الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لن تشرق الشمس من موسكو

لن تشرق الشمس من موسكو

09.02.2017
يمان دابقي


العربي الجديد
الاربعاء 8/2/2017
بعدما ما فرغت موسكو مع حلفائها من استغلال فراغ المرحلة الانتقالية الأميركية، سارعت إلى المضي دبلوماسياً لاستثمار انتصاراتها العسكرية في حلب، بتسوية سياسية أرادت فرضها على كلّ الفاعلين في الساحة السورية.
استندت موسكو على قطف ثمارها مع تركيا، ورسمت خطاً ثنائياً بدأ بترتيب الأوراق من جديد، باجتماعات مكثفة في أنقرة، تُوّجت بإعلان موسكو الصادر في أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، نتج عنه رسم خارطة طريق لسورية بتعهدات تركية روسية إيرانية على استئناف مفاوضات السلام، مع التزام الأطراف بإيقاف الأعمال العسكرية وتعزيز هدنة شاملة للبلاد تمّهد لمباحثات تحقّق رؤية مشتركة بين المعارضة والنظام.
كان إعلان موسكو البداية لهدف يضمن لها أمام الرأي أنّها الطرف الأساسي لإحلال السلام في سورية، فواصلت موسكو اتصالاتها المكوكية مع جميع الأطراف، مراعيةً العامل الزمني، تحسّباً لأيّ طارئ من الإدارة الأميركية الجديدة، فكرّست إعلان موسكو بعقد مؤتمرأستانة في 23 24 يناير/ كانون الثاني الماضي، استطاعت من خلاله ترويج دستور أرادت فرضه على الجميع عبر بوابة الأستانة.
استطاعت روسيا أن تتقدّم إلى الأمام، فقلّصت من خيارات الشعب السوري، وأحدثت شرخاً كبيراً في المعارضة السياسية باستبعاد الهيئة العليا للمفاوضات، بالإضافة إلى تفجير بركان بين الفصائل العسكرية في شمال سورية، ونجحت بإشعال فتيل الفتنة بين الفصائل عن طريق الحليف التركي، وتشرذمت وازدادت الفرقة فيما بينها، فأصبح الشمال السوري مركز اقتتال داخلي بين كبرى الفصائل (أحرار الشام وجبهة فتح الشام – جبهة النصرة سابقاً)، وهو ما بدا أنّه نتاج ما صدر عن أستانة، فالشرخ الذي أحدثته موسكو وتركيا بين الفصائل أدى إلى إحساس التكتلات العسكرية بالخطر القادم من الغرب بإطلاق مرحلةٍ جديدة من الصراع، رجّحها مراقبون أنّها مرحلة أكثر حدة على صعيد الدبلوماسية.
دخل الشمال السوري مرحلةً جديدة لم يشهدها منذ بداية الثورة السورية، فحالة التخبّط والقلق التي أصابت الفصائل دفعت نفوذ القوة إلى إعادة النظر في سلوكها، وفجرت جبهة فتح الشام مفاجأةً من العيار الثقيل، وحاولت الهروب إلى الأمام عبر استمالة صغرى الفصائل إلى صفها، باعتبارها حركة نوعية تتضمن لها أن تبقى مركز الثقل العسكري وسط حصانة شعبية وقوة عسكرية تحميها من أيّ اعتداء يستفرد بها، ويكمل مسيرة استنزافها، فهي تعرّضت، في الآونة الأخيرة، لسلسلة من الغارات من التحالف الدولي أسفرت عن تصفية عدد من قاداتها، فأعلنت، أخيراً، عن اندماجها مع مجموعة من الفصائل التي تميل لفكرها المتشدّد تحت مسمّى هيئة تحرير الشام، ولا شك أنّ محاولتها الأخيرة هي استعداد لمرحلةٍ أدركت أنها ستخوضها، ولا مفر منها أمام طيران التحالف من جهة، ونفور الفصائل من جهة أخرى. ومن المرجح أن يزداد التوتر الحاصل في الشمال السوري بين فصائل معتدلة، أثقلتها الفصائل الإسلامية الرافضة أيّ حل سياسي، وأخرى إسلامية تعتبر أنّ الفصائل المعتدلة خائنة لثوابت الثورة.
انعكس ما جرى في الشمال سلباً على آمال السوريين المواظبين على تجديد أملٍ لا يزال معلّقاً بين السماء والأرض، منتظرين من يخلّصهم من جحيم نار حرمتهم أدنى حقوق الإنسانية في حق البقاء.
يراقب الجميع اليوم أي جديد من الإدارة الأميركية بقيادة دونالد ترامب، هذا الرجل حتى إن لم يكن يضمر خيراً لصالح الإنسانية، فعلى أقلّ تقدير قد تنفعنا الضارة النافعة إذا ما أراد تطبيق وعوده بردع إيران في المنطقة. ويصبّ هذا المطلب في صالح ثورة تدخل اليوم مرحلة حرجة جداً، ولا أحد يستطيع التنبؤ بنتائجها، لكن ما هو مؤكد أنّ الشمس لن تشرق من موسكو، فهي القاتل والمجرم والشريك والكفيل والحامي للمجرم الأول في دمشق.