الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لم يأتِ بجديد ولكن.. هل تلتزم روسيا وتركيا بـ"اتفاق موسكو"؟

لم يأتِ بجديد ولكن.. هل تلتزم روسيا وتركيا بـ"اتفاق موسكو"؟

10.03.2020
ساسة بوست


ساسة بوست
الاثنين 9/3/2020
توجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في صبيحة يوم الخميس الماضي إلى موسكو للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وبرفقته وفد رفيع المستوى يضم وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، ووزير الدفاع خلوصي أكار، ووزير المالية براءت ألبيرق، وأيضًا رئيس الاستخبارات هاكان فيدان، ورئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، والناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، والمتحدث باسم "حزب العدالة والتنمية" عمر جليك، ونائب رئيس الحزب ماهر أونال، وذلك للتباحث من أجل الوصول إلى حل لما يحدث في إدلب السورية.
هذا الوفد الرفيع والكبير الذي رافق أردوغان لموسكو شبهه مراقبون بأنه كان متوجهًا إلى ساحة معركة، وليس إلى طاولة مفاوضات، وكانت العديد من التحليلات تقول إن المفاوضات ستكون حامية الوطيس، وأن الحاضرين ستكون معهم أوراقهم، وأسلحتهم ليشهروها في وجوه بعضهم البعض.
هذه "المعركة التفاوضية" استمرت بين الطرفين قرابة ست ساعات متواصلة، وانتهت باتفاق مثير للجدل سنتحدث في هذا التقرير عنه، وعن إمكانية تنفيذه على أرض الواقع.
بنود اتفاق موسكو لم تأتِ بجديد
خرج الرئيسان التركي والروسي بعد طول انتظار وجميع وزراء الدولتين المعنيين في مؤتمر صحافي سريع لم يتجاوز ربع ساعة، وتلوا فيه البيان الذي كان بثلاث لغات فقط (الروسية، والتركية، والإنجليزية) دون نسخة عربية منه، وتضمن الاتفاق ثلاث نقاط فقط، هي: وقف إطلاق النار في مناطق التماس بإدلب، على أن يدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من منتصف ليلة الخميس الماضي، وإنشاء ممر آمن على طول الطريق الدولي "إم 4" عرضه ستة كيلومترات شمالًا وستة كيلومترات أخرى جنوبًا خلال مدة لا تتجاوز سبعة أيام يتم فيها تنسيق المعايير الدقيقة لهذا الممر، وانطلاق دوريات عسكرية مشتركة على الطريق ذاته اعتبارًا من 15 مارس (آذار) الحالي، تبدأ من بلدة "ترنبة" الواقعة غرب مدينة سراقب إلى بلدة عين الحور أقصى ريف إدلب الغربي.
 كما أكد الاتفاق على حماية المدنيين وعودتهم إلى مدنهم وقراهم، ومواصلة محاربة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية المدرجة على قوائم الأمم المتحدة، وشدد البيان على حق تركيا بالرد على أي استهداف لجنودها ونقاط مراقبتها من قبل النظام السوري، وأيضًا اتفقوا على وحدة الأراضي السورية، وأن الحل للأزمة السورية سياسيًا بإشراف الأمم المتحدة، وليس عسكريًا.
وجاء بيان الاتفاق مختصرًا للغاية، وبدون أي تفاصيل، ولكن المثير للاهتمام أن البنود الثلاثة التي جاءت بها "اتفاقية موسكو" هي ذاتها (علاوة على تعديل بسيط) الموجودة في "اتفاقية سوتشي 2018"، إذ لم تأت بجديد، وسط تجاهل تام لكل ما كانت تطالب تركيا بتطبيقه.
اتفاق غير واضح المعالم
بنى الكثير من المعارضين لنظام الأسد آمالهم أن تكون مخرجات المفاوضات في صالحهم، وأن يتمكن أردوغان من الحصول على تنازلات من الروس، خاصة بعد التهديدات التركية المرتفعة جدًا والضربات الجوية والصاروخية العنيفة التي خلفت عشرات القتلى في صفوف النظام السوري، لكن الاتفاق كان مخيبًا للأمال بشكل كبير، ولم يكن يتوقع أكثر المتشائمين أن يخرج بهذا الشكل، وفي الوقت نفسه غير واضح وتجاهل العديد من النقاط. كما أن البنود الثلاثة تحتاج إلى تفسير أوسع، وهو الأمر الذي خلق تجاذبات وتفسيرات وتحليلات كثيرة بين أطراف الصراع.
وقد تجاهل الإتفاق انسحاب قوات النظام السوري إلى ما وراء منطقة اتفاق سوتشي ونقاط المراقبة التركية، كما كانت تطالب تركيا. كذلك نص البيان على جانب غامض حين أشار إلى وقف الأنشطة العسكرية على طول خط التماس فقط؛ ما يعني أنه ربما تكون هناك عمليات عسكرية في مناطق لا تعد نقاط تماس.
تجاهل الاتفاق أيضًا ذكر مصير الطريق الدولي "إم 5"، والذي تمكنت قوات الأسد من السيطرة عليه بشكل كامل خلال الحملة التي بدأت بداية العام الحالي، بينما أشار إلى مصير الطريق الدولي "إم 4" الخاضع لسيطرة المعارضة وذلك عبر تسيير دوريات عسكرية مشتركة عليه وإنشاء منطقة آمنة حوله، ما أظهر أن الروس كسبوا كل شي.
ولم يشر أو يشرح البيان ما هو مصير المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة الواقعة جنوب الطريق الدولي "إم 4" وهي منطقة جبل الزاوية، والتي تحتوي على عشرات البلدات والقرى ومئات الآلاف من المدنيين، وكيف سيتم التعامل معها في ظل وجود منطقة آمنة تمتد حوالي ستة كيلومترات جنوب الطريق، في الوقت الذي زعمت مواقع روسية أن المعارضة المسلحة ستنسحب من هذه المنطقة حسب الاتفاق.
وأيضًا لم يشرح كيفية عودة النازحين إلى منازلهم التي أصبحت واقعة ضمن مناطق سيطرة النظام، ومن المعلوم أنه عند عودتهم سيقوم الأسد باعتقالهم على الفور. كما أشار البيان إلى محاربة التنظيمات الإرهابية ولم يشر إلى كيفية تحقيق ذلك، وهل ستقوم بهذه المهمة تركيا أم النظام وروسيا، وهل هذا يعني إعطاء الحق للأخير بشن هجمات عسكرية بحجة محاربة الإرهاب.
ردود الفعل الدولية على الاتفاق متباينة
كان الرفض الأوروبي والأمريكي للاتفاقية الروسية التركية بخصوص إدلب واضحًا، وكان أكثر وضوحًا في مجلس الأمن الدولي عندما عرقلت الولايات المتحدة مسودة بيان لمجلس الأمن الدولي يدعم الاتفاق، وأكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أن معظم أعضاء مجلس الأمن دعموا بدرجات مختلفة الاتفاقية.
بينما انتقدت الرئاسة الفرنسية الاتفاقية، معتبرة أنها هشة، خاصة بند وقف إطلاق النار، الذي اعتبرته لم يترسخ بعد، ورأت أن الاتفاقية تتضمن نقاطًا غامضة، من بينها الانسحاب من الطريقين الدوليين "إم 4 وإم 5"، والحديث عن دعم سياسي وإنساني ترتيباته غير واضحة. واعتبرت أيضًا أن سياسة روسيا واضحة، وتتمثل في سيطرة النظام السوري على كامل أراضي البلاد، وأوضحت أنه على تركيا الاختيار ما بين الشراكة مع روسيا، أو طلب الدعم من أوروبا، وأضاف البيان الفرنسي أنه بالرغم مما يملكه الروس والأتراك والإيرانيون من نقاط قوة على الأرض السورية، إلا أنه لن يكون بإمكانهم تحقيق الاستقرار في البلاد.
ومن ناحية أخرى رحبت العديد من الدول بوقف إطلاق النار، إذ قالت الخارجية الأمريكية أنها تأمل أن تساهم الاتفاقات في تخفيف حدة الوضع، وتخفيف الأزمة الإنسانية الرهيبة، وأظهر وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، سروره بالاتفاقية، أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش فرحب بها ودعا للعودة إلى العمليّة السياسيّة لإنهاء الحرب في سوريا، بينما طالب وزير الخارجية الهولندي ستيف بلوك بإضافة منطقة حظر طيران إلى الاتفاقية، وكذلك رحب كل من الصين وايران – وحتى النظام السوري نفسه – بالاتفاقية.
هل يصمد "اتفاق موسكو"؟
في تقرير سابق نشر على موقعنا "ساسة بوست" تحدثنا فيه عن أساليب الخداع الروسية للسيطرة على إدلب، والتي من بينها "الهدن". إذ استخدمت روسيا هذه الخدعة في كل حروبها حتى تلك التي في الشيشان وأفغانستان. وفي الحقيقة نجحت في سوريا وانطلت على المعارضة مرارًا وتكرارًا، فقد سمحت لها بالتمدد في جميع مناطق سوريا، فعند اشتداد المعارك، وحشد المعارضة، وتنظيم صفوفها بشكل أفضل، تعلن روسيا على الفور عن هدنة، لتفتر قوة المعارضة، ويركنوا إلى الراحة، ومن ثم تعاود قوات النظام وروسيا الهجوم مرة أخرى، وهكذا، حتى تتساقط المناطق بالتوالي، فهل تكون هذه الهدنة مثل مثيلاتها أم تختلف عنها؟
كُتبت العشرات من التحليلات والفرضيات خلال اليومين الماضيين عن هذا الاتفاق الذي وصفه الكثير بالغامض وغير الواضح، ويحتاج لشرح مفصل من قبل الدولتين المعنيتين، وسط تساؤلات مثيرة للاهتمام عن مصير النقاط التركية وهيئة تحرير الشام وتواجد النظام، وأيضًا كيفية عودة النازحين وتسيير الدوريات المشتركة، والأهم من ذلك في حال تم خرق الاتفاق من أي طرف ماذا سيحدث؟
يرى الصحافي التركي حمزة تكين، في مقال خاص بشبكة "آرام" أن "الاتفاق هش ولن يصمد، وهو بالحقيقة ليس اتفاقًا بقدر ما هو حماية للمصالح المشتركة التركية الروسية، كي لا تتأثر سلبًا بما سيحصل في إدلب"، وأضاف "أن هناك نقاطًا خلافية كثيرة بين الطرفين، ولكن تجمعهما نقطة مشتركة قوية أنهما لا يريدان الصدام، وأن ست ساعات من المباحثات ليست لأجل وقف إطلاق النار أو تسيير دوريات مشتركة، بل من أجل أن يحفظ الجانبان مصالحهما المشتركة العديدة والكثيرة، من أي ضرر بسبب ما يحصل وما سيحصل في إدلب" ويعتقد تكين أن "الرئيسين أردوغان وبوتين قد نجحا في تحييد بلديهما عما يحصل في إدلب من توتر، ولن يضر بعلاقات موسكو وأنقرة".
كذلك اعتبر الخبير في الشؤون الروسية، بسام البني، في منشور على صفحته الشخصية على "فيسبوك"، أن "المعركة انتهت، ولكن الحرب لم تنته، كما أن الاتفاقية لم تنسف تفاهمات أستنا وسوتشي كما كانت ترغب أمريكا"، واعتبر أن "تركيا اعترفت بخسارة الطريق الدولي "إم 5" لصالح النظام، وأن النظام لن يتراجع، ولا خطوة للوراء، بالإضافة أن تركيا احتفظت بحق الرد".
وأشار البني "أن هناك عدة أمور لم يتم التوافق عليها؛ مما يعني أن مذكرة التفاهم هذه لم ترض الطرفين، وبالتالي قد يكون هناك تصعيد قادم، وما تم الاتفاق عليه هو مجرد تأجيل للمواجهة إذا لم يجد الأطراف معجزة سياسية تؤدي إلى إنهاء كل المشاكل المعلقة"، ونوه البني إلى أن الشيء المؤكد من نتيجة القمة بين بوتين وأردوغان أنها "أظهرت أن مواصلة العمل المشترك أكثر أهمية من القتال، على الأقل في الوقت الحالي".
تحدثنا في "ساسة بوست" إلى ثلاثة من النشطاء السوريين – اشترطوا عدم الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية – عن رؤيتهم للاتفاقية ومدى إمكانية تطبيقها على أرض الواقع، إذ أكدوا أن "التواجد العسكري التركي الكثيف والواسع في إدلب سيضمن تطبيق الاتفاقية، وذلك من خلال إجبار فصائل المعارضة المسلحة على الانصياع وعدم خرقها، كما أن هناك حرصًا تركيًا على تطبيقها، أما الروس فلا يمكن الوثوق بهم لأنهم لا يملكون قوات رادعة على الأرض، إذ إن أغلبها ميلشيات تابعة لإيران، التي ربما لا تكون راضية عن الاتفاق وتخطط لخرقه، ما سيؤدي في النهاية إلى عودة المعارك مرة أخرى".
ما الذي يخفيه الاتفاق؟
أشار النشطاء إلى أن "صياغة الاتفاق تخفي وراءها تفاصيل كثيرة تعمدت الدولتان عدم إظهارها، بدليل أن الاجتماع الذي استمر ست ساعات كان من الممكن على أقل تقدير أن يُفصل البنود الثلاثة بشكل أفضل، إلا أنهم فضلوا وضع نقاط غامضة وغير مفهومة"، وأشار الناشطون "أن هناك اتفاقًا آخر، وربما اتفاقات أخرى تمت في الاجتماع؛ لأن ما خرج به كان من الممكن أن يتم التوافق عليه بدون ذهاب كامل الحكومة التركية إلى موسكو، وكان من الممكن أن يتم التوافق عليه من خلال الاجتماعات الأمنية بين الروس والأتراك فقط".
وأشار النشطاء أن "موسكو كانت السبب الرئيس في توقف عملية "نبع السلام" التركية شرقي سوريا، والتي استهدفت قوات سوريا الديمقراطية الكردية (قسد)، والتي كانت تهدف للسيطرة على كامل الحدود السورية التركية، إلا أن موسكو أوقفتها بعد أن سمحت "قسد" لهم بالدخول إلى مناطقها".
وذكروا أن "أردوغان سافر في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 إلى مدينة سوتشي للقاء بوتين واتفقا على انسحاب القوات الكردية إلى عمق 30 كيلومترًا عن الحدود السورية مع تركيا"، وبحسب النشطاء الذين تحدثنا إليهم فهم يعتقدون أن "أردوغان فتح موضوع شرق الفرات في الاجتماعات، وتم الاتفاق عبر مقايضة من نوع ما، ربما ستتضح في الأيام القادمة، وربما نسمع عن إعادة تفعيل العملية مرة أخرى، إذ رصد نشطاء محليون تحركات عسكرية لـ"قسد" في المنطقة".
وقال النشطاء لـ"ساسة بوست": إن "أردوغان ما كان ليقبل بمثل هذا الاتفاق، لولا أن وراء الأكمة ما وراءها"، وأشاروا إلى أنه قد ضمن أربع فوائد من هذه الاتفاقية، أولًا تبعية ما تبقى من مناطق تحت سيطرة المعارضة للنفوذ التركي بسبب التواجد الكثيف العسكري فيها، وثانيًا ستكون المناطق المتبقية محمية من أية محاولة تقدم مستقبلية لقوات النظام، وثالثًا منع عملية نزوح هائلة إلى تركيا، ورابعًا والأهم تفادي صراع روسي تركي مدمر في المنطقة، وضمان مصالحهم المشتركة.
لكن وحسب رأي النشطاء فإن "الفوائد الأربع هذه التي خرج بها أردوغان ليست كافية، وبالضرورة هناك فائدة خامسة وربما أكثر خرج بها أردوغان من الاجتماع، ربما تكون هي شرقي الفرات أو حتى ليبيا، خاصة بعد تصريح أردوغان بعد الاجتماع أنه يعتقد أن بوتين سيقدم على خطوات إيجابية بخصوص مرتزقة "فاجنر" الروس في ليبيا".
وفي النهاية فإن أردوغان يبدو أنه بلغ مبتغاه من اتفاقه مع الروس، إذ ما تزال الأرتال التركية تدخل إلى إدلب حتى اللحظة، وتوسع تواجدها بشكل متواصل، كما أن الهدنة ما تزال صامدة لغاية الساعة، مع بعض الخروقات من قبل النظام السوري، والتي لم تسفر عن سقوط أية إصابات بين المدنيين، كما أن فصائل المعارضة التزمت بالهدنة بشكل تام، ولكن يبقى الاختبار الصعب أمام تركيا وهي الدوريات المشتركة على الطريق الدولي "إم 4"، وعندما يتم تنفيذ هذا البند ربما سنرى تطبيق البنود المخفية الأخرى لاحقًا.