الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لماذا خسرنا.. وهل هناك ثمة أمل لنا بالخلاص؟

لماذا خسرنا.. وهل هناك ثمة أمل لنا بالخلاص؟

23.03.2019
أحمد عيشة


سوريا تي في
الخميس 21/3/2019
صار لزاماً علينا، بعد مرور ثماني سنوات على انفجار الثورة السورية، أن نسأل أنفسنا وأن نقوم بجردة نقدية بعد ما جرى بحق السوريين وسوريا، إلى اليوم.
لا شك في أنَّ سببَ الثورة السورية هو فقدان الكرامة والحرية، وهما الشعاران اللذان رفعهما الثوار منذ اليوم الأول، فهل تحقق شيءٌ مما سعت لتحقيقه الثورة، بعد هذه الأعوام الثمانية، وموت أكثر من مليون إنسان، وتشريد ما لا يقل عن نصف سكان سوريا، واعتقال مئات الألوف وتعرّضهم في أقبية الفروع الأمنية للتعذيب والانتهاكات والاغتصاب؟!
جغرافياً، صارت سوريا ثلاث دويلاتٍ، وكلها فاقدة للسيادة، مرتهنة لدول أخرى ولمصالحها، ومن الناحية السياسية، تجري محاولات حثيثة لإعادة تأهيل الدكتاتور أو استبداله بآخر، والنخر في جسد المعارضة وصل حدّاً لا تُحسد عليه.
بالتأكيد، كان للقصف الهمجي الروسي وللفظائع التي ارتكبتها الميليشيات الطائفية وأجهزة المخابرات الدور الرئيس في ما آلت إليه أوضاع البلاد والعباد، لكن ذلك لم يكن السبب الوحيد، فما قدّمته قوى الثورة والمعارضة، بكافة هياكلها القديمة والجديدة، ساهم بشكل ما في إيصالنا إلى ما نحن عليه. وبالتالي لا بد من النظر في مكامن نجاحها وإخفاقاتها.
ادعى كثيرون معرفتهم بحقيقة النظام السوري، وبطشه وآليات حكمه وأساليب هيمنته على مفاصل المجتمع و"الدولة"، وإلغائه الحياة السياسية ومنعه لتأسيس الأحزاب والمنظمات، وتفتيته الروابط الاجتماعية الأهلية القائمة وإعادة تشكيلها وفق شبكات تخدم مصالحه أولاً، وهي وقائع واضحة، لكن كل تلك "المعرفة" لم تمكننا من تأسيس حياة سياسية بديلة، تقوم على الوقائع وتعمل
لم ندرك، رغم كل "معرفتنا ووعينا"، أن الخلاص من النظام الدكتاتوري ليس إلا الخطوة الأولى نحو تأسيس حياة تتيح الفرصة للناس، عبر مسار طويل، لبناء علاقات اجتماعية وسياسية بديلة للعلاقات السابقة
على تحقيق ما هو ممكن منها، حتى في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، مما ألغى إمكانات التفاهم بين الناس الذين قطّع النظام أوصالهم، وكثيراً ما حاكينا نموذج الحياة التسلطية له، حتى صار النقد أو الحديث عن تجاوزات وسلوك السلطات القائمة أمراً يعرّض المرء للمحاسبة، أي الاعتقال والتعذيب.
لم ندرك، رغم كل "معرفتنا ووعينا"، أن الخلاص من النظام الدكتاتوري ليس إلا الخطوة الأولى نحو تأسيس حياة تتيح الفرصة للناس، عبر مسار طويل، لبناء علاقات اجتماعية وسياسية بديلة للعلاقات السابقة، ناهيك عن العلاقات الاقتصادية، التي لم نعرف عنها سوى أنها مجال للربح والاسترزاق.
وفي المجال السياسي والاجتماعي، حافظنا تماماً على ما يبقي الناس معزولين ولا يمكّنهم من العمل معاً بقصد خلق الثقة وعوامل التفاهم والاتفاق على تصورات مشتركة فيما بينهم، وهو ما نلمسه كثيراً في عدم القدرة على الاتفاق حول أي مؤسسة أو حزب أو كيان، قبل الثورة وبعدها، وصولاً حتى الاختلاف على الأشخاص.
لربما يعود السبب، في جزء منه، إلى تسيد/ تسلط "قادة" الفصائل العسكرية، على مختلف جوانب الحياة، وهم بطبعهم، مثل أي عسكري، يميلون إلى القرارات من الأعلى، مما يُغيب ويلغي عنصر الحرية فيما بينهم، وهو ما سحبوه على باقي مجالات العمل، ففرضوا هيمنتهم عليها. وفي الجزء الآخر، إلى "القيادات" العتيقة التي ما زالت تعتقد بأنها تمتلك الرؤيا الحق، وتسعى لفرضها بطريقة غير ديمقراطية، ولا تتراجع عن رؤيتها، رغم أن الوقائع تفقأ العيون وتشير إلى خطئها.
نتج عن هذه الذهنية تغييب السياسة في الحياة العامة، رغم أن المعركة السياسية ليست أقل أهمية من المعارك العسكرية. أما العلاقات الدولية فأمرٌ آخر، حيث تُرك أمرها كاملاً إلى الدول الراعية أو الداعمة، وما علينا سوى تبرير ما تأخذه تلك الدول من قرارات، وتتخذه من مواقف، حتى لو كانت ضد مصالحنا.
لم تفدنا كل "معرفتنا" أن معيار العلاقات الدولية هو المصالح أولاً وأخيراً، وأن الدول أمام مصالحها لا تجد ضيراً في أن تبيع الشعوب التي تدعمها لنظامها المستبد، وخاصة بعد أن يصبح البلد حلبة للتصارع وتقاسم النفوذ.
من الأيام الأولى للثورة، وضعت المعارضة التقليدية للنظام كلّ أوراقها في سلة الخارج، معتمدة على أمرين في توجهها: الأول آني وهو تجربة ليبيا السابقة، والثاني البطش المفرط للنظام في مواجهة المتظاهرين. وسرعان ما تبع ذلك المسار الهيئات المنبثقة عن الثورة، من خلال التشارك مع المعارضة التقليدية في الهيئات القائمة، تبعهم في ذلك الفصائل العسكرية، لكن بشكل أكثر ارتهاناً.
ما يعكسه هذا الموقف أن تلك المعارضة لا تقرأ الوقائع جيداً، بل تعتمد مبدأ القياس في الوصول إلى مواقفها، وثانياً ضعف إيمانها بقدرة الشعوب على تحقيق أهدافها، وأنها لم تدرك أن المواقف الدولية القائمة على المصالح تنزاح، بمقدار تغير وانزياح الوقائع على الأرض، وبالتالي اختارت المكان الخطأ لمواجهة النظام، ففقدت الكثير من رصيدها، وجلبت الضرر للثورة والبلاد.
لقد كان لقرار الاعتماد على القوى الخارجية في إسقاط النظام أثرٌ مدمرٌ، حيث إنه جعل من قوى الثورة السياسية والعسكرية "بيادق" بيد تلك الدول، ناهيك عن كونها سبباً في عدم التفاهم بين السياسيين، لا بل تتصارع كجهات شبه متعادية، لجأت إلى مبدأ المحاصصة في تشكيل الهيئات المنبثقة عن نشاطات الثورة، بطريقة تشبه كثيراً تأسيس حكومات ائتلافية أو توافقية. أما بين الفصائل، فقد كان الثمن أكبر بكثير، إنه دم وأرواح الشباب.
الأمر الآخر إدخال الهيئات الثورية والفصائل في لعبة المفاوضات التي لا تتقنها، حيث رفضت المفاوضات، عندما كانت تملك من عناصر القوة ما يفرض على النظام تحقيق بعض المطالب، ودخلت فيها بعد أن فقدت كثيراً من عناصر قوتها، (سلاحاً ومواقعاً) حيث صار التفاوض مقدمة واستكمالاً للاستسلام، لتصبح مجرد دمية لا أكثر، لكن لا بد من وجودها لاكتمال "الحفل".
بعد توقف المقاومة، بشكليها المدني والسلمي (التظاهرات) والعسكري، نتيجة الدخول في المسار التفاوضي الذي ألزمها أكثر مما ألزم
لا ينبغي لكل هذه "العوامل المحبطة" أن تُفقدنا الأمل، بل على العكس يجب أن تحفزنا على تجاوز تلك المطبّات، بإدراك تام أن الاستبداد سيزول
النظامَ وميليشياته، حيث خسرت خلال المسار ذاته أكثر من منطقة "خفض تصعيد"، نتيجة للاتفاقات والتصارعات الدولية، لم يبق أمام تلك الفصائل سوى الالتفات نحو المواطنين، فصارت تمنع التظاهر ضدها، وتعتقل من ينتقدها، وتعذبه، في محاكاة لوسائل تعذيب النظام، وهذا ما أفقدها الكثير من رصيدها، فتحولت من قوةٍ يحترمها الناس ويلتفون حولها، إلى قوة يخافون بطشها.
لا ينبغي لكل هذه "العوامل المحبطة" أن تُفقدنا الأمل، بل على العكس يجب أن تحفزنا على تجاوز تلك المطبّات، بإدراك تام أن الاستبداد سيزول، وأن نظام القمع سيزول معه، فمسار الثورة طويل، لكنه سيصل إلى مبتغاه، ويضع هذا على عاتقنا عبء بناء نموذج أخلاقي وسياسي، في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، يكون متفوقاً على ما هو سائد من قبل، ويجعل من تلك المناطق نقطة جذب ومحور اهتمام واحترام داخلي وخارجي.
محور هذا النموذج هو تحقيق الكرامة والحرية، بمعنى احترام كرامة البشر وعدم التعرض لكل ما ينتقص منها، والسماح للناس بالتعبير عن آرائها، وتأسيس المنظمات والأحزاب التي يعدونها ممثلة لهم، وأن يكون الفيصل في ذلك نظام قضائي هدفه العدالة وحماية كرامة الناس وحقوقهم، وبذلك يمكننا أن نواجه وننتصر... أما الدفاع والتبرير فليسا سوى المقدمة الضرورية للهزيمة.