الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مأزق الثقة قد يعيد خلط الأوراق في الأزمة السورية

مأزق الثقة قد يعيد خلط الأوراق في الأزمة السورية

07.02.2019
إيفا كولوريوتي


القدس العربي
الاربعاء 6/2/2019
لطالما كانت التراجيديا اليونانية القديمة مليئة بالخيانة وكسر الثقة بين الحلفاء، فكما كادت أثينا واليونان عموماً أن تسقط بأيدي الإمبراطورية الفارسية بسبب خيانة إفيالتيس لملك أسبرطة، استمر هذا المشهد يؤرق الممالك والدول ليومنا هذا، فحليف اليوم قد يكون عدو الغد، هذا الكابوس الذي تعيشه طهران مؤخراً دفعها لفقدان السيطرة والتسرع في تحركاتها عموماً وفي سوريا خصوصاً.
فمع بداية عام 2017 وفي ظل التراجع الميداني الواضح لقوى الثورة السورية وتهرب حلفائهم من وعودهم كان السؤال الأهم للمثقفين السوريين المعارضين في وقتها هو هل هزمت الثورة ؟ فكان جوابي لأحد الأصدقاء واضحاً: إن الثورة خسرت أصدقاءها الوهميين وربحت درساً بالثقة فيما كسب الأسد انتصاراً عبر عضلات حلفائه وسقوطه سيكون عبر حلفائه أنفسهم.
في البداية يجب التأكيد أن الوجود الإيراني الميليشياوي في دول المنطقة كان ولايزال مرتبطاً بشكل أساسي بالخراب وعدم الاستقرار ضمن هذه الدول. ففي العراق وخلال تجربة الستة عشر عاماً الماضية لم يعش هذا البلد يوماً من الهدوء، وكلما خرج من مطب دخل في عقدة جديدة لها بصمات طهران. وفي سوريا تستعمل طهران الخطة نفسها فاستمرار دائرة الصراع هناك هي البيئة المثالية للوجود الإيراني وأي حل سياسي دولي حتى إن أبقى على الأسد سيعني خسارة مستقبلية لطهران. هذه النظرة للواقع تدفع إيران بشكل مستمر لخلط الأوراق عند أي مأزق ، وما يحدث في الداخل السوري منذ نحو شهرين من تحركات عسكرية إيرانية هي برأيي الشخصي بداية منعطف وخلق لأزمة جديدة.
عدم ثقة بين طهران وموسكو
مع بداية شهر ديسمبر/كانون الأول ومع تكرر الضربات الموجعة الإسرائيلية تجاه الوجود الإيراني في سوريا عموماً والجنوب السوري خصوصاً نشأت حالة من عدم الثقة بين طهران وموسكو، فالروسي الذي أكد مراراً وتكراراً تنسيقه مع تل ابيب في ضربتها ضد الداخل السوري لم يمنع هذا التنسيق أو يحد من الغارات الإسرائيلية، كما أن منظومة اس 300 التي وعدت موسكو بإعطائها للأسد اقتصر وجودها ضمن الغرب السوري حيث الوجود العسكري الأهم لموسكو. ومما زاد من الطين بلة لطهران وايديولوجيتها في الأزمة السورية ما صدر عن واشنطن بالانسحاب من سوريا مما قد يضيف مطبات أخرى بين أصدقاء أستانة ويحول الشرق السوري من نقطة التقاء بين تركيا وإيران وروسيا ضد الوجود الأمريكي هناك إلى نقطة خلاف قد تعقد المشهد أكثر.
طهران رأت بشكل واضح ومن خلال المعلومات الواردة من الداخل السوري على أن القرار الأمريكي قد يسرع من الحل السياسي في سوريا، وبالتالي أي حل موجود على الطاولة سيكون أحد أهم بنوده الانسحاب الإيراني من الداخل السوري، كما أن موسكو اللاعب الدولي الأهم هناك مع خروج واشنطن لن تكون أمام خيار بديل لفتح باب إعادة إعمار سوريا من قبل الغرب والخليج سوى تقبل فكرة دفع طهران خارج الحدود.
هذه الحتمية دفعت بطهران لزيادة وجودها العسكري في سوريا أكثر فأكثر، فحسب ما نشره موقع (دبكا) المقرب من الموساد الإسرائيلي فإن الحرس الثوري الإيراني بقيادة قاسم سليماني دفع بما يزيد عن 10 آلاف مقاتل تابعين للحشد الشعبي العراقي نحو الحدود الغربية العراقية مع انتظار الوقت المناسب للتقدم، كما أن الضربة الإسرائيلية الأخيرة وما نشر من تفاصيلها وحول الأهداف من ورائها تؤكد بما لا شكل فيه أن طهران بدأت تجهز مواقع عسكرية خاصة بها بعيداً عن الأعين الروسية في محيط دمشق والجنوب السوري بشكل يوحي بأن طهران إذا ما اضطرت ستتجه نحو خلط الأوراق في سوريا بعيداً عن الرأي الروسي أو مصلحة نظام الأسد.
إشعال الجبهة السورية
قد تكون ترجمة عدم الثقة بين موسكو وطهران في الوقت الحالي هو ما يجري في ريف حماة الغربي من جهة والحالة الاقتصادية التي تعيشها مناطق سيطرة الأسد من فقدان للمحروقات من جهة أخرى. فحسب مصادر محلية من ريف حماة لاتزال الاشتباكات مستمرة منذ أسبوع مع سقوط عشرات القتلى والجرحى بين الفرقة الرابعة حليف طهران من جهة والفيلق الخامس المدعوم روسياً من جهة أخرى. السبب الظاهري لهذه الاشتباكات هو نفوذ ميليشيات غير منضبطة، والسبب الحقيقي خلفها هو تدافع بعيد عن العلن بين موسكو وطهران، وأزمة المحروقات التي بدأت تشعل الشارع السوري المؤيد فهي لإجبار الأسد على الاختيار بين إيران وروسيا.
لطالما طالبت موسكو وأكدت على ضرورة الوجود الإيراني في أي مفاوضات تخص الأزمة السورية إلا أن اتفاق سوتشي الذي حدد مصير آخر قلاع الثورة في إدلب ومحيطها صاغته موسكو وأنقرة بدون الاستشارة الإيرانية. وفي المنحنى نفسه كانت قمة موسكو بين بوتين واردوغان حول الشرق السوري وتفاصيل المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها هناك بعيداً عن الرأي الإيراني لمستقبل هذه المنطقة الهامة والغنية بالنفط والغاز والموقع الاستراتيجي مما يؤكد على الشرخ الحاصل بين حلفاء ديكتاتور حي المهاجرين.
وعلى ما سبق فإن طهران ستكون مضطرة في لحظة ما أن توسع دائرة الصراع في سوريا كمحاولة لقلب الطاولة أمام أي مخطط يلغي وجودها هناك. والمرجح أن يكون الاختيار بين طريقين، الأول هو إشعال الجبهة السورية مع تل ابيب عبر ميليشياتها متعددة الجنسيات هناك ولهذه الخطوة إيجابية أخرى قد تفتح نافذة مع إسرائيل عبر انهاكها ودفعها للقبول بمخرج ينهي العقوبات الاقتصادية الأمريكية. أما الخيار الثاني فقد يكون على حساب الأسد والتجربة اليمنية كمثال. الأيام المقبلة من المرجح أن تكون ساخنة في سوريا وقد تصل شظايا قنابلها لما هو أبعد من البوكمال شرقا ومن الديماس غرباً.
محللة سياسية يونانية مختصة بشؤون الشرق الأوسط