الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لماذا استُقبل الانتصار العسكري على داعش بفتور؟

لماذا استُقبل الانتصار العسكري على داعش بفتور؟

31.03.2019
عبد الرحمن الحاج


سوريا تي في
السبت 30/3/2019
كان لحدث مثل إعلان "القضاء" عسكرياً على تنظيم داعش، بعد حرق مخيم الباغوز حيث تحصن آخر مقاتلي التنظيم في تلك البقعة الصغيرة من الأرض، أن يكون حدثاً وطنياً وعالمياً جديراً بالاحتفاء، فما عاناه السوريون وثورتهم من هذا التنظيم كفيل بأن يجعل مثل هذا الإعلان يوماً وطنياً، لكن ما حدث قوبل بفتور واضح من معظم السوريين.
الفتور هذا فسره متطرفو الأكراد (سواء كانوا من أنصار تنظيم PYD أم من خصومه) أنه ناتج عن حقد قومي عربي على الأكراد في أحسن الأحوال! فـ"تسخيف وتتفيه وتبخيس الانتصار الكردي على "داعش"، فيه ما فيه من الكراهية وروح الضغينة المبيّتة - المعلنة تجاه الكرد. ما يشي بأن تنظيم "داعش" لو انتصر على الكرد، لكانت فرحة أولئك الناقمين على الكرد، لا يسعها الكون. ربما ليس لأنهم يحبّون "داعش" وبايعوها، بل لأنّ كميّة الأحقاد التي تملأ قلوبهم تجعلهم يقولون في أنفسهم: "فلتكن لداعش، ولا تكون للأكراد"! هذه البعثيّة - الداعشيّة السافرة والفاضحة، حتى لو كانت نسبتها 1 بالمليون من أبناء الشعب السوري، لكن ما عادت تخطئها عين!" على حد تعبير كاتب كردي!
لقد صار "التشكيك في أي إنجاز كردي" هو "من طبائع الأمور والخصال المتأصّلة في التكوين النفسي والمعرفي والسياسي لدى بعض المعارضين السوريين". والدليل على "ذلك أن التشكيك في الإنجاز العسكري الكردي السوري في دحر "داعش" سبقه طعن وتشكيك في "المقاومة" الكردية في كوباني. ولعلنا نذكر تلك الأسطوانة المشروخة؛ "لماذا الاهتمام الدولي بكوباني، وليس حلب ودمشق وحمص"، وكأنَّ كوباني لم تكن أرضاً سوريّة، كادت "داعش" ابتلاعها!؟"، هذه الأحقاد والضغائن والكراهية "تعبّر عن نفسها على مستوى النخب والعامّة. هذه الحالة، أقلّ ما يقال فيها أنها مظهر أو عرض من أعراض الحروب الأهليّة في أيّ مكان"، يتابع الكاتب "المعتدل" نفسه.
الفتور هذا فسره متطرفو الأكراد (سواء كانوا من أنصار تنظيم PYD أم من خصومه) أنه ناتج عن حقد قومي عربي على الأكراد في أحسن الأحوال!
ويذهب البعض لتفسيره على أنه ناتج عن سيطرة أفكار تنظيم داعش على "الأكثرية السنية العربية" بحسب تعبير شبه بيان لـ"تيار مواطنة" السياسي المتطرف، فـ"جمهور غير قليل من الأكثرية العربية السنية لأسباب باتت معروفة للجميع وعلى رأسها سردية المظلومية المعاصرة المتخيلة أو الحقيقية، بما في ذلك النتائج الكارثية المترتبة على هذه السردية في الموقف والممارسة والانحيازات القبلية"، وهذه المخيلة بالضبط هي "السياق التاريخي الموازي لظهور داعش – وقبلها القاعدة – وبشكل خاص ذلك السياق المتعلق بسردية المظلومية التي أشرنا إليها أعلاه سواء أكانت حقيقة أم وهماً، والتي يعيشها جمهور واسع من شعوب المنطقة العربية – الإسلامية" بحسب التيار المتطرف المشار إليه آنفاً.
بعيداً عن هذه التفسيرات المتوترة والتي تسود الآن أطرافاً بعينها والتي من المحتمل أنها نتاج خيبات الصراع في سوريا في السنوات الثمان، نحن فعلاً بحاجة لتفسير هذا الفتور في استقبال نبأ هزيمة داعش، فالحديث الناشئ عن انتشاء غريزة الانتقام والتشفي لا يمكن أن يساعد على تفسير هذا الحدث.
بداية لا ينبغي الشك في أن خبر داعش خبر مفرح للجميع خصوصاً أولئك الذين عانوا منها الأمرين، لكنه صار فينا ما يقال في المثل العامي: "يا فرحة ما تمت"، فثمة أمران يفسدان أو يمنعان هذه الفرحة من الحصول من أساسها:
أولهما أن دحر داعش قابله احتلال قسد الكردية لمساحات واسعة تقطنها أكثرية عرقية عربية، وبسيطرة قسد الكردية (يسيطر عليها الأكراد على حد تعبير المبعوث الأمريكي جيفري) تعود مرة أخرى سيرة احتلال أقلية (هذه المرة عرقية) للسلطة على الأكثرية عربية (أي الانتقال من سيطرة طائفية دينية إلى أخرى عرقية) وتهميش أبناء المنطقة، وهو أمر سبب توتراً عرقياً شرق الفرات لم يسبق له مثيل. إذ يعتقد السكان أنه لا يمكن للسكان قبول فكرة أن أقلية عرقية تريد قهر أكثرية بالاستناد إلى دعم أجنبي، ألا يشبه هذا احتلالاً داخلياً؟ وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار منابع النفط والثروات الطبيعية شرق الفرات التي يغلب عليها سكان عرف فإن أسباب الإحباط تتضاعف.
بداية لا ينبغي الشك في أن خبر داعش خبر مفرح للجميع خصوصاً أولئك الذين عانوا منها الأمرين، لكنه صار فينا ما يقال في المثل العامي: "يا فرحة ما تمت"
ثانيهما أن ممارسات PYD/YPG المتطرفة التي تسيطر على قسد لا تختلف عن ممارسة النظام الذي انتفضت سوريا ضده، فهي أقرب إلى داعش العابرة للحدود منها إلى أي حركة وطنية، ترهيب قسد وممارساته الترهيبية لا تسمح كثيراً بالشعور بالفارق إذا ما أخذنا ذلك بالسياق العام.
ثالثهما مجازر الباغوز التي استبيح فيها دم الأطفال والنساء بشكل يثير الاشمئزاز ويقتل الضمير، فقد قتل مئات الأطفال والنساء حرقاً، قتل الأطفال الأبرياء لمجرد أن أهاليهم من داعش، نزعت عنهم الإنسانية وعوملوا كمجرمين لا فرق بين رضيع وفتي، كان انتصارا يقوم على مسح القيمة الإنسانية للأطفال، كيف يمكن قبول انتصار وحشي مثل هذا دون أن يقارن الناس بأطفالهم.
لهذا السبب شكل احتفال النيروز في الرقة والباغوز وغيرهما ما يشبه احتفالا بانتصار أقلية عرقية على مواطنيها من عرقية ثانية، شاب الانتصار على داعش مشاعر إعلان الانتصار على عرب البادية. حسناً هذا كان مجرد محاولة لفهم ردود الفعل الباهتة للنبأ الجيد عن انتهاء سيطرة داعش على أي من الأراضي السورية، وهو يرينا كيف أزمة ما بعد داعش ولدت قبل إعلان نهاية داعش  وأثرت فيه.