الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لماذا لم يسقط الأسد حتى الآن!!

لماذا لم يسقط الأسد حتى الآن!!

21.02.2019
خالد المطلق


جيرون
الاربعاء 20/2/2019
ثماني سنوات عجاف، وما زال الأسد موجودًا، على الرغم من آلاف الجرائم التي ارتكبها، من قتل واعتقال واغتصاب وتدمير وتغيير ديموغرافي، في حق بلدٍ يُفترض أنه بلده، وشعبٍ يُفترض أنه شعبه. وإذا عدنا للتاريخ القديم والحديث؛ فإننا لن نجد رئيسًا لبلد أو جماعة أو فئة من البشر قام بكل هذه الجرائم، في حق من ائتمنه على كل ما يملك، مثلما فعل الأسد الابن امتدادًا لما قام به أبوه.
منذ عام 1982، بدأت مرحلة عذاب الشعب السوري، وبدأها الأسد الأب بمجزرة حماة، واستمر في ذلك الطريق حتى موته عام 2000، ولم يجد من يحاسبه، بل التفّ حوله كثير من الزعماء، وتبناه أصحاب القرار في العالم، على الرغم من الشعارات الرنانة التي كان يصدح بها، التي طالما ركزت على محاربة الاستعمار والإمبريالية و”إسرائيل”، ورفع لواء “المقاومة والممانعة” لمشاريع هؤلاء في المنطقة، فقد ثبت -من خلال مجريات الأحداث التي رافقت الثورة السورية- أن هذا النظام العائلة هو الحليف الاستراتيجي لمن كان يدّعي محاربتهم ومقاومتهم إعلاميًا.
سار الأسد الابن على نهج أبيه، وكانت سنوات حكمه درسًا قاسيًا للسوريين، كانت نتيجته ثورة عارمة من شعبٍ خسر كل شيء، ولم يعد بإمكانه الاستمرار في بيت الطاعة، وبعد تظاهرات سلمية عارمة، قابلها السفاح بالحديد والنار؛ اضطر شبان من الثورة إلى حمل السلاح للدفاع عن أرضهم وعرضهم، وسرعان ما حققت المعارضة تقدمًا مهمًا؛ فسيطرت على 75 بالمئة من جغرافية سورية، وكاد أن يسقط الأسد وعصابته؛ لولا الظروف والحظ وقليل من الدهاء، فتحوّل كل شيء إلى مصلحته، وبدأت مرحلة إعادة إنتاجه وترسيخ حكمه من جديد، ليكون الحاكمَ الوحيد الذي نجا من ثورات الربيع العربي.
نجا الأسد من السقوط، لأسباب عدة تتعلق بالتكتيك الذي اتبعه مع حاضنته والدهاء في التعامل مع الحراك المسلح للثورة، كما تتعلق بالمعارضة العسكرية والسياسية، وبحلفاء الأسد وحلفاء المعارضة، ناهيك عن الظهور المفاجئ للتنظيمات الراديكالية المتشددة، وأخيرًا الإرادة القوية للكيان الصهيوني وقد ثبت أنه السبب الجوهري لبقاء الأسد.
يُشكّل العلويون نسبة لا تتجاوز 12 بالمئة، من عدد سكان سورية، ولهذا حرص الأسد الأب -منذ تسلمه السلطة- على أن يمسك مفاصل الدولة الأساسية، من أجهزة أمن وجيش وشرطة، من خلال هؤلاء الذين ثبت أنهم معبّأين أيديولوجيًا وعقائديًا للدفاع عن حكم الأسد، الذي صوّر لهم الأمر بأن حكم طائفته لسورية مهدّدٌ، وعمل على إقناعهم بأن سقوط الأسد سيعرّضهم إلى الانتقام الطائفي الشديد على يد الأغلبية السنية، ولهذا سرعان ما تطوع أغلب شباب الطائفة، منذ بداية الثورة، في الجيش والمخابرات والفصائل الرديفة كالدفاع الوطني (الشبيحة).
ومن أهمّ أسباب بقاء الأسد وصموده إدراكه، منذ بداية الثورة، أن السيطرة على غير مراكز المدن -ولا سيما العاصمة- لا يعني شيئًا في الواقع السياسي، لذلك حرص منذ البداية على تحصين العاصمة، ومراكز المدن الرئيسية، ولم يخسر إلا مركز مدينتي الرقة ودرعا. وفي ذلك الوقت، لم يكترث كثيرًا لسيطرة فصائل الثورة على الأرياف وضواحي المدن، ثم إلى تقسيم هذه المناطق، وبدأ مسلسل الهدن في مناطق، والحصار والتجويع في مناطق أخرى، وبما أن العاصمة بخير؛ فالأسد وحكمه بألف خير، وبهذه الخطة، استطاع الأسد السيطرة -وإن كان ذلك صوريًا- على الدولة ومؤسساتها.
يمكن القول أيضًا إن أحد الأسباب المهمة لبقاء الأسد كان الذين مثّلوا الثورة السورية، على الصعيد السياسي والعسكري، فعلى الرغم من كل الإجراءات التي اتخذها الأسد لحماية حكمه، لو وُجد في صف المعارضة من يمتلك الحسّ الوطني المؤثر والإمكانات الحقيقية لقيادة الشعب الثائر؛ لكان حكم الأسد قد انتهى، لكنّ أمراض المعارضة -مع الأسف- كانت سرطانية، فتكت بالثورة السورية والشعب، وفككت الثورة وجزّأتها إلى تحالفات وصراعات، حيث قادتها أحزاب راديكالية تحمل فكرًا باطنيًا متشددًا، وأفرادٌ قليلو خبرة انخرطوا في أحزاب حديثة الولادة، ناهيك عن حجم الاختراقات الكبيرة التي فتكت بمؤسسات الثورة، كل هذا جعل جميع هؤلاء مرتهنين لبعض الدول التي سرعان ما اتضح دورها في وأد الثورة، ولعل الانقسامات التي عرّت المعارضة السياسية هي خير دليل على فشل هذه المعارضات، التي كان باكورة جهدها تشكيل مجلس وطني، حاولت السيطرة عليه فئة من السوريين، لهم مشروعهم الخاص الذي يخدم تطلعاتهم إلى حكم سورية، ولو على حساب الدم السوري، وتوالت الانقسامات وتشكل الائتلاف، ثم انقسم إلى قسمين، وتطور الانقسام إلى تشكيل هيئة تفاوض، ومن ثم تمّ الانقلاب لإدخال مؤيدي الأسد باطنيًا إلى هذا المكون، للسيطرة على قراراته وإعطاء الطابع القانوني لهذه القرارات، ولكن الطامة الكبرى كانت بمكون جديد برز على الساحة، وهي اللجنة الدستورية التي يُقال إنها ستقوم بصياغة دستور لسورية، لا أحد يعرف أكانوا يمثلون الشعب السوري وثورته أم لا.
لم تكن حال الفصائل العسكرية أفضل من حال من نصّب نفسه وصيًا على مؤسسات الثورة، بل كان هؤلاء أشد تأثيرًا وخطرًا على مجريات الأمور، وهذا بات جليًا، من خلال التناحر بين الفصائل التي تحمل أفكارًا أيديولوجية؛ حيث انقسمَت هذه الفصائل إلى فصائل متشددة جهادية تابعة لتنظيم القاعدة، وفصائل سلفية، وفصائل إخوانية، وفصائل علمانية، ولكل منها دولٌ تدعمُه، إضافة إلى فصائل بالمئات، لكل منها مشروعها السياسي المستقل أو ليس لها من مشروع أصلًا، وبدأ القتل بشكل شبه يومي بين الإخوة الأعداء، والأخطر زرع بذور الحقد والكراهية بين أبناء المنطقة الواحدة والمدينة الواحدة والقرية الواحدة، بل في كثير من الأحيان بين أفراد الأسرة الواحدة، وكان يمكن أن تساهم دماءُ السوريين المعارضين التي سُفكت في الاقتتال البيني، في الخلاص من النظام السوري، وقد عمد الأسد وأجهزته الأمنية إلى اغتيال القادة الحقيقيين للثورة، عسكريين وسياسيين وناشطين، أمثال مشعل تمو، والعقيد أبو فرات، وعبد القادر الصالح، والدكتور عدنان وهبه، والكثير الكثير من رجالات الثورة، وكان هدفه الحقيقي هو إبقاء نوع واحد من المعارضة، وهي المعارضة المتأسلمة التي ألصق بها الأسد وحلفاؤه تهمة الإرهاب بسهولة، ليظهر للعالم أنه يحارب الإرهاب الذي يخشاه المجتمع الدولي، وساعده في ذلك حلفاؤه ومشغلوه، عندما تم الإعلان في حزيران/ يونيو 2014 عن قيام (تنظيم الدولة الإسلامية) في العراق والشام (داعش) الذي كان الأسد ومخابراته أول المحتفلين بهذا الحدث العظيم، كيف لا وهذا الكيان سيكون الأداة الفولاذية التي تقضي على من تسامح مع مشروعهم في بدايته، وهؤلاء هم الثورة والثوار وحاضنتهم الشعبية؟ وكان لهم ما أرادوا، من خلال التنكيل -تحت ذرائع واهية- بالشعب الثائر، أينما حل هذا التنظيم، وبينما كان (الجيش الحر) يستعد للانقضاض على معاقل الأسد، قام التنظيم بالهجوم على الأراضي المحررة، واستولى عليها ونكل بأصحابها، وقتل وأعدم الكثير من عناصر (الجيش الحر)، ويمكن أن نقول إن تنظيم (داعش) كان أحد أهم أسباب بقاء الأسد، وإعادة تعويمه أمام المجتمع الدولي، على الأقل ظاهريًا، وقد أظهر الأسدَ بأنه الشريك الفعّال في مكافحة الإرهاب، وشماعة للروس كي تتدخل عسكريًا لحماية الأسد، وكان مَهربًا ملائمًا لداعمي الثورة السورية خوفًا من تهمة دعم الإرهاب.
كل هذه العوامل والظروف لم يكن لها تأثير على بقاء الأسد؛ لولا الدور الخفي لحلفاء الأسد الاستراتيجيين، ومصدر قوته الحقيقي: “إسرائيل”، كيف لا ونظام الأسدَين الأب والابن ظلّ عدوًا بالشعارات فحسب، وتصريحات رامي مخلوف، في بداية الثورة، أثبتت أن “إسرائيل” ليست مع بقاء الأسد وحسب، بل إنها تعتبره الصبي المدلل والحامي لحدودها، وهو الذي لم يطلق طلقة واحدة على الكيان الصهيوني، منذ تسلّم عائلة الأسد للسلطة، كما حقق لـ “إسرائيل” حلمها بتدمير وتحطيم الجيش السوري آخر الجيوش القوية على حدودها.
موجز القول أن ثماني سنوات خسرت خلالها سورية اقتصادها وجيشها إلى الأبد، وخسر السوريون أملاكهم وأبناءهم، وانهارت ثورات الربيع العربي، وتحوّل مسار المفاوضات السورية، من تحت مظلة الأمم المتحدة في جنيف إلى مظلة الروس في أستانا، وتصارعت دول الإقليم على كل شيء، ورحل أوباما وجاء ترامب، وبعد أن كان رحيل الأسد مطلب الجميع؛ أصبح بقاؤه مقبولًا، وإعادة العلاقات معه تسير بوتيرة لا بأس بها، لكن سورية أصبحت أرضًا لكارثة القرن، وأمست مقسمًة جغرافيًا بين القوى العظمى وغير العظمى، ولا يسيطر الأسد ونظامه إلا على أكثر بقليل من نصف مساحة البلد، ليبقى الأسد الحاكمَ الأسوأ سُمعًة وتاريخًا على وجه الأرض، بعد أن قتل شعبه بيده، ودمّر جيشه بيده، وضحّى بأبناء طائفته بيده، ليبقى هو وكرسيه الغارق في دماء الأبرياء، الذين لم يكن لهم من مطلبٍ سوى العيش بحرية وكرامة كباقي شعوب المعمورة.