الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لقاح كورونا: “الجيش العربي السوري”!

لقاح كورونا: “الجيش العربي السوري”!

23.03.2020
صبحي حديدي



القدس العربي
الاحد 22/3/2020
الأرجح أنّ من المحال العثور، حتى إذا بحث المرء في أربع رياح الأرض، على وزير صحة من طراز شاغل الحقيبة الحالي في حكومة النظام السوري، لا يعتبر فيروس كورونا جرثوماً، فحسب؛ بل يبشّر السوريين بأنّ جيش النظام “طهر الكثير من الجراثيم الموجودة على أرض سوريا”، ولهذا لا إصابات بفيروس كورونا في سائر أنحاء البلد.
القاصي والداني يعرف، في المقابل، أنّ البلد على حدود مشتركة مع ثلاثة بلدان لا تخفي وجود إصابات على أرضها، العراق ولبنان والأردن؛ وأنّ إيران، البلد الأوّل في المنطقة والثالث عالمياً من حيث أعداد الإصابات والوفيات، تجمعه علاقات سياحة دينية كثيفة مع مواقع مختلفة في سوريا، وله قوّات عسكرية مرابطة في البلد تقاتل إلى جانب النظام. ولا فائدة تُرجى من مساجلة الوزير الهمام حول الفارق بين الفيروس والجرثوم، أو التشكيك في معلوماته عن هذا اللقاح الإعجازي الجديد الذي يُدعى “الجيش العربي السوري”؛ فالنظام الذي يكذب حتى في نشرة الأحوال الجوية، كما ذكّرنا ذات يوم الشاعر السوري الراحل ممدوح عدوان، كيف له أن يصدق كورونياً!
فات الوزير، مع ذلك، أن يكافئ تضامن “الحرس الثوري” الإيراني مع النظام باقتراحٍ علاجي لا نظير له ولا سابق، مثل إرسال عيّنات من اللقاح العبقري ذاته إلى حكومة آيات الله في طهران، على سبيل وقاية آلاف المواطنين الإيرانيين الذين تفتك بهم الكورونا المستجدة، قبل تطهير الأراضي الإيرانية من الفيروسات كافة. وإذا جاز واجب التضامن المطلق مع الفاجعة الرهيبة التي يعيشها الشعب الإيراني اليوم، فإنّ شرّ البلية لا يجبّ حقّ تفضيح هذا النظام السوري الذي يفرّخ هذا الوزير؛ فالسخرية هنا أقرب إلى أضعف الإيمان في مواجهة مقدار فظيع من الابتذال العلمي والطبي الذي ينطوي، أيضاً، على استهتار طائش بمخاطر هائلة تمسّ ملايين السوريين.
إلى هذا، فشل الوزير في التعمية على حقيقة إحصائية ساطعة تفيد بأنّ وزارته لم تكن تملك أيّ جهاز لتحليل الإصابة بالفيروس في بدء انتشاره عالمياً، وأنها اليوم أيضاً لا تملك سوى جهاز واحد وحيد مقرّه دمشق؛ الأمر الذي يعني أنّ المعرّض للإصابة في حلب أو حمص أو اللاذقية، فما بالك بأبناء القامشلي ودير الزور والرقة، يتوجب أن يسافر إلى العاصمة لإجراء التحليل؛ على ما يحمله أيّ ترحال بين المحافظات السورية من مشاقّ ملحمية وعوائق عصية، إذا توفّر السفر أصلاً.
مأساوي، كذلك، في ظلّ الدولة الفاشلة التي يديرها النظام السوري منذ عقود، أن تصبح جائحة الكورونا مناسبة لارتفاع جنوني جديد في أسعار المواد الأساسية، والغذائية في المقام الأوّل؛ ليس لأنّ غريزة التخزين الاحتياطي تقترن عادة بشروط استثنائية مثل الأوبئة والحروب، بل لأنّ ضوابط التسعير غائبة أو منعدمة، واستغلال المواطن قائم على قانون شرعة الغاب. الأمثلة مذهلة: الكيلوغرام من الأرز 1800 ليرة سورية، والسكر 600، ولحم الغنم 8500، ولحم العجل 7500، والفروج الحي 1500، والسمن النباتي 1500، ولتر الزيت النباتي 1300…
الكورونا مناسبة، أيضاً، لانحدار إعلام النظام إلى حضيض أكثر تدنياً في تجميل صورة السلطة، وتبرير القباحات المختلفة، وإحالة فشل الحكومة إلى العقوبات الاقتصادية، وإشاعة نظريات المؤامرة حول استهداف الحليفين الصيني والإيراني (ولا أحد، بالطبع، يتساءل عن سرّ توفير الحليف الروسي!)؛ بل الشماتة في ما تعانيه دول غربية مثل إيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة، عقاباً لها على معاداة النظام. صحيفة “الوطن”، التي يملكها تمساح الفساد وابن خال النظام رامي مخلوف، طالبت العالم بثلاثة إجراءات: رفع العقوبات كاملة، وخروج جميع “القوات الاحتلالية غير الشرعية”، ومنح النظام “تعويضات عاجلة من الدول التي قادت ودعمت الحرب”!.
هنا، أيضاً، فات الجهبذ الذي سطّر تلك الإجراءات أن يضيف إليها شرطاً: إلزام منظمة الصحة العالمية، والبشرية جمعاء، باستيراد اللقاح العبقري الإعجازي، إياه: “الجيش العربي السوري”!.