الرئيسة \  تقارير  \  لماذا تماطل إيران في المفاوضات مع الغرب وتقترب أكثر من الشّرق؟

لماذا تماطل إيران في المفاوضات مع الغرب وتقترب أكثر من الشّرق؟

26.07.2022
يوسف بدر


النهار العربي
يوسف بدر
الاثنين 25-7-2022
دخل الاتفاق النووي في مرحلة الموت الإكلينيكي؛ لكن لا أحد يريد الاعتراف بذلك. إذ ترمي طهران الكرة في ملعب واشنطن، وتقول إن طريق الدبلوماسية مفتوح لإحياء الاتفاق النووي. لكنها في الوقت ذاته، تصر على اتفاق يضمن لها مطالبها ويحقق مصالحها، لا سيما أن مَن يجلسون في السلطة الآن هم المحافظون الذين عارضوا الاتفاق الأول الذي أبرمته الحكومة الإصلاحية للرئيس روحاني عام 2015.
واشنطن أيضاً، ترمي الكرة في ملعب طهران، وتقول إن إيران لم تتخذ قرارها بعد، وإن الفرصة لن تبقى متاحة طويلاً.
لماذا هذه المماطلة؟
طهران تريد إدارة عملية التفاوض وفق قواعدها؛ فهي تريد أن تكسب كل شيء بورقة واحدة. أو بالأحرى هي تريد اتفاقاً يضمن لها ألا تقف الولايات المتحدة الأميركية في طريقها، وأن تتحرر من كل العقوبات المفروضة عليها، بما فيها العقوبات خارج الموضوع النووي، مثل العقوبات على الحرس الثوري الإيراني، في مقابل أوراق أخرى، كالإفراج عن السجناء الأميركيين أو التوقف عن ملاحقة قتلة قاسم سليماني.
أما واشنطن، فما زالت تعتبر هي وحلفاؤها الأوروبيون أن الاتفاق النووي هو أفضل طريق لكبح جماح إيران النووي لفترة من الزمن، تضمن خلالها حالةً من الاستقرار النسبي في منطقة الشرق الأوسط التي تغادرها، بينما تترك فيها حلفاءها.
وهو ما قاله صراحة الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته إسرائيل. وأكده رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني ريتشارد مور، الذي أعلن أن إحياء الاتفاق النووي هو أفضل وسيلة لتعطيل البرنامج النووي الإيراني.
ويبدو أن لا أحد من الغربيين في ظل الأزمات الاقتصادية والأمنية التي يواجهونها والتي تفاقمت بعد أزمة أوكرانيا، لديه قدرة على تحمل المزيد باندلاع حرب أخرى مع إيران.
لذلك، فإن التهديد المتبادل بين إيران وإسرائيل واستفادة كل طرف من أدوات الردع المختلفة، خارج السلاح النووي؛ لإقناع الآخر باستحالة تنفيذ أي هجوم كبير أو مباشر؛ يصبّ في مصلحة لعبة التوازن التي يستفيد منها الغرب، في إبعاد شبح الحرب عن منطقة الشرق الأوسط.
سياسة ارتكاب الأخطاء!
إن كلا الجانبين، واشنطن وطهران، ما زالا يعتمدان على سياسة ارتكاب الأخطاء؛ حتى يرد كل طرف على الآخر؛ فإدارة الرئيس بايدن، أسيرة للضغوط والمخاوف الإقليمية، وهو ما جعلها تستمر في سياسة سلفه الرئيس ترامب، بممارسة المزيد من سياسة أقصى ضغط على إيران، وهو ما أدى إلى اقترابها أكثر من العتبة النووية، باتباعها سياسة خفض الالتزام النووي.
بل إن طهران سعت لصوغ الاجتماع الثلاثي في طهران مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والتركي طيب أردوغان، على أنه رد على زيارة الرئيس بايدن إسرائيل والسعودية، وذلك، حتى يشعر الأميركيون بأنها تقترب أكثر من معسكر روسيا والصين.
وهو ما أزعج واشنطن بالفعل ودفعها إلى أن تحذر صراحةً من تبعية إيران لروسيا، بخاصة أن هذا الاقتراب، يعزز من معسكر روسيا في حربها ضد أوكرانيا، بعدما كُشف عن مد طهران روسيا بالطائرات المُسيّرة في هذه الحرب.
ويعبر الاتصال الذي أجراه وزير خارجية قطر، محمد بن عبد الرحمن، مع نظيره الإيراني، حسين عبد اللهيان، 21 تموز (يوليو) الجاري، والذي تناول آخر مستجدات المفاوضات النووية، بصفة قطر وسيطاً استضاف الجولة الأخيرة من المحادثات النووية؛ عن مدى قلق واشنطن من هذا الاقتراب من روسيا، وخشيتها من أن تتخلى طهران على الاتفاق النووي.
كما أن زيارة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ويليام بيرنز لأرمينيا حليفة إيران وروسيا، والتي تستعد لفتح الحوار مع آذربيجان وتركيا؛ مؤشر إلى أن واشنطن مستعدة لمحاصرة إيران في منطقة القوقاز، بما قد يهدد مشروعها الاستراتيجي "ممر شمال - جنوب". بل قد تذهب واشنطن إلى تصعيد عقوباتها خارج المسألة النووية، بسبب الدعم الذي قدمته إيران لروسيا ضد أوكرانيا. وذلك، إلى أن تستجيب طهران لمطالب العودة للاتفاق النووي.
عزل القوى الإقليميّة
أيضاً، لدى طهران مساع إلى عزل القوى الإقليمية، لا سيما في منطقة الخليج عن ملف المفاوضات النووية، ولذلك تأتي محادثاتها مع السعودية بوساطة العراق في هذا الإطار، فهي لا تريد أن تكون لواشنطن اليد العليا في صوغ التفاهمات الإقليمية؛ بل تريد أن تدير حوارها الإقليمي على أساس المصالح الثنائية ولعبة التفاوض التي تجيدها؛ أي ورقة تقابلها ورقة أخرى.
وكذلك، فإن لعبة المماطلة التي تمارسها طهران في إدارة محادثاتها النووية مع واشنطن؛ هي في إطار دفع القوى الخليجية للقبول بالمحادثات الثنائية معها، بعيداً من الرهان على المحادثات النووية.
ويمكن أن نقول إن طهران قد نجحت في تحقيق شيء من ذلك، فقد كشف وزير الخارجية الإيراني، في برنامج "السطر الأول" في التلفزيون الإيراني، مساء الخميس 21 تموز (يوليو) الجاري، أن حكومة بلاده تريد تحريك الجانب المعطل من دبلوماسية "الأولوية لدول الجوار".
 ويقصد بذلك التركيز على محادثات الحوار مع دول الخليج، لا سيما السعودية التي قطعت علاقتها مع إيران عقب الهجوم الذي تعرضت له سفارتها في طهران عام 2016.
وقد كشف عبد اللهيان خلال هذا اللقاء، أن الوسيط العراقي أبلغ بلاده أن الرياض مستعدة لنقل المحادثات من المستوى الأمني إلى المستوى السياسي؛ تمهيداً لاستئناف العلاقات بين البلدين. كما أعلن أن الإمارات والكويت تستعدان لإرسال سفيريهما إلى طهران.
معسكر الشّرق أقرب!
عقب زيارة بوتين طهران؛ قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، 21 تموز (يوليو) الجاري، "إن الحل الأسلم لإيران، هو أن تعود إلى الاتفاق النووي، وأن تنسج علاقات اقتصادية جديدة مع دول أخرى في العالم".
ومثل هذا التصريح، يعبّر عن مدى قلق واشنطن من تحول إيران إلى نافذة يتنفس منها الاقتصاد الروسي، بعدما فُرضت عليه عقوبات اقتصادية غربية.
وأيضاً تخشى الولايات المتحدة من فشل المحادثات النووية، بما يقطع الخيطَ الأخير مع طهران، ويدفعها للتركيز أكثر على محور الشرق الذي تركز واشنطن على إضعافه في استراتيجيتها الجديدة.
وإن كان وزير الخارجية الإيراني، قد قال في لقائه التلفزيوني ذلك، إن "شعارنا في الجهاز الدبلوماسي هو التفاعل مع الشرق والغرب"؛ لكن حتى الآن ما زالت إيران تراهن على معسكر الشرق أكثر من معسكر الغرب. وذلك لأسباب:
إيران لا يمكن أن ترهن اقتصادها بالقوى الديموقراطية التي تتغير فيها الحكومات سريعاً، فهي تصر على حصولها على ضمانات قوية من إدارة بايدن لاتفاق طويل الأمد، خشية مجيء إدارة جديدة تنسف هذا الاتفاق، على غرار ما فعله الرئيس ترامب عام 2018. ولكن البيت الأبيض يرفض ذلك، وهذا يدفع إيران إلى الاعتماد على الشركاء التقليديين في الشرق.
التيار المحافظ الذي يتحكم في السياسة الخارجية لإيران، والذي تغلفه أبعاد أيديولوجية؛ ما زال يقلق من الانفتاح على الغرب وخطورة انعكاس ذلك على تغيير المجتمع الإيراني، وبالتالي ينعكس على النظام نفسه.
 ولذلك يعارض هذا التيار التوصل لاتفاق مع الغرب ويبارك الانصياع لروسيا والصين؛ خشيةً منه على مصالحه التي ارتبطت بوجود النظام الحاكم بنمطه الحالي، الذي يخشى من سقوطه أو تغييره.
روسيا والصين هما الأقرب جغرافياً لإيران، وهما جزء مهم في تفعيل ممر "شمال - جنوب" الذي يربط جنوب إيران بشمالها، وتراهن عليه طهران في خطتها التنموية الاستراتيجية.
كما أن دولة روسيا بما لديها من إمكانات لإنتاج النفط والغاز وتصديرهما، يضع إيران في منافسة غير متوازنة في الأسواق الآسيوية. ومع ذلك لا تريد إيران أن تضع خطة إنقاذها بيد الغربيين، رغم قسوة الأزمات التي يواجهها اقتصادها.
تنتظر إيران التوقيع على عضويتها في منظمة شنغهاي للتعاون، خلال القمة المقبلة لقادة المنظمة، في أيلول (سبتمبر) المقبل في مدينة سمرقند في أوزبكستان. وإيران في حاجة إلى دعم روسيا والصين العضوين في هذه المنظمة، ومنظمات أخرى مثل "بريكس بلس" و"الاتحاد الاقتصادي الأوراسي"؛ وذلك من أجل دعم تجارتها الخارجية في منطقة أوراسيا التي راهنت عليها في إطار سياسة الأولوية لدول الجوار التي انتهجتها منذ وصول الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي إلى السلطة.
تظهر الاتفاقيات الاستراتيجية التي عقدتها إيران مع دول آسيوية مثل الصين وروسيا وتركيا، بل حتى مع فنزويلا التي تقع في أميركا اللاتينية؛ أن إيران ما زالت تضع الأولوية للمعسكر الشرقي والمعسكر المناوئ للولايات المتحدة الأميركية في إدارة علاقتها الخارجية؛ وذلك لإثبات قدرتها على تخطي العقوبات الغربية.
المحصّلة
إن واشنطن لديها إصرار على عودة إيران إلى الاتفاق النووي؛ لأنه ما زال الخيار الأفضل لأمن حلفائها في منطقة الشرق الأوسط التي تنسحب منها.
هناك داخل إيران، مَن يدرك مدى تضرر بلاده من إقامة علاقة غير متوازنة مع موسكو؛ فبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، زاحمت روسيا إيرانَ في أسواق الطاقة والمعادن في آسيا. كما أن هناك اتهامات لروسيا بعرقلة توصل إيران لاتفاق مع الغرب؛ لأن ذلك يهدد مصالحها، بخسارة إيران التي تستخدمها ورقة ضغط على الغربيين.
لكن التيار المحافظ في إيران ما زال يرى في روسيا القوة المناوئة للهيمنة الأميركية والغرب. ولذلك يستمر في تعزيز التوجه شرقاً.
جانب من مماطلة إيران في مفاوضتها النووية، يتعلق بإدارة هذه المفاوضات، التي تسعى فيها طهران إلى الحصول على أكبر قدر من المكاسب، كما تسعى إلى تحييد القوى الإقليمية عن نتائجها، وسحب هذه القوى إلى مفاوضات ثنائية قائمة على لعبة ورقة أمام أخرى.
كلما هربت إيران إلى الأمام حتى لا تبدو في موقع المستسلم للإرادة الغربية؛ كانت عرضة لضغوط أميركية وغربية أكثر، قد تصل إلى تهديد مصالح إيران التنموية الاستراتيجية المتعلقة بمشروع ممر "شمال - جنوب". وتجربة حرمان إيران من خط تصدير الغاز نحو باكستان والهند، بفعل الفيتو الأميركي والروسي، على هذين البلدين؛ دليل إلى قدرة واشنطن على تطويق إيران.