الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ليس مجرّد ترسيم 

ليس مجرّد ترسيم 

05.10.2020
حسام كنفاني



العربي الجديد 
الاحد 4/10/2020 
الإعلان اللبناني عن التوصل إلى اتفاق إطار مع إسرائيل على التفاوض لترسيم الحدود البحرية والبرية ليس أمراً تقنياً مجرّداً، بل يحمل أبعادا سياسية كثيرة تغيّر طبيعة الصراع في المنطقة، وخصوصاً في ظل هجمة التطبيع التي يرعاها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والتي يأتي الإتفاق اللبناني الإسرائيلي كأحد مفاعيلها الجانبية، من دون أن يعني أن لبنان سينضم تلقائياً إلى ركب الدول المطبّعة، لكنه سيكون مرتبطاً بمجموعةٍ من التفاهمات، ولا سيما إذا نجحت مفاوضات الترسيم بحراً وبرّاً، تجعله في حالةٍ سياسيةٍ وأمنيةٍ هي أكثر من هدنة وأقل من "اتفاق سلام". 
الأمر مرتبط بمعطياتٍ كثيرة، أهمها الحديث عن "حدود إسرائيل"، والذي صدر عن رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، وهو أحد ضلعي "الثنائي الشيعي" المكون من حركة أمل وحزب الله. وبرّي هنا لا يتحدّث باسم الدولة اللبنانية بصفته الرسمية فحسب، بل باسم حزب الله أيضاً، وهو ما يعني تغييراً استراتيجياً وأيديولوجياً كبيراً بالنسبة إلى الحزب ونظرته إلى إسرائيل، وهو الذي لا يعترف بوجودها دولة، فالإقرار بأن هذه هي "حدود إسرائيل"، وهي للمناسبة لم تحدّد حدودها يعني الإعتراف بوجود هذه الدولة، وهو أمر سيكون جديداً كلياً على لبنان وعلى حزب الله وجمهوره. 
ومن المؤكّد أن الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، سيطلّ قريباً على اللبنانيين، وعلى جمهور الحزب تحديداً، لمحاولة التقليل من أهمية الإتفاق، ولإظهار أن لا تغيير في الموقف من إسرائيل والصراع معها، وغيرهما من المواقف التي ستؤكّد التزام الحزب الخط الذي انتهجه، من دون أن ينسى التهديد بالرد على أي اعتداءٍ على لبنان.  
قد يكون كلام نصرالله المرتقب حقيقياً، لكنه سيكون "حقيقةً مع وقف التنفيذ"، ولا سيما أن أي اتفاقٍ قد يتم التوصل إليه على الصعيدين، البرّي والبحري، سيكون مرتبطاً بمجموعة من المعايير الإقتصادية والسياسية والأمنية التي تكبّل حرية تحرّك حزب الله في المستقبل في جبهة الجنوب اللبناني، والتي هي بالأساس شبه هادئة منذ نهاية حرب تموز (يوليو) عام 2006. فالولايات المتحدة لن تدخل في وساطة بين لبنان وإسرائيل من دون أن تكون متأكّدة من أن المفاوضات المرتقبة ستخدم مصالح إسرائيل بالدرجة الأولى، ولا سيما على الصعيد الأمني، وهي النقطة الأساس التي تقلق دولة الاحتلال بالنسبة إلى لبنان. 
ولا يمكن استبعاد العامل الإقتصادي في المعايير التي ستتأتى عن الإتفاق، في حال حصوله، ولا سيما في ظل الوضع المعيشي المتردّي الذي يعيشه لبنان، وهو الذي يعوّل على غاز البحر المتوسط الكامن قبالة السواحل اللبنانية، للخروج من شبح الإفلاس الذي بات البلد على حافّته. ومن المؤكد أن هذا كان المحفز الأساس للمسؤولين اللبنانيين، بمختلف أطيافهم، ومن بينهم حزب الله، للقبول بالوساطة الأميركية وقبول الدخول في مفاوضات مع إسرائيل. والمسؤولون اللبنانيون يعلمون أيضاً أن المكاسب الإقتصادية التي يتم التعويل عليها لن تكون لحظية، ولن تكون مستقلةً عن رقابة واشنطن، وخصوصاً إذا تولت شركاتٌ أميركيةٌ عمليات التنقيب عن الغاز، الأمر الذي سيضع أي مكاسب في دائرة الرضى الأميركي عن الأداء اللبناني، ولا سيما أن سيف العقوبات لا يزال مسلطاً على المسؤولين اللبنانيين، وقد لا يستثني أحداً. 
خطوة القبول اللبناني بالدخول في مفاوضات ترسيم مع إسرائيل لن تكون مسألة عابرة، وخصوصاً في حال فاز ترامب بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ومضيّه في الضغط على الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل، حينها قد يكون لبنان في قائمة المرشّحين للإنضمام تحت وطأة المخاوف من انهيار البلد.