الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لبنان: من جيش "حزب الله" الشيعي إلى "سرايا التوحيد" الدرزية

لبنان: من جيش "حزب الله" الشيعي إلى "سرايا التوحيد" الدرزية

23.11.2016
رأي القدس
رأي القدس


القدس العربي
الثلاثاء 22/11/2016
فاجأ النائب وئام وهاب أول أمس الأحد اللبنانيين بتنظيم عرض عسكريّ لمقاتلين دروز تحت مسمّى "سرايا التوحيد"، وذلك بعد فترة قصيرة من قيام "حزب الله"، وهو الراعي الرسميّ لحركة وهّاب، بعرض عسكريّ (أكبر طبعاً) مدجّج بالأسلحة الثقيلة من مدفعيّة ميدان ودبابات وناقلات جنود في مدينة القصير السوريّة قرب حمص.
قام مخرج استعراض "سرايا التوحيد" باستخدام الكثير من رموز "العلامة التجارية" لحزب الله اللبناني، مع القيام ببعض التحويرات الضرورية لتناسب الجمهور الطائفي الذي تتوجّه إليه، ومن ذلك أن شعار "لبيك يا حسين" الذي يستخدمه "حزب الله" والميليشيات الشيعية بعامّة تمّ استبداله بـ"لبّيك يا سلمان" (سلمان الفارسي)، وهي إشارة قد يعتبرها "حزب الله" مزاودة محمودة للتقدير الذي يحظى به الصحابي الجليل في المذهب الشيعي، وكذلك لـ"الرابطة الفارسية" التي يحيل اسم سلمان الفارسي إليها حيث تُبطن توجّها رمزيّاً إلى الراعي الإقليمي الأكبر: إيران.
الرموز الأخرى المستعارة من "حزب الله" تضمّ الملابس السوداء التي تعتبر من أركان اللباس الشيعي، ولو أراد وهّاب (أو مخرج العرض الذي وراءه) إعطاء طابع درزيّ للعرض لكان اختار الملابس البيضاء.
قدّم العرض أيضاً تكراراً لعروض سابقة لـ"حزب الله"، ومن ذلك هبوط المقاتلين بالحبال على الجدران، وهو ما فعله "حزب الله" في استعراضه الأخير في "يوم القدس"، ولكن أكثر ما فضح العرض كان اللثام الذي وضعه الكثير من المقاتلين. وقد كشفت مصادر لـ"القدس العربي" أن اللثام كان لإخفاء وجوه المشاركين، الذين كان كثير منهم جنود أصليون من "حزب الله" بالفعل وليسوا فقط عناصر من الدروز يحاولون تقليد الأصل.
هذه الاستعانة بجنود "حزب الله" وطقوسه ورموزه، كشفت عكس ما أراد العرض العسكري أن يقوله، فكانت دليلا على تراجع شعبية النائب وليس على قوّته الافتراضية، وهو أمر سارع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي والزعيم الدرزي وليد جنبلاط إلى التأكيد عليه بنشر صورة لشاب يلهو بصواريخ ورقية.
جنبلاط طبعا هو أحد المقصودين برسالة العرض العسكري، لكنّ العرض أيضاً محاولة لاستعادة صورة القوّة التي اهتزّت بعد مقتل سمير القنطار حليف وهاب و"حزب الله" في سوريا ما أدّى إلى ابتعاد كبير عن وهاب من جماهير الدروز السوريين الذين اعتبروا حزبه مخترقاً، كما صار رأسه مطلوباً من جماعة "شيوخ الكرامة" بعد اغتيال النظام السوري كبيرهم وحيد البلعوس ما جعله ينكفئ عن زيارة عاصمة جبل الدروز السويداء منذ سنتين، ويكتفي بمكتب صغير في بلدة جرمانا في ضواحي دمشق وببعض الأتباع الذين لا وزن كبيرا لهم.
الرسالة الأخرى كانت بالطبع للجيش اللبناني الذي يستعدّ بدوره لاستعراض عسكري اليوم بمناسبة العيد 73 للاستقلال وللرئيس الجديد ميشال عون، وقد كان ذلك شديد الوضوح بقول وهاب: "نحن إلى جانبه طالما التزم العهد وعده"، ومن المؤكد أن وتيرة هذا التهديد للرئيس "الحليف"، ستزداد حدة مع محاولات التطبيع التي يحاولها مع خصوم "حزب الله"، وخصوصاً المملكة العربية السعودية التي قدّمت دعوة لعون لزيارتها.
الاستعراضات العسكرية المتعدّدة لـ"حزب الله" وتفريعاته في الطوائف اللبنانية الأخرى تعيد إلى الذهن كتاب "بيت بمنازل كثيرة" للأكاديمي اللبناني الراحل كمال صليبي والذي يفنّد فيه الكثير من أساطير التاريخ اللبناني القديمة ـ الحديثة، فالعرض الأخير يشبه تفكيكا للجمهورية اللبنانية ليس إلى جمهوريات طوائف متسلّحة ومتحاربة فحسب بل إلى منازل أصغر متحاربة ضمن كل طائفة أيضاً، وهي انقسامات لم يعد فيها من لبنان الذي يتغنّى به الجميع شيئاً.
يقدّم العرض وإن بصورة كاريكاتورية، حقيقة صعود مشروع إيران للسيطرة على المنطقة (وداخله مشروع النظام السوريّ المنكفئ ومشروع إسرائيل الذي فقد وزنه في ثمانينات القرن الماضي) لإنهاء مشروع آخر للتغيير والحرية تمكّن المستبدّون، للأسف، من طمره تحت آلاف الصواريخ والقذائف ودمار المدن وتغيير الديمغرافيا وتطييف النزاع وجرف الملايين خارج بلدانهم.