الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لماذا تتنافس إيران وروسيا على نزع المكاسب من نظام الأسد؟

لماذا تتنافس إيران وروسيا على نزع المكاسب من نظام الأسد؟

28.04.2019
يمان دابقي


جيرون
السبت 27/4/2019
قبل نحو ستة أشهر، طالب مسؤولون إيرانيون نظام الأسد بدفع كامل المستحقات المترتبة عليه إلى إيران، لدعمها له منذ 2011، أدى ذلك إلى تقديم الأسد سلسلة من التنازلات لإيران، تمثلت في توقيعه مجموعة اتفاقيات، مطلع العام 2019، في مجالات الطاقة والصناعة والزراعة والاتصالات، لكن إيران لم تكتفِ بهذه العقود، نظرًا لزيادة تداعيات أثر العقوبات الأميركية المفروضة عليها، إضافةً إلى ارتفاع حدة التنافس مع روسيا على توسيع مساحة السيطرة والنفوذ، تكلّلت مؤخرًا بسلسلة من الاشتباكات، في مناطق متفرقة في سورية، بلغت ذروتها في مدينة حلب.
وسط هذا التنافس، شهدت الساحة السياسية زيارة مفاجئة لبشار الأسد إلى إيران، علمت بها روسيا في اللحظات الأخيرة، وما تسرب عن فحوى الزيارة هو أن الرئيس روحاني أراد انتزاع مرفأ اللاذقية من يد الأسد، كتعويض آخر عن فواتير الدعم المترتبة عليه، ولأن الأسد لم يعد مالكًا للسيولة المالية، على وقع الأزمات التي تعصف به، فمن الطبيعي أن يكون المقابل توزيع ما يعدّه مُلكًا له ولأبيه،
في تلك الأثناء، تم ترتيب جميع الأمور القانونية لتلك الاتفاقية، التي ترغب إيران من خلالها في تحقيق أهدافٍ عدة:
وضع موطئ قدم لها في البحر المتوسط، لتحقيق نوع من التوازن مع موسكو، إضافة إلى تكريس ما بات يُعرف بـ (الهلال الشيعي).
ربط مناطق نفوذها بتحالف اقتصادي يؤمن توريد الميليشيات بالسلاح والمال، ومن شأن ذلك أن يساعدها في تخفيف وطأة العقوبات المفروضة عليها، بتوفير بديل اقتصادي، وإتاحة الفرصة لشركاتها لحجز مقعد لها في ملف إعادة الإعمار.
توفير الدعم العسكري واللوجستي للنظام السوري و”حزب الله”، عبر ممرٍ بحري بديلٍ عن الطريق البري المستهدف.
الجهود الإيرانية الأخيرة أثارت حفيظة موسكو، فأرسلت وزير دفاعها سيرغي شويغو إلى دمشق، لمعرفة حيثيات الزيارة، وقد بدا ذلك تفسيرًا عمليًا للاستيلاء الروسي على الأسد الذي استشعر، في نهاية المطاف، أن التقارب الروسي الإسرائيلي الأخير سيكون على حسابه، فما كان عليه إلا اللجوء إلى إيران سعيًا منه لرفع وتيرة التنافس بين روسيا وإيران، وهو ما حدث بالفعل.
ما حدث يوم 21 نيسان 2019، يُعدّ منعطفًا مهمًا في كامل الملف السوري، ودفعةً جديدة نحو الأمام، قد تُترجم لاحقًا إلى تجاوز حالة الاستعصاء والركود المفروضة منذ انطلاق جولة (أستانا 1)، في 2017، حيث أرسلت روسيا وفدًا دبلوماسيًا إلى كلّ من الرياض ودمشق، تماشيًا مع إرسال إيران وزير خارجيتها جواد ظريف إلى دمشق وأنقرة، وما ظهر من تسريبات حتى الآن يشير إلى أنّ الملف السوري سيشهد تطورًا ملحوظًا على صعيد الحلّ السياسي وربما العسكري.
بعد إعلان موسكو، عبر وزارة الخارجية، استحواذها على ميناء طرطوس لمدة 49 عامًا؛ أرسلت مبعوثها ألكسندر لافرنتييف إلى الرياض محملًا برسائل عدة إلى محمد بن سلمان، قبل عقد جولة أستانا الأخيرة (في 25 – 26 إبريل/ نيسان الحالي)، وعلى الرغم من عدم وجود مواقف رسمية من الطرفين، فإن توقيت الزيارة يشير إلى رغبة موسكو في لعب الرياض دورًا مهمًا في مسار (أستانا) لعدة أسباب:
رغبة موسكو في إنجاز تسوية سياسية في أسرع وقت، عبر بوابة اللجنة الدستورية، وفي أن تلعب الرياض دورًا مؤثرًا على المعارضة السورية، في كيان هيئة التفاوض، وقد أعلن رئيس الهيئة نصر الحريري عن بوادر انفراج لموضوع اللجنة الدستورية في الأيام القادمة، وذلك بعد لقائه الوفد الروسي في الرياض، وهو ما يعكس نية موسكو الدفع بمسار (أستانا) والتمسك به. وقد نشهد أداورًا أخرى لدول كالأردن ومصر والعراق، كما جاء في مخرجات قمة بوتين أردوغان الأخيرة، والهدف الكلي لروسيا هنا يكمن في توسيع دائرة الفاعلين، للتأثير في الموقف الغربي، والمثول أمام دمج مساري (سوتشي) و(أستانا) بمسار جنيف.
موسكو ترغب، من تفعيل محور الرياض، في ممارسة المزيد من الضغط على إيران المنافسة لها، في سورية، فالمملكة العربية السعودية ترحّب بأي مبادرة تعزز من خلالها تقليص الدور الإيراني في المنطقة، وقد ذكر موقع (روسيا اليوم) أن الوفد الروسي أوصل رسائل إيجابية إلى الرياض، تتعلق بإعادة العلاقات بين دمشق الرياض، وعلى الرغم من عدم صدق هذه الرواية، لا يمكن الجزم بنفيها، كون ولي العهد محمد بن سلمان قد أفصح سابقًا بوضوح عن قبوله بقاء الأسد في السلطة، مقابل فك شراكته مع إيران، ما يعني أن مصالح موسكو تتلاقى في هذه النقطة مع السعودية، لزيادة التأثير على إيران في سورية، عن طريق المملكة العربية السعودية.في المقابل، لعبت إيران مؤخرًا دور الوسيط بين تركيا ودمشق، وقد ظهرت تسريبات تشير إلى أن الوفد الإيراني بقيادة وزير الخارجية جواد ظريف، أجرى مشاورات سياسية مع كبار المسؤولين السوريين، وعلى رأسهم الأسد، بحث فيها العلاقات الثنائية والقضايا بين البلدين، وفي أنقرة، قال ظريف: “التقيتُ مطولًا مع بشار الأسد، وسأطلع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على حصيلة هذا اللقاء”، وأضاف أن بلاده تواصل مشاوراتها مع تركيا وروسيا والأمم المتحدة، بهدف تشكيل لجنة صياغة دستور قبل موعد المحادثات المقررة، وأضاف أن إيران تتفهم مخاوف تركيا الأمنية، والسبيل الوحيد لإحلال الأمن في سورية هو سيطرة جيش النظام على الحدود مع تركيا.
حقيقة تصريحات ظريف تنم عن دور إيراني دبلوماسي حثيث في تقريب وجهات النظر بين أنقرة دمشق، عبر عروض ومقايضات تريد إيران من خلالها تحقيق عدة أمور:
على الرغم من نفي متحدث الحكومة التركية إبراهيم كالن، إجراء ظريف لدور وساطة بين النظام وتركيا، وتأكيده عن أن النظام السوري لن يستعيد محافظة إدلب، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال، في وقت سابق، إن لدى بلاده تواصل مع النظام، عبر القنوات الدبلوماسية، كما أنه ذكر مرارًا احتمالية عمليات عسكرية محدودة في محيط إدلب، إذا لزم الأمر، ويبدو أن إيران، من هذا المدخل، تعول على خلق مقاربة جديدة بين دمشق وتركيا.
عروض ظريف -على الرغم من نفيها- بحسب بعض التقارير، تفضي إلى عودة النظام السوري إلى السيطرة على الحدود مع تركيا، مقابل التعهد بمنع وإزالة خطر الأكراد، وضمان أمن وسلامة المواطنين الأتراك، إضافة إلى سيطرة أخرى للنظام على مناطق شرق الفرات، مقابل دفع إيران إلى مسار الحل السياسي وإطلاق اللجنة الدستورية، عبر ممارسة ضغط على الأسد وتجاوز موضوع الخلاف المتعلق بأسماء المجتمع المدني، وبهذه النقطة تكون إيران قد تخلت عن موضوع عرقلة بدء مسار الحل السياسي، مقابل حصولها على مزايا تراها مهمة، وعلى رأسها محاولة الاستفادة من عملية التقارب التركي مع نظام الأسد، في حال كتب لها النجاح بموضوع مساندة تركيا لإيران في الالتفاف على العقوبات الأميركية، وتفعيل عجلة الاقتصاد مع النظام السوري، وبذلك ستضمن إيران توريد ميليشياتها ذاتيًا دون الاعتماد على المرجعية في طهران.إيران تسعى من خلال هذه المقاربة للاستفادة من توسعة الشرخ في العلاقات التركية الأميركية على خلفية قضية الأسلحة (S400) وملف منبج وموضوع المنطقة الآمنة، وعلى الرغم من الرفض التركي الصريح لهذه العروض، فإن إيران تركت الباب مفتوحًا ريثما تتم محادثات (أستانا)، ذلك لأن تركيا لم تحسم مواضيعها الخلافية مع واشنطن، وقد يكون أحد خياراتها ممارسةَ الضغط عليها من باب تعزيز التقارب مع إيران إلى جانب روسيا، مع العلم أن هذا الطرح مستبعد، لكن في نظر إيران هو أحد الحلول، كونها الآن في موضع لا يسمح لها بالإقدام على أي مواجهة مباشرة أو غير مباشرة مع أميركا، لذلك رمت لتركيا العديد من الأوراق في انتظار الرد في الأيام القادمة.
إيران من خلال إرسالها ظريف، وجهت رسائل لموسكو مفادها أنها موجودة على الصعيد السياسي، ولن تترك ساحة الحل السياسي السوري لأي محاولة استفراد روسي مع تركيا، وهذا يعني أن الروسي والإيراني بالتوازي مع تنافسهما في نزع المكتسبات من الأسد، سيتنافسان أيضًا في مرحلة ما بعد الأسد وإعادة الإعمار، بهدف تثبيت مناطق النفوذ.
وفي خضم كل تلك المعطيات، يبدو أن الأسد قد وصل إلى مرحلة “فارغ امتيازات” ولا سيّما بعد انتزاع “إسرائيل” الجولان منه، عبر اعتراف ترامب، فالأزمات الاقتصادية التي تعصف به في دمشق وحلب وحمص تطرح مفارقة مشروعة، فبدلًا من أن تقوم روسيا وإيران بإنعاشه اقتصاديًا، تقومان بإغراقه أكثر، ونزع ما تبقى بين يديه من امتيازا.
ويبقى السؤال: هل سيكون مقابل كل ذلك مواصلة تعهد حلفائه بإبقائه في السلطة، أم أن سرعة نزع الامتيازات تعني بداية خروجه من السلطة؟!