الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مآلات المعضلة السورية

مآلات المعضلة السورية

18.12.2016
د. عبدالله جمعة الحاج


الاتحاد
السبت 17/12/2016
بسقوط حلب في يد قوات النظام الحاكم في سورية، تكون المقاومة السورية والمعارضون للنظام قد فقدوا معقلاً استراتيجياً مهماً سيطروا عليه لما يقارب خمس سنوات منذ أن اندلعت الثورة السورية العام 2011. ومنذ أن تدخلت روسيا وإيران وأعوانهما بالثقل الذي تدخلوا به، باتت الأمور واضحة بأن المقاومة لن تصمد طويلاً، سواء كان ذلك في حلب أو في غيرها من المناطق التي انتزعتها من يد القوات الحكومية. والحقيقة أن إيعاز عودة استعادة قوات النظام العسكرية لفاعليتها في خوض المعارك الميدانية، واستعادة النظام الحاكم لجزء كبير من قوته السياسية في الداخل السوري تثير العديد من التساؤلات حول التحولات والانعطافات والالتفافات الخارجية التي طرأت على المسألة السورية.
يبدو أن العديد من دول الغرب قد بدلت مواقفها تجاه النظام السوري مؤخراً بعد أن كانت تنادي بسقوطه وبإدخال الديمقراطية إلى سوريا، بحيث باتت تميل حالياً وبشكل كبير في صالح بقائه في السلطة، ولو بشكل انتقالي، وهذا ليس بمسألة مستغربة أو غير واقعية، فبعد معارك عسكرية ميدانية طاحنة، وسقوط مئات الآلاف من القتلى والضحايا سواء جرحى أو مشردين، وبعد نزوح ملايين السوريين إلى الخارج، خاصة تركيا ودول أوروبا شرقاً وغرباً، اتضح أن المعارك الميدانية لايمكن حسمها بشكل نهائي وقاطع لأي من الطرفين، رغم ميلان الكفة مؤخراً في صالح النظام بسبب الدعم الروسي والإيراني المكثف. وبالإضافة إلى ذلك فقد اتضح للعديد من الأطراف، الغربية منها خاصة، بأن المقاومة السورية لو تمكنت من إسقاط نظام "البعث" الحاكم حالياً، فإن البديل القادم إلى السلطة هم الإسلاميون المتطرفون كـ"جبهة النصرة" و"الإخوان المسلمين" و"داعش". وبالنسبة للولايات المتحدة الأميركية لسان الحال يقول بأن رحيل النظام الحالي لن يجلب بالضرورة وضعاً أفضل من الذي وضع فيه نظام "البعث" سوريا خلال الأربعين عاماً المنصرمة، فالبلاد الآن في حالة من الفوضى والتمزق، ورحيل النظام قد يعمق ذلك، وربما يزيد من تفاقمه. وبالإضافة إلى ذلك يتم النظر إلى نظام "البعث" في الأوساط الأميركية بأنه نظام علماني تقبع في قمته نخبة تنتمي إلى الأقلية العلوية التي لازالت هي وحلفاؤها يسيطرون على أجزاء واسعة من الأراضي السورية. وبالنسبة للنظرة العملية - الواقعية تعتبر هذه المعطيات مجتمعة ليست سلبية، ويمكن اللعب من خلالها لتحقيق مصالح الولايات المتحدة في الهلال الخصيب، خاصة فيما يتعلق بأمن إسرائيل. والواقع أن سقوط النظام في هذه المرحلة لن يقود بشكل آلي إلى تحقيق السلام والأمن في سوريا، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، فالفصائل المقاتلة ستتقاتل فيما بينها للاستيلاء على السلطة والتفوق على الآخرين. ومن الأمور المؤكدة في العديد من الحالات المشابهة التي مرت على دول العالم النامي في آسيا وأفريقيا أن الفصائل المقاتلة لا تُلقي أسلحتها بشكل مباشر وطوعي بعد انتهاء القتال ضد الأعداء المشتركين، أو ضد الأنظمة التي يتم القتال ضدها. ولو حدث أمر كهذا في سوريا فإنها قد تنزلق سريعاً إلى مثل هذا المصير، الذي من شأنه أن يزيد من تعاسة السوريين في الداخل والخارج، وقد يمزقها وفقاً لخطوط حضرية ومناطقية هي مهيأة لها تماماً، فسوريا أثناء الحكم العثماني، وقبل وأثناء الانتداب الفرنسي عليها، كانت عبارة عن مدن وأقاليم متفرقة لايوجد رابط وطني فيما بينها سوى رابط الخلافة العثمانية، ثم بعد ذلك حكومة الانتداب الفرنسية التي تشكلت على يدها الدولة الوطنية السورية الحالية. لذلك فإن الوضع السوري الحالي هو معضلة كبرى، ارتأت الأطراف الخارجية مجتمعة التدخل فيها، لكن كل بطريقته التي تحقق له أقصى قدر ممكن من مصالحه، والضحية في ذلك هو شعب سوريا.
 
*كاتب إماراتي