الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لبنان والعراق..خسارات إيرانية

لبنان والعراق..خسارات إيرانية

04.11.2019
حسن فحص


المدن
الاحد 3/11/2019
لم يكن خروج امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله عن سياق الحديث المخصص لمفاعيل الانتفاضة الشعبية التي شهدها لبنان في الاسبوعين الماضيين والجدل الحاصل حول تداعيات استقالة الحكومة برئاسة سعد الدين الحريري وما يرافقها من جدل حول طبيعة الحكومة المقبلة بين تكنوقراط او مختلطة بين تكنوقراط وسياسي او اعادة انتاج الحكومة السابقة على الاسس نفسها والشخصية التي ستتولى رئاستها، للانتقال للحديث عن المقاومة وقوتها (قوية جدا جدا) والتصدي للمسيّرة الاسرائيلية، خروجا على سياق حديثه، بل استطرادا حاملا للرسائل التي اراد توجيهها للداخل والخارج اللبناني المعني بالتطورات التي تشهدها هذه الساحة.
فعلى المستوى الداخلي، يبدو ان القرار لدى القوى المقررة في الازمة الحكومية والسلطوية ذاهب باتجاه تبني خيار تشكيل حكومة مختلطة بين سياسيين وخبراء على حساب تلك التي تدعو وترفع شعار التكنوقراط مراهنة انها قادرة على تقديم وجوه جديدة غير واضحة الانتماء الحزبي ما يعزز نجاحها في تحقيق هدفها الذي لم تبذل كثير جهد في اخفائه باخراج وابعاد حزب الله عن اي تشكيلة وزارية مقبلة تمهيدا لمحاصرته. ما يعني ان اصرار هذه القوى على خيار "الحكومة المختلطة" سيجعل من الفريق "التكنوقراطي" اكبر الخاسرين واول الخارجين من هذه الحكومة بما يشبه عملية العزل الذاتي التي تخدم الفريق الخصم وتعفيه من تحمل عبء وتبعات محاسبته لاحقا.
هذه "الصدمة الايجابية" التي تحدث عنها امين عام الحزب، تشكل رسالة طمأنة لحلفائه في الداخل وفي الاقليم بان المسار السياسي والعمل على استيعاب التطورات الناتجة عن الازمة الحكومية وما احدثته الانتفاضة الشعبية من جراح في التركيبة السياسية يتم العمل على علاجها بهدوء وروية، خصوصا وان المرحلة الاولى من العلاج قد تمت بنجاح من خلال خلخلة مواقف القوى الداعمة للانتفاضة عبر استقالة الحريري التي تبدو لدى الحزب وقيادته "اشكالية" وغير بريئة، الا ان خيار العودة لتنبي ترشيح الحريري لا يبدو مستبعدا لانه سيكون اهون الشرور. الاعداد للمرحلة التالية والخطوة الاستيعابية الثانية على قدم وساق، وستبرز مفاعيلها ونتائجها بحيث تسقط ورقة "قوى الانتفاضة" التي تعتمد على الشارع.
لا شك ان السيد نصرالله قد سمع واطلع على المواقف التي اعلنها المرشد الاعلى آية الله السيد علي خامنئي قبل ايام، والتي شكلت اول حديث رسمي من اعلى المستويات حول الاحداث التي تشهدها الساحتان العراقية واللبنانية، والتي حمل فيها المسؤولية لاجهزة المخابرات الامريكية والاسرائيلية وتمويل دول خليجية وصفها "بالرجعية"، داعيا الى تعزيز العمل الامني لمواجهة هذه المخططات وفرض الاستقرار والهدوء الذي يمهد الطريق امام العمل لمعالجة الازمات الاقتصادية.
من هنا، فان رسائل الطمأنة التي حملها خطاب نصرالله عن قدرة الحزب على مواجهة التحديات السياسية والتطورات الداخلية والتصدي لما تقوم به اجهزة المخابرات الامريكية والاسرائيلية ومن معهم، بالتزامن مع بقاء المقاومة العسكرية على جهوزيتها واستعدادها التام للمواجهة في اللحظة المناسبة ، تتجاوب مع القلق الذي عبر عنه المرشد الاعلى لما اعتبره استهدافاً لمحور المقاومة الممتد من ايران مرورا بالعراق وسوريا وصولا الى لبنان وفلسطين ودرة تاجه اليمن.
وكما يبدو فان الدوائر الايرانية ومعها القوى الحليفة لها في العراق ولبنان، قد دخلت في نقاش جدي لما قد تؤول اليه الامور في هذين البلدين وتداعياتها على الدور الاقليمي لمحور المقاومة وايران بالتحديد، خصوصا وان الامور وصلت الى مرحلة الانتقال لاستثمار الانجازات التي حققها هذا المحور في الاقليم وترجمتها انجازات سياسية مع القوى الدولية، ومن الطبيعي هنا ان تعتبر نفسها (طهران) المستهدف الاول في هذه التحركات حتى وان كانت منطلقاتها الاعتراض والاحتجاجات على الطبقة السياسية الحاكمة والفساد الذي تمارسه والنهب المنظم والوقح الذي تقوم به لمقدرات الدول ومسؤوليتها عن تراجع الاوضاع الاقتصادي والافقار الذي طال الطبقة الوسطى وزاد الفقراء فقرا. وقد زاد من حراجة الموقف الايراني، خصوصا في العراق، التحذير الذي صدر عن المرجعية الدينية في النجف الذي توجهت به الى بعض القوى الاقليمية والدولية وتضمن كلاما واضحا وتأكيدا على "ان احترام ارادة العراقيين في تحديد النظام السياسي والاداري لبلدهم من خلال اجراء الاستفتاء العام على الدستور والانتخابات الدورية لمجلس النواب هو المبدأ الذي التزمت به المرجعية الدينية واكدت عليه منذ تغيير النظام السابق... وليس لاي شخص او مجموعة او جهة بتوجيه معين او اي طرف اقليمي او دولي ان يصادر ارادة العراقيين في ذلك ويفرض رأيه عليهم". في مؤشر  واضح على خروج الصراع بين (قم والنجف) الى العلن بشكل غير مسبوق ومن دون قفازات، خصوصا وان الطبقة السياسية الحاكمة والمحسوبة على ايران في العراق قد ساهمت في إلحاق الاذى بموقع ودور مرجعية النجف التي كانت وستبقى الضامن والراعي لوحدة العراق والدفاع عن مصالح الشعب العراقي.
امام هذه التطورات، من غير المستبعد ان تكون دوائر القرار الايراني الامني والسياسي قد بدأت التفكير في السنياريوهات الاكثر صعوبة وأذية لها ولدورها ونفوذها الاقليمي في هذه المرحلة الحساسة، ولعل السيناريو الاكثر تحديا لها قد يكون التفكير في امكانية ان تواجه واقعا يفرض عليها التعامل مع احتمالية خسارة الساحتين العراقية واللبنانية، ما يعني خروجها الحتمي من الساحة الاقليمية بكاملها، بحيث تكون بعد خسارة العراق ولبنان، مجبرة على تقديم تنازلات قاسية في اليمن، فضلا عن امكانية ان تواجه صفقة دولية تجبر الحكومة السورية على الطلب من طهران سحب قواتها من الاراضي السورية، خصوصا وانها دأبت على التأكيد ان هذا الوجود مرتبط بقرار الحكومة السورية التي طلبت المساعدة بداية ومستمر طالما هي بحاجة له.
امام هذا السيناريو، لا يمكن استبعاد ان يكون قلق المحور الايراني مسوغاً وان يدفع باتجاه استخدام كل الوسائل والرسائل لاعادة تثبيت المعادلات التي عمل على إرسائها خلال العقود الماضية وما زال يدفع الاثمان من اجل ذلك؟