الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لماذا يدعم عباس عودة نظام الأسد للجامعة العربية؟

لماذا يدعم عباس عودة نظام الأسد للجامعة العربية؟

10.02.2019
ماجد عزام


سوريا تي في
السبت 9/2/2019
بات محمود عباس أول رئيس عربي يعلن صراحة عن تأييده لعودة نظام الأسد للجامعة العربية. عباس قال ذلك الأربعاء لوكالة سبوتنيك - تعمل كحشد إعلامي روسي - غير أنه استدرك أنه لا يخطط لزيارة دمشق حالياً في تعارض مع ما أعلنه عزام الأحمد عضو مركزية فتح وتنفيذية منظمة التحرير في يناير الماضي أثناء افتتاح مكتب لتلفزيون فلسطين في العاصمة السورية المحتلة من قبل بشار وعصابته، كما الاحتلالات الأجنبية التي جلبها لإبقاء نظامه في السلطة رغماً عن إرادة السوريين.
موقف عباس غير مفاجئ إن كان لجهة اتصالاته وعلاقاته مع النظام، أو إعلان تأييد عودته للجامعة العربية. أما تأجيل زيارته لدمشق فيعود إلى رفض النظام تلبية شروط الحد الأدنى العربية بإنهاء الوصاية والاحتلال الإيراني – رغم موقف عاصمتي الثورة المضادة القاهرة وأبو ظبي البراغماتي والمندفع – وفرملة واشنطن للاندفاعة العربية الرسمية تجاه نظام الأسد في سياق معركتها مع إيران التي توسعت مذهبياً وقومياً أصلاً بضوء أخضر أمريكي صريح من إدارة باراك أوباما المعادي للعرب، الذي أحاط نفسه بلوبي فارسي يصلح مادة للتحقيق مماثل لذاك الروسي ضد ترامب وإدارته، كما قالت "نيويورك تايمز" عن حق الأسبوع الماضي.
قبل شرح تحليل موقف عباس الأخير لابد من التوقف عند الخطوة المريبة والمستفزة بافتتاح مكتب لتلفزيون فلسطين في دمشق يناير الماضي، والتى تم إعطاؤها بُعدا سياسيا متعمدا من خلال وجود مسؤولين فلسطينيين كثر وآخرين ممثلين للنظام، وأعلن عزام الأحمد على هامشها عن زيارة قريبة لمحمود عباس للعاصمة السورية المحتلة.
لابد من التوقف عند الخطوة المريبة والمستفزة بافتتاح مكتب لتلفزيون فلسطين في دمشق يناير الماضي، والتى تم إعطاؤها بُعدا سياسيا متعمدا
بدا غريباً أن تفتتح سلطة حكم ذاتي - بلا سلطة كما يقول صائب عريقات دائماً - تعيش على المعونات الخارجية، وتزعم أنها تعاني أزمة مالية وتقطع الرواتب عن موظفيها ومواطنيها البسطاء في غزة، وتمنع عنهم خدمات ومساعدات إنسانية أساسية، بدا غريباً أن تفتتح مكاتب خارجية للتلفزيون الذي لا يشاهده أحد في القاهرة وبيروت ثم دمشق بعد ذلك.
سعت منظومة الاستبداد والفساد الفلسطينية إلى تحقيق عوائد سياسية ومالية خاصة بها عبر تمتين علاقاتها مع الجهات المماثلة في مصر ولبنان - رغم دوره المتراجع عربياً مع خضوعه للاحتلال الإيراني - وبدا للحظة أن الخطوات في القاهرة وبيروت وكأنها تمهيدية لافتتاح المكتب في دمشق الذي جاء سياسياً بامتياز وبمثابة إعلان عن عودة العلاقات إلى مستواها الطبيعي والحميمي بين منظمة التحرير، ونظام الأسد.
 والحقيقة أريد لبروباغندا أو عراضة التلفزيون أن تكون بمثابة افتتاح السفارة للدول التي لا تملك سفارات فى دمشق أي أنها بدت مشابهة لخطوة البحرين والإمارات بهذا الصدد.
الخطوة الإعلامية ظاهراً في سوريا كانت سياسية إذن، وأراد عباس عبرها التعبير عن دعمه لنظام الأسد، وكانت الزيارة فعلاً كما أعلن عزام الأحمد، مسألة وقت قبل أن تتم فرملتها ويزعم عباس أن لا خطط لديه للذهاب إلى دمشق مع تأييده العلني والصريح للنظام.
الدعم الرسمي، وحتى الفصائلي الفلسطيني لنظام الأسد، كما قلنا وكتبنا مراراً ليس مفاجئاً. فمن الناحية الفكرية السياسية اعتبرت السلطة ومنظمة التحرير، بل الطبقة السياسية الفلسطينية برمتها، نفسها جزءا لا يتجزأ من منظومة الاستبداد والفساد العربية التي اندلعت الثورات العربية ضدها.
اعتبرت السلطة ومنظمة التحرير، بل الطبقة السياسية الفلسطينية برمتها، نفسها جزءا لا يتجزأ من منظومة الاستبداد والفساد العربية التي اندلعت الثورات العربية ضدها
قيادة منظمة التحرير الهرمة المترهلة والفاسدة عارضت الثورات ووقفت ضدها، لأنها اعتقدت أنها ستوصل الإسلاميين للسلطة في العالم العربي أو توفر لهم نصيبا مهما فيها، ما سينعكس حتماً على الوضع السياسي الفلسطيني، وبالتالي تقوية خصمها حماس، باعتبارها التعبير الأبرز عن الإسلام السياسي في فلسطين.
ثمة بُعد آخر فى تأييد قيادة المنظمة للنظام السوري لا ينال حظه من الاهتمام الإعلامي و يتمثل برغبة عباس في قطع الطريق على أي تقارب بين حماس والنظام بعد التغيير القيادي الذي عصف بالحركة المقاومة وهيمنة تيار السنوار العسكري المتماهي مع ذهنية الحشد الشعبي وقيام إيران وذراعها الإقليمي في لبنان ، بوساطات واتصالات لعودة العلاقة بين حماس ونظام الأسد، وإعادة فتح مكتب للأولى في دمشق .
عندما أعلن عزام الأحمد عن زيارة قريبة لعباس لدمشق كانت القصة فعلاً على نار حامية، وإضافة إلى المعطيات السابقة كانت الفكرة تعبير عن الأجواء العربية الرسمية غير الممانعة، بل المشجعة على استئناف العلاقات مع نظام الأسد وعباس كان يعرف أن الخطوة لن تثير غضب العاصمتين العربيتين الأقرب إليه أي القاهرة والرياض.
الآن حصل تأجيل للزيارة كما لزيارات وخطوات عربية أخرى كانت على الطريق بعد فرملة الاندفاعة العربية تجاه نظام الأسد، وسيكون الأمر أصعب بالتأكيد بعد قانون قيصر الأمريكي الذي يفرض عقوبات على المتعاملين مع نظام الأسد وداعميه تحديداً في السياق الاقتصادي، علماً أن هذا الجانب تحديداً يقف خلف رغبة الإمارات ودول خليجية أخرى في إعادة العلاقات مع النظام.
في حديثه للوكالة الروسية تحدث عباس كذلك عن اتصالات ومتابعة للوضع في سوريا التي يقيم فيها نصف مليون لاجىء فلسطيني، وأعتقد أن أبا مازن مطالب بتحديث معلوماته –القديمة -لأن النظام قتل واعتقل عشرات الآلاف، وشرد مئات الآلاف منهم خارج سوريا التى تبقى فيها تقريباً نصف العدد الذي تحدث عنه الرئيس الفلسطين أو من يفترض أنه كذلك.
وأعتقد أن أبا مازن مطالب بتحديث معلوماته –القديمة -لأن النظام قتل واعتقل عشرات الآلاف، وشرد مئات الآلاف منهم خارج سوريا
 أما قمة النفاق والانفصام فكانت في حديث عباس عن مناقشة إعمار مخيم اليرموك مع نظام الأسد، بل إن سلطة الاستبداد والفساد الفلسطينية شكلت لجنة بهذا الخصوص لتحقيق مكاسب سياسية ومالية - مكافآت وبدل سفر ما إلى ذلك ، علماً  أن النظام دمر المخيمات، قتل وشرّد أهلها عن عمد أمام أعين عباس وممثليه، وهو بوارد فرض وقائع جديدة في اليرموك ومحيطه المتروك لإيران وموتوريها الطائفيين، ومسألة إعادة الإعمار كلها أكذوبة ودعاية للنظام لاستعادة شرعيته إضافة إلى أنها مرتبطة بالعملية السياسية وضرورة توفير التمويل الدولي اللازم وهى المعطيات غير المتوفرة حتى الآن.
 والحقيقة أن لا مكان للاجئين الفلسطينيين بعقلهم الوحدوي الجامع في سوريا الطائفية المتجانسة التي يقودها النظام، والتي يقيم عباس علاقات واتصالات معها وهو هنا يتصرف كأقلوي من الناحية السياسية، وبالتأكيد لا يملك التفويض الديموقراطي اللازم، لا للعلاقة مع نظام الأسد، ولا لفعل ما يفعله بغزة واللاجئين بالخارج الذين تخلى عنهم. وتركهم تحت رحمة الأسد وميليشاته الطائفية الموتورة والمجرمة.
عموماً عبّر عباس عن قناعاته الفكرية السياسية لجهة تأييده للنظام، وموافقته على عودته للجامعة العربية رغم كل جرائمه، وإسباغ الشرعية عليه وكأن شيئاً لم يكن. أما تراجعه عن الزيارة التي كانت مقررة ومسألة وقت فقط فيمثل تأكيدا على المستجدات السياسية الأخيرة، وأن التطبيع مع النظام لم يحن وقته بعد، وربما حتى بات شبه مستحيل بعد قانون قيصر الأخير، مع الانتباه إلى أن الشرعية هي حصراً بيد الشعب السوري وما من إحتلال أو تدخل أجنبي، قادر على توفيرها للأسد، أو لغيره من المستبدين الفاسدين من الحكام العرب.