الأسبوع الأول من أغسطس في العام 2016، أدّت جميعها إلى إغلاق المرافق الطبية، وقتلت هذه الغارات الجوية أيضًا 17 مدنيًا وأصابت 6 أشخاص على الأقل، كما وقع 43 هجومًا مماثلًا في يوليو ، وهو أسوأ شهر للهجمات على المرافق الطبية منذ بدء النزاع في سوريا، وفقًا لـ "الجمعية الطبية الأمريكية السورية" التي تقوم بتشغيل عيادات ومستشفيات ميدانية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
وطبقًا لما ورد في تقارير منظمة "العفو الدولية"، فإن النظام السوري ارتكب جرائم حرب وخروقات للقانون الدولي الإنساني، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، دونما خشية من العقاب، وشنت القوات الحكومية هجمات عشوائية وهجمات استهدفت المدنيين مباشرة، بما في ذلك قصف مناطق سكنية مدنية ومرافق طبية، بالمدفعية والهاون، والبراميل المتفجرة، والأسلحة الكيميائية، أدت إلى قتل مدنيين على نحو غير مشروع، وفرضت القوات الحكومية كذلك عمليات حصار مطوّلة، فحاصرت المدنيين وحرمتهم من الطعام والرعاية الطبية وسواها من أساسيات البقاء. وقبضت قوات الأمن على آلاف الأشخاص واحتجزتهم تعسفًا، بمن فيهم ناشطون سلميون ومدافعون عن حقوق الإنسان وعاملون في المساعدات الإنسانية وإعلاميون وأطفال، وأُخضع بعض هؤلاء للاختفاء القسري وآخرون للاعتقال المطوَّل أو لمحاكمات جائرة. وقامت قوات الأمن بصورة منهجية بتعذيب المعتقلين وإساءة معاملتهم دونما اعتبار لآدميتهم؛ فتوفي آلاف المعتقلين نتيجة للتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة.
إن الحل الناجع للأزمة السورية يتمثل في إبعاد بشار الأسد وعصابته عن الحكم في سوريا، بل معاقبته ومحاسبته على كل الجرائم التي ارتكبها، فهي ترقى بكل تأكيد إلى جرائم حرب ضد الإنسانية، مع الحرص على إيجاد حل إقليمي ودولي يسمح بعدم تدخل إيران وروسيا، أو أي دولة أخرى في الشأن السوري، وترك الشعب السوري لكي يختار بنفسه مصيره، والتحرك الإنساني العاجل لإنقاذ الأطفال والنساء والشيوخ من براثن هذا النظام، ودعم إقليمي ودولي لمساعدة الشعب السوري لتخطّي مأساته، ولكي يعيش حياة كريمة مثل كل الشعوب.