الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لبنان على مسار التّدويل ضمن مفهوم "مسؤوليّة الحماية" لكن معركة الحياد صعبة 

لبنان على مسار التّدويل ضمن مفهوم "مسؤوليّة الحماية" لكن معركة الحياد صعبة 

15.07.2021
رياض قهوجي


النهار العربي
الاربعاء 14/7/2021 
كل التحركات الجارية على الساحتين الدولية والإقليمية توحي بأن لبنان متجه الى التدويل لا محالة. فمنذ انفجار المرفأ الذي دمر جزءاً كبيراً من العاصمة بيروت والمسألة اللبنانية باتت موضع اهتمام كبير، نظراً الى ما آلت اليه الأوضاع من انهيار لمقومات الأمن الإنساني وتدهور الاقتصاد والعملة الوطنية، وإفلاس الخزينة وانتشار الفوضى الأمنية وضرب سلطة القضاء. ولم تعد أي من القوى الخارجية المهتمة بالشأن اللبناني تستخدم عبارات دبلوماسية لتصف أسباب الانهيار الشامل في لبنان، بل هي تتّهم علانية وفي اجتماعات مغلقة وعلنية السلطة الحاكمة والأحزاب السياسية المكوّنة لها بالفساد والفشل والتعطيل، بهدف تحقيق مكاسب شخصية وسياسية ومادية. طبعاً القيادات السياسية في لبنان تتصرف وكأنها ليست هي المعنية بهذه الاتهامات وتنسبها الى خصومها في السلطة. وهناك قيادات سياسية لبنانية تحاول تضليل الرأي العام عبر الإيحاء بأن إفلاس الخزينة وضياع أموال المودعين في المصارف، وأزمات الكهرباء والمحروقات والنفايات وغيرها من المشكلات، هي بسبب الحصار الذي تنفذه بعض القوى الخارجية ضد لبنان وليست بسبب فسادها وهدرها المال العام وسياسة المحاصصات التي تعتمدها منذ 15 عاماً، وهي ليست تهماً من الخارج أو الإعلام فقط، بل تهم توجّهها مكوّنات هذه السلطة ذاتها الى بعضها بعضاً يومياً. 
باختصار، يبدو أنه باتت هناك قناعة لدى معظم المجتمع الدولي بأن لبنان بات دولة فاشلة، وبات قادتها عاجزين، وبعضهم حتى ممتنعين عن القيام بالخطوات اللازمة لإنقاذ البلد وشعبه. فالساحة الدولية تشهد اتصالات بين دول مؤثرة مثل فرنسا والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وروسيا حول الملف اللبناني، وتتلاقى بعض اتصالات هذه الدول مع مساع من لاعبين إقليميين أساسيين، مثل المملكة العربية السعودية ومصر، للنظر في اقتراحات لحلول قصيرة الأمد وبعيدة الأمد. أما الحلول القصيرة الأمد فتهدف لإرسال مساعدات الى منظمات غير حكومية وجمعيات من أجل تأمين مواد غذائية وطبية ومساعدات إنسانية تساعد الشعب الذي بات أكثر من نصفه تحت خط الفقر، على الصمود والاستمرار. كما ستركز الجهود الدولية لحلول قصيرة الأمد على دعم مؤسسة الجيش لتمكينها من الاستمرار في أداء مهامها بفعالية ومنع الانهيار الأمني الكبير الذي يخشى المجتمع الدولي من عواقبه. وقد تشمل الحلول القصيرة الأمد إجراءات عقابية ضد السياسيين اللبنانيين المتهمين بتعطيل تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلة، تقود لبنان نحو انتخابات نيابية، وتعمل مع صندوق النقد الدولي لحل مشكلاته المالية - الاقتصادية.  
أما الحلول البعيدة الأمد أو حتى المتوسطة الأمد فهي الأهم، كونها تشمل مصير المنظومة السياسية اللبنانية وما يسمى بالجمهورية الثانية. ويبدو حتى الآن أن التركيز على إحياء اتفاق الطائف وتطبيقه بالكامل، إنما ضمن مبدأ الحياد. وتظهر التحركات أن الفاتيكان سيكون رأس الحربة في جبهة دولية هدفها إحداث واقع جديد على الساحة اللبنانية، بحيث لا يبقى ساحة للنزاعات الإقليمية والدولية ويكون محايداً عن مشكلات المنطقة. طبعاً "حزب الله" ومن خلفه ما يُعرف بمحور الممانعة سيكونان الجبهة الرئيسية المضادة لتحرك الفاتيكان. ومن غير الواضح حتى الآن ماذا سيكون موقف موسكو من تحركات الفاتيكان المستقبلية، ولكن من المرجح أنها ستدعمه بالعلن، ولكن لن تسمح بوصول الأمر الى التصويت داخل مجلس الأمن. فروسيا تعتبر "حزب الله" وإيران شريكين مهمين لها – حتى هذه اللحظة – في سوريا، ويساعدانها على تثبيت وجودها في لبنان على حساب أميركا. لكن قد تعدّل موسكو من موقفها إذا تجاوبت الكنسية الأرثوذوكسية الروسية مع موقف الفاتيكان، بخاصة تحت عنوان حماية المسيحيين في الشرق. كما أن الصين لن تدعم أي مشروع غربي يتضمن تدخلاً في الوضع الداخلي لأي بلد.  
تتحرك الدبلوماسية الغربية ضمن مبدأ في منظومة الحوكمة العالمية التي ظهرت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، ومعروفة باسم "المسؤولية للحماية". وهي تقوم على دور المجتمع الدولي اتجاه الدول الفاشلة والتي تمر بمحن كبيرة يعجز قادتها عن التعامل معها، إما بسبب فقدان القدرات المادية أو بسبب مشكلات سياسية أو حروب أهلية. فلا يمكن تجاهل انهيار مقومات الحياة في بلد ما من دون توقع انعكاسات لذلك على أمن المنطقة المعنية أو حتى الأمن الدولي. ولما كان دور مجلس الأمن الدولي، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، هو التعامل مع سيناريوات كهذه والتدخل عند الحاجة، فإن الرهان يبقى دائماً على دور هذا المجلس. لكن الخلافات بين الأعضاء الخمسة الدائمين في هذا المجلس حالت في السابق وستحول مستقبلاً دون دور فاعل لمجلس الأمن في حل مشكلات الدول التي تحكمها منظومات فاشلة ومستبدة تضر بمصالح شعوبها وأمنها. 
 هذا ما دفع دولاً عدة للبحث في إطار دولي للتدخل تحت عنوان "المسؤولية للحماية" التي يجب أن يحظى بها سكان الدولة الفاشلة من سلطة فاسدة أو مستبدة. وأخذت هذه النظرية بعداً كبيراً وتطبيقياً عندما واجهت أوروبا أزمتي البوسنة والهرسك وكوسوفو، إذ هددت الحروب الأهلية التي اندلعت في جمهوريات دولة يوغوسلافيا السابقة أمن القارة الأوروبية، ما استدعى تحركاً عسكرياً للقوى الغربية لإنهاء الصراع بعدما فشل مجلس الأمن الدولي في بادئ الأمر بالتوصل الى حلول فاعلة. 
لكن كيف سيكون شكل أي مبادرة للمجتمع الدولي تجاه لبنان تحت راية "المسؤولية للحماية"، وهل ستحمل في طياتها أي حلول عسكرية أو أمنية مستقبلاً؟ لا يبدو حتى الآن أن هناك تحضيراً لأي تدخل عسكري، إلا أن هناك آليات عدة لوضع أسس أي تدخل عسكري قد تبدأ عبر التجديد لقوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان ضمن شروط جديدة، تتضمن زيادة مهامها ومسؤولياتها في مناطق عملها، وربما توسيعها لتشمل المنافذ البرية والجوية للبنان. لا صورة واضحة حتى الآن الى ما ستؤدي اليه التحركات الدولية الخاصة في لبنان، لكن من المرجح أن تزداد وتيرتها مع استمرار الأزمة السياسية والمعيشية والأمنية في لبنان وانطلاق مبادرات من جهات عدة، وخاصة الفاتيكان. وقد تتقاطع هذه الجهود مع المحادثات التي تجريها القوى العظمى مع إيران في فيينا. إلا أن الأمر هذه المرة سيختلف بالنسبة الى إيران التي ستجد مشروعها بالسيطرة على المنطقة الممتدة من حدودها الغربية نحو البحر الأبيض المتوسط، والذي يعتمد على وجود "حزب الله" كقوة عسكرية، في تصادم مباشر مع جهود دولية لن تستطيع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تجاهلها أو عدم دعمها. وطبعاً، ستكون إسرائيل بالمرصاد لمحاولة الاستفادة من جهود تدويل لبنان وتحييده. وضع لبنان اليوم يكشف محور المقاومة ويضعه في موقف دفاعي ضعيف، ما قد يزيد من خطر ردود فعله المستقبلية. فإيران و"حزب الله" لن يتخلّيا عن مكتسباتهما في لبنان من دون معركة، فأين ومتى وكيف؟