الرئيسة \  مشاركات  \  ليس الربيعُ سقوطَ الحاكم الظالم ، بل انبعاثَ المظلومين، من تحت الرماد

ليس الربيعُ سقوطَ الحاكم الظالم ، بل انبعاثَ المظلومين، من تحت الرماد

28.05.2018
عبدالله عيسى السلامة




 (الربيع العربي ، شامخ ، منتصر- بين دوّامات الدم والدمار، والتآمر-.. يؤتي أكلَه ، كلّ يوم ) !
القوى المضادّة ، له ، شرسة : داخلياً ، وخارجياً ..
أمراض المجتمعات ، فيه ، كثيرة وقويّة ، بين حمَلة الكلمة ، وحمَلة البندقية .. وبين أصحاب الشعار، وأصحاب القرار! وكما يوجد فيها أحفادُ خالد وبلال ، يوجد أحفاد ابن سَلول ، وأبي رغال ! ولابدّ أن تكون كذلك ؛ بعد أن خيّم عليها ، ظلم الطغاة وفسادهم ، عشرات السنين !
المصائب والنكبات : متنوّعة ، متوالية ، متباينة الشدّة والتأثير.. ويندر أن توجد أسرة ، لم يصبها المجرمون ، بالأذى ، بين : قتل ، وإعاقة ، وسجن ، وحصار، وتشريد !
لكن الربيع قائم ، ومستمرّ ، حتّى يحقق ماقام لأجله ، بإذن ربّه .. طال الزمن ، أم قصر !
 أطاح بأنظمة فاسدة ، لمْ تتخيّل ، أن يُطاح بها ، قبل حلوله.. ولم تتصور أن تُكشف - للناس جميعاً – خياناتها ، وسرقاتها ، وجرائمها المخزية ، بحقّ شعوبها !
وهزتّ أنسامُه ، أنظمة عدّة ، فخشي أصحابها ، من انتقاله إليها ، فسارعوا ، إلى إعطاء شعوبهم ، بعض حقوقها : المعنوية والمادّية !
 وشكّل نذيراً، لأنظمة عدّة ، فبدأ أصحابُها، بإطلاق الوعود ، لشعوبهم ، بالتغيير والإصلاح !
وكشف أمراضاً ، في المجتمعات ، لم يكن أحد يعرفها ، قبل قيامه..!
وفضح رموزاً ، كانت أقرب إلى الأصنام ، منها إلى البشر، يتقرّب إليها، عبيدُها ، بالطاعات.. منها : الوطني ، والديني ، والاجتماعي ، والثقافي.. وتمثل: أشخاصاً ، وأحزاباً ، وجماعات ..!
ومازال يُسقط ، ويفضح ، ويعرّي : رموزاً ، وأوثاناً ، وهياكل ..!
 لم يصنعه الشابّ التونسي ، الذي أحرق نفسه ، بسبب الظلم .. ولا الأطفال السوريون ، الذين كتبوا على جدران درعا .. بل ، صنعه قدر الله ، لأمر يريده الله !
 ولا تتحكّم به ، جهة واحدة ، بعينها ، من البشر، برغم كثرة القوى ، المتدخّلة فيه .. وربّما بسبب ذلك ! بل الله ، وحده ، هو المتحكّم به ، وبمساراته ، وبمآلاته  !
لم تستطع الثورات المضادّة ؛ على شراستها ، وخسّة سدَنتها ، أن تقضي عليه !
ولم يستطع شياطين المكر والضلال، في العالم ، أن يقهروه ..! حاولوا إيقاف الطوفان البشري ، المتدفق في عواصم الربيع ، فعجزوا ، فلجأوا إلى تفتيت كتلته ، وتوزيعها في اتجاهات عدّة ، بأسماء مختلفة ، وهويّات متباينة : وطني ، قومي ، إسلامي ، علماني ، ليبرالي ..! فتفرقت مياه الطوفان.. ثمّ سلطوا بعض الفئات ، على بعض ؛ فدخلت ، في مناكفات ، بعضها ضدّ بعض!
 كل هذا طبيعي ، ومتوقع :
 دفاع الحكّام الظلمة ، عن مصالحهم وكراسيّهم ، طبيعي ومتوقع..!
 دخول أمريكا وإسرائيل ، وروسيا وإيران وفرنسا ، وغيرها .. ساحاتِ الصراع ، ليس بدعاً ، ولا نشازاً ، في قوانين الصراع ، بين الدول ، بل ، هو طبيعي ومتوقع ..!
لكن الربيع مايزال قائماً، يفعل فعله ؛ ذلك ، أن مياهه تنيع ، من منبع واحد، هو الظلم : ظلم الحكّام ، وأسيادهم في الخارج ، وعبيدهم في الداخل ! فالمفجّر الأوّل ، لثورات الربيع ، هو الظلم .. وهو سيظلّ موجوداً ، مادامت قرارات الدول ، بأيدٍ خارجية ، تضع وكلاء عنها ، في بلادنا ، من أبناء بلادنا ، فاسدين مفسدين ، ظلمَة مجرمين ! ولن تلبث الفئات ، التي خدعتها قوى الثورة المضادّة ، واستخدمتها ضدّ فئات المجتمع الأخرى .. لن تلبث ، أن تصحو، حين تكتشف ، أن قوى الثورة المضادّة ، عبثت بها ، لتخلخل قوّة الطوفان البشري، وتقضي على ثورته.. وأنها لم تكسب ، سوى الهوان أمام شعبها، وأنها لابدّ أن تعود إلى رشدها، وتحفظ كرامتها ، بين أبناء شعبها .. لتجتمع مياه الطوفان ، من جديد ، فتكتسح الظلم والفساد، بقوّة أكبر من قوّة الطوفان الأول ! فالطوفان البشري ، هو أبرز مظهر، من مظاهر الربيع ، الذي يفجّره الظلم ، في نفوس المظلومين ! وقد اكتشفت بعض القوى ، الخدعة ، واستعادت رشدها !   
إن الربيع ، هو إحساس المواطن ، بين المحيط والخليج :
بأنه لايقلّ ، أهمّية وقيمة ، عن حاكمه الظالم ، المتسلّط عليه !
وبأن حقوقه- المادّية والمعنوية- في بلاده ، التي سلبها حكّامه المجرمون، يجب أن تعود إليه !
وبأن الدماء ، التي أراقها الزبانية المتوحّشون ، في بلاده ، هي ضريبة الحرية ، التي لابدّ من دفعها ، اليوم ، أو غداً.. وأنها أقلّ ، بكثير، من ضريبة العبودية ، التي تزداد بمرور الزمن ! 
 وبأن الحرّية حقّ مقدّس ، لكل مواطن ، في وطنه .. إذا لم ينلها ، فلا قيمة له ، ولا معنى لحياته ؛ لأنه ، إنّما يكون إنساناً ، بالحرية ، ويكون مكلفاً ، بالحرية ! وهو، بلا حرّية ، كالدابّة العجماء ، تحمل أثقال الناس ، لقاء العلف .. وقد لاينال ، حتى العلف الذي تناله الدوابّ !
 وبأن مقصد الحرّية ، هو من أهمّ المقاصد ، التي جاءت الشريعة ، لحفظها ! وبعض العلماء جعلها : مقصداً سادساً .. وبعضهم جعلها : أمّ المقاصد ؛ لأن فقدانها ، يجعل الإنسان عبداً ، عاجزاً ، عن صون أيّ مقصد ، من المقاصد الخمسة ، الخاصة به : دينه ، وحياته ، وعرضه ، وعقله ، و ماله !
 وبأن هدر الزمن، في انتظار تغيير الحكّام، لأساليبهم ، في معاملة شعوبهم ؛ ليصبحوا رعاة بشراً ، يقودون مجتمعات بشرية – لادوابّ عجماء – .. هو عبث ، لا طائل وراءه !
 وبأن سقوط الحاكم ، ليس هو الربيع .. بل نهوضُ المحكوم ، من تحت الرماد ، هو الربيع ! فكم من حاكم سقط ، في بلادنا ، دون أن تنبت ، زهرة ربيع واحدة ! لأن الضبّاط المغامرين، كان بعضُهم يُسقط بعضاً ، دون أن يكون للشعوب يد ، في إسقاطهم ! فالشعوب هي صانعة ربيعها .. وإن لم تصنعه ، بأيديها ، وبتضحياتها .. فلن يصنعه لها أحد ! والضبّاط الذين يُسقط بعضُهم بعضاً، يفعلون ذلك لأجل أنفسهم، لا لأجل شعوبهم، التي لا يرونها، إلاّ قطعانا من العبيد ! 
 وبأن انتظار رحمة الصهاينة ، الذين يحكمون أمريكا ؛ لتعيين حكّام مجرمين، في بلادنا، أقل وحشية وأجراماً ، ممّن يحكموننا..هو نوع من مخادعة الذات ، فيه مزيد ، من هدر الأوقات ، والأعمار، والكرامات ..!
 وأن التمثل ببيت الشعر:
 ماحكّ جلدك ، مثلُ ظفركْ =  فتولّ ، أنتَ ، جميعَ أمركْ
هو خير وأجدى ، من ( انتظار الترياق ، من العراق ) ، كما يقول المثل المعروف !
وأن بيت الشعر:
جانبِ السلطانَ ، واحذرْ بطشَه  =  لاتعاندْ مَن إذا قال فعَلْ
فاسدُ المعنى ، مدمّر للأوطان ، مهلك للشعوب ، محطّم للنفوس البشرية .. ومخالف لسنن الله في خلقه ، ومناقض لسنن الاجتماع البشري ، ومخالف لهدي النبيّ : (سيّد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ) !
 ولقد ملأت هذه الإحساسات ، كلها ، صدورَ عقلاء البشر، بين المحيط والخليج .. ممثلة بظاهرة بارزة ، صارخة ، هي : أن كلّ شعب ، بات يعرف حقّ نفسه !
وصدق القائل :
إذا أنت ، لمْ تعرفْ ، لنفسكَ ، حقها =  هَواناً بها .. كانت ، على الناس ، أهْوَنا !
 ولقد برز الربيع ، المتدفق في صدور الشعوب ، عملاقاً حقيقياً ، بين أقزام السلطات الكالحة الآفلة .. المتشبثين بكراسيّهم الفاسدة ! وبرز مخلصاً ، بين أناس ، لم يعودوا يستترون ، من خزي العمالة ، لأعداء أمّتهم – بل يفاخرون ، بأنهم مدعومون ، من هذه الدولة ، المعادية لبلادهم ، أوتلك – تدمّر مدنهم ، وتهلك مواطنيهم .. وهم مغتبطون ، يعدّون هذا ، انتصاراً لهم ، على شعوبهم ، الرافضة لهم ( حكّام سورية ، نموذجاً ) ! وبرز أملاً مشرقا، للأمّة ، في غدها ، بين هياكل محنّطة ، تغطّي جباهَها ، أتربةُ الذلّ ، والبؤس والبَوار.. بعد أن توهّمت ، أنها أخمدت جذوته !
 وما السقوط الحقيقي المخزي ، إن لم يكن هذا ، أو شبيها بهذا .. ولو كان صاحبُه جاثماً في قصره ، متربّعاً على كرسيّ حكمه !؟