الرئيسة \  تقارير  \  لماذا تحشد الصين ترسانتها النووية؟

لماذا تحشد الصين ترسانتها النووية؟

20.11.2021
تونغ زهاو


تونغ زهاو
- خدمة “نيويورك تايمز”
الشرق الاوسط
الخميس 18/11/2021
لننسَ أمر القوة النووية، حان الوقت لكي تتحدث الولايات المتحدة إلى الصين حول نقاط الضعف المتبادلة.
من الواضح أن بكين تعكف على تعزيز ترسانتها النووية بسرعة. وتكشف صور الأقمار الصناعية التجارية أن الصين تبني أكثر عن 100 صومعة جديدة للصواريخ الباليستية العابرة للقارات. وأفادت تقارير، الشهر الماضي، بأنها اختبرت صاروخاً تفوق سرعته سرعة الصوت قادراً على حمل رؤوس نووية، وحلّق حول العالم، لتصبح بذلك أول دولة في العالم تنجز هذا الأمر. وفي وقت لاحق، أكد مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى أن هذا “حدث مهم”. والآن، يحذر البنتاغون من أن الصين يمكن أن تزيد ترسانتها النووية بمقدار أربعة أضعاف بحلول عام 2030.
وإذا نظرنا لما سبق بصورة مجملة، نجد أن المخاوف بشأن حدوث “اختراق استراتيجي” من جانب الصين، يمكن تفهمها. ومن دون استعداد الولايات المتحدة والصين للدخول في حوار واضح، يمكن أن نواجه نتائج كارثية.
من جانبهم، أعرب بعض الخبراء الأميركيين عن اعتقادهم بأن الصين تختبر أنظمة إطلاق للأسلحة النووية، بالنظر إلى أنها تبحث عن سبل للالتفاف على الدفاعات الصاروخية الأميركية، التي يخشى خبراء بمجال الأسلحة النووية في بكين من أنها تلغي قدرة بلادهم على امتصاص هجوم نووي أميركي، ثم الرد عليه.
ومع أن هذا قد يكون صحيحاً من الناحية الفنية، فإنه طرح تفوته الصورة الجيوسياسية الأكبر، ذلك أن التطور التدريجي في الدفاعات الصاروخية الأميركية ليس بإمكانه تفسير التعزيز النووي الصيني المفاجئ نسبياً. في الواقع، فإن قرار الرئيس شي جينبينغ، في مارس (آذار)، بمواصلة “الإسراع من وتيرة بناء أنظمة ردع استراتيجي متطورة”، يعكس على الأرجح قلقه العميق من أن قدرة الصين النووية المتدنية يمكن أن تغري العداء الأميركي وتقوض صعود بكين في لحظة حرجة في خضم منافسة محتدمة بين القوى العظمى.
من ناحيتهم، أعرب مسؤولون صينيون عن اعتقادهم بأن الولايات المتحدة تبدي اليوم استماتة واضحة في سعيها لتعطيل الصين قسراً عن التفوق على واشنطن اقتصادياً (على المدى القريب) وعسكرياً (خلال مدى أبعد). ويرون أن الضغط الأميركي المتزايد على الصين بشأن حقوق الإنسان وسيادة القانون وهونغ كونغ وتايوان، يعد بمثابة دليل على استعداد واشنطن لمجابهة مخاطر أكبر مقابل وقف الصعود الصيني، وذلك من خلال نزع الشرعية عن الحكومة وزعزعة استقرار البلاد وعرقلة التوحيد الوطني.
من جانبي، عملت لفترة وجيزة كموظف مدني محلي في بكين بمجال الشؤون الخارجية منذ أكثر عن عقد، وأمضيت السنوات السبع الماضية كخبير مستقل في السياسة النووية. وأرى أن الحشد النووي لبكين يشكل في نهاية الأمر محاولة لإجبار واشنطن على التخلي عن شن هجمات استراتيجية ضد بكين وقبول علاقة تقوم على فكرة “الضعف المتبادل”، بمعنى ألا يكون لدى أي من الدولتين القدرة أو الإرادة على التهديد بحرب نووية من دون مواجهة المخاطرة بالتسبب في تدمير ذاتي.
من ناحيتها، أبدت الولايات المتحدة ترددها إزاء كيفية التعامل مع رغبة الصين في بناء مثل هذه العلاقة، الأمر الذي ساهم في تفاقم قلق بكين إزاء سعي الولايات المتحدة لتحقيق “الأمن المطلق”. ومن أجل الحيلولة دون تصاعد المنافسة النووية بين البلدين، حان الوقت كي تعترف الولايات المتحدة بوجود نقاط ضعف نووي لديها ولدى الصين، أو الضعف النووي المتبادل.
وقد تبدو هذه خطوة جريئة، لكن يجب أن نتذكر أن هناك سابقة لذلك. في الوقت ذاته، فإن السيناريو البديل القاتم يستحق بذل جهود كبيرة لتفاديه.
جدير بالذكر هنا أن البيان المشترك الذي أصدره الرئيسان ريغان وغورباتشوف لعام 1985 الذي أكدا خلاله أنه “لا يمكن الفوز في حرب نووية ولا يجب خوضها أبداً”، أسهم في تقليص مستوى التوتر بين الجانبين أثناء الحرب الباردة. ومن شأن إعلان التزام متبادل مماثل من جانب قادة الولايات المتحدة والصين المعاونة في نزع فتيل سباق التسلح الذي بدأ يشتعل اليوم.
وسيساعد صدور مثل هذا التأكيد في تحقيق استقرار أهم علاقة ثنائية في العالم، علاوة على أنه سيبث الطمأنينة في بكين تجاه استعداد الولايات المتحدة لقبول التعايش السلمي والامتناع عن تحدي المصالح الجوهرية للصين، (في حدود المعقول).
إضافة لذلك، فإن الحد من خطر اشتعال محرقة نووية سيفتح الباب أمام فرص عقد مفاوضات بناءة حول الحد من الأسلحة - على سبيل المثال، حول الحد من تطوير أنظمة صواريخ جديدة وأسلحة مضادة في الفضاء - بالإضافة إلى المساعدة في احتواء المنافسة العسكرية بين البلدين على نطاق أوسع. ومع تنامي الثقة بالمسار المستقبلي للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين، ربما تميل الأخيرة إلى العمل على نحو أكثر استباقية للتعاون مع واشنطن بشأن القضايا الثنائية الأخرى محل الخلاف، مثل النزاعات التجارية والهجمات الإلكترونية، أو التحديات العالمية الملحة مثل جائحة فيروس “كوفيد - 19”.
وبطبيعة الحال، تبقى هناك مخاطر من أن تؤتي مثل التحركات بنتائج عكسية.
على سبيل المثال، يمكن للصين أن تستنتج أن تعزيزها النووي كان بمثابة تكتيك ضغط، وبالتالي فإن المزيد من التعزيز العسكري قد يثمر تنازلات أكبر من جانب الولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، نجد أنه لدى حلفاء واشنطن في شرق آسيا، على وجه الخصوص، مخاوف مفهومة من أن بكين ربما تفاقم عدوانها العسكري على المستوى التقليدي بمجرد استبعاد خطر التصعيد النووي.
كما يبقى هناك دوماً احتمال أن تفسر الصين اعتراف الولايات المتحدة بالضعف المتبادل على أنه علامة على استعداد واشنطن للتغاضي عن جهود بكين لتعزيز “مصالحها الأساسية” كما تتصورها الأخيرة، مثل احتلال الأراضي المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي أو تحقيق الوحدة مع تايوان.
وعلى النحو ذاته، قد تتوقع الصين أن تتوقف الولايات المتحدة عن انتقادها فيما يخص ملفات حقوق الإنسان والقمع المحلي، باعتبار أن مثل هذه الانتقادات تهدد أمن نظام بكين. ويمكن لهذا الأمر بدوره أن يقوض جهود الرئيس بايدن لدعم القيم العالمية على الصعيد الدبلوماسي.
ومع ذلك، فإن الاعتراف بالضعف المتبادل لا يعني بالضرورة الثقة العمياء، وثمة تدابير يمكن للولايات المتحدة اتخاذها للتخفيف من هذه المخاطر.
من جهتها، يجب على الولايات المتحدة دعوة الصين للحديث بصراحة عن الضعف المتبادل، واستغلال الحوار كفرصة للحصول على توضيحات والتزامات متبادلة لتهيئة الظروف اللازمة للقبول الرسمي بفكرة الضعف المتبادل.
- خبير في شؤون السياسة النووية مقيم في بكين
- خدمة “نيويورك تايمز”