الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لماذا طرحت روسيا إعادة تفعيل اتفاقية "أضنة" الخاصة بسوريا؟

لماذا طرحت روسيا إعادة تفعيل اتفاقية "أضنة" الخاصة بسوريا؟

31.01.2019
فراس فحام


نداء سوريا
الاربعاء 30/1/2019
للوهلة الأولى بدا أن تصريحات الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" بعد لقاء قمة موسكو مع نظيره التركي "رجب طيب أردوغان" والحديث عن اتفاقية "أضنة" وقانونية دور تركيا في سوريا بموجبها، يراد منه الاعتراف بشرعية التواجد العسكري التركي على الأراضي السورية.
وكانت اتفاقية "أضنة" قد جرى توقيعها بين النظام السوري والحكومة التركية عام 1998، لتضع حداً لتوترات استمرت لأعوام بين أنقرة وسوريا نتيجة إقدام حكومة الأسد الأب على دعم " عمليات حزب العمال الكردستاني" وتسهيل تحركاته ضد تركيا، وكذلك استضافة زعيمه "عبد الله أوجلان".
ولمعرفة دلالات تصريحات الزعيم الروسي وغاياتها لابد من النظر إلى سياقها، وملاحظة أنها جاءت كرد على المطلب الذي حمله الرئيس التركي "أردوغان" إلى موسكو لمناقشته مع "بوتين"، والمقصود هنا رغبة تركيا بالحصول على تأييد روسيا في مسألة إقامة المنطقة الآمنة شمال شرق سوريا، وبالتالي إطلاق يد أنقرة لتشرف على تأسيسها بمفردها دون مشاركة أي جهة أخرى .
ردُّ "أردوغان" على التصريحات الروسية لم يتأخر، وتحدث عن ضرورة إعادة طرح اتفاقية "أضنة" للنقاش والتفاوض من جديد، مما أعطى مؤشراً واضحاً على أن تركيا لا ترى مصلحة لها في إعادة إحياء العمل بهذا البروتوكول لأنه لم يعد يلبي مصالحها الأمنية والسياسية.
تريد موسكو من خلال إحياء الاتفاقية وتفعيل العمل بها من جديد قطع الطريق على أنقرة في موضوع إنشاء المنطقة الآمنة، وذلك من خلال تحديد هامش توغل للقوات التركية داخل الأراضي السورية لا يتجاوز 5 كيلومترات، وهو العمق المنصوص عليه في الاتفاقية الموقعة بين دمشق وأنقرة، والتي تتيح للأخيرة تولي مهمة مكافحة التنظيم الإرهابي بنفسها في حال فشلت دمشق بذلك، وهذا يعني أنه في حال قبلت تركيا بالعمل بموجب الاتفاقية فإنها تقر بشكل غير مباشر بعدم شرعية وجود قواتها شمال حلب وفي منطقة عفرين كونها خارج إطار أي اتفاق أو تفاهم مع "الحكومة الشرعية" بسوريا بحسب ما تراها موسكوومن المصالح التي تبحث روسيا عن تحقيقها من تفعيل العمل بالاتفاقية أن تؤكد مرة جديدة على أن النظام السوري طرف شرعي قادر على الوفاء بالتزاماته الدولية، وأنه ضامن أساسي للأمن القومي لدول الجوار وبدون التفاهم والتنسيق معه لن تفلح الدول المجاورة بتحقيق مصالحها، والأهم من ذلك كله أن موسكو ستضمن من خلال موافقة تركيا على العمل بموجب الاتفاقية اعتراف الأخيرة بشرعية الأسد، وهي مسألة رفضتها ولا زالت ترفضها عند كل مناسبة.
إن المقاربة الروسية لملف شمال شرق سوريا أو ما يعرف بـ "شرق الفرات"، تقوم على فكرة استيعاب النظام السوري لحزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري YPG( الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني)، ومحاولة إدماجه ضمن مؤسسات النظام العسكرية والمحلية، ولذلك تصر موسكو على أن يعود النظام السوري ويتولى بنفسه تفكيك معسكرات الحزب ومكافحة مؤسساته، وهو التزامٌ منصوصٌ عليه ضمن اتفاقية "أضنة" التي طرحتها روسيا للتطبيق من جديد
ردة الفعل التركية التي تمثلت برفض الرئيس "رجب طيب أردوغان" التواصل مع "الأسد"، واتهامه بقتل مليون شخص وتهجير الملايين، بالإضافة إلى تأكيد وزير الخارجية "مولود جاويش أوغلو" قدرة بلاده على تأسيس المنطقة الآمنة في سوريا بمفردها، كلها مؤشرات تظهر إدراك تركيا عدم وجود مصلحة لها بالقبول بما هو أدنى من تولي تأسيس المنطقة الآمنة بنفسها، وعدم الاكتفاء بشريط حدودي تحدده اتفاقيات سابقة مع النظام السوري.
لاشك أن أنقرة حزمت أمرها منذ صيف 2016 عند إطلاق عملية "درع الفرات"، وقررت الدفاع عن أمنها القومي بنفسها وعدم تفويض هذه المهمة لأي طرف آخر، خاصة إن كان الحديث عن ترك المسألة للنظام السوري نفسه الذي لعب دوراً أساسياً ومحورياً طيلة السنوات السبع الماضية في نمو وتضخم "حزب الاتحاد الديمقراطي" وتصاعد قوته ، وذلك من خلال الانسحاب له من مناطق واسعة قرب الحدود التركية في الحسكة وحلب، أي أن أنقرة لن تثق مجدداً بأن يقوم النظام السوري بضمان أمنها القومي بعد أن كان طرفاً في تهديده، إلا أن روسيا وكونها لاعباً مهماً في الملف السوري تمارس الضغوط باستمرار لمحاولة تأطير الدور التركي وتحركات أنقرة، وفي هذا السياق يأتي التلويح الروسي بعملية عسكرية في إدلب مؤخراً، حيث تسعى موسكو على ما يبدو لتخيير تركيا بين المنطقة الآمنة شرق الفرات وبين الحفاظ على الوضع الراهن شمال سوريا.